المشاهد نت

حصار تعز.. «حكايات مؤلمة»

ثماني سنوات وحصار الحوثيين على تعز مستمر - صورة متداولة من فعاليات الحملة

تعز – أسامة عفيف

يستمر ناشطو تعز بتنظيم حملات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي للتنديد بحصار تعز، عقب إقامة مؤتمر صحفي نظمته الإدارة العامة بديوان محافظة تعز يوم الـ 13 يوليو/تموز الجاري، بمناسبة مرور 3000 يوم على حصار المدينة من قبل جماعة الحوثي.

وتأتي تعز في المركز الأول كأكثر المحافظات اليمنية تضررًا بسبب الحرب الدائرة منذ 8 سنوات، إذ يعاني سكان تعز من حصار خانق أثّر بشكل كبير على تنقلات المواطنين واقتصاد المدينة، لاسيما المرضى الذين يتجرعون معاناةً مركبة؛ للوصول إلى الطرف الآخر من المدينة.

بالإضافة إلى حوادث السير المتتالية التي أودت بحياة الكثير من أبناء تعز؛ نتيجة وعورة الطرقات، في ظل خذلان دولي، وفشل متكرر لمحاولات التوصل إلى حل سياسي لفتح منافذ المدينة.

حكايات الحصار المؤلمة

“عندما رفعت الغطاء الأبيض وجدت ابني ميتًا أسفله، ممددًا على سرير المشفى”، كانت هذه اللحظة كفيلة لتٌدخل طبيب التخدير ”صدام عبده حسان” في صراع نفسي، لمدة ثلاثة سنوات.

خلال سرد حكايته لـ «المشاهد» يقول صدام: تلقيت خبرًا بأن زوجتي وأخيها (صهري) تعرضوا لحادث في طريق الأقروض، ركضت مسرعًا إلى المستشفى لأتفاجىء بابني وقد فارق الحياة، أما زوجتي فانكسر عمودها الفقري لتظل طريحة الفراش لمدة شهرين”.

في عام 2017 ذهبت زوجة صدام وأخيها إلى الحوبان، في زيارة عائلية، وفي طريق العودة وقع الحادث، مشيرًا -بسخط ممزوج بالدموع- إلى الحصار الذي فصل الحوبان عن المدينة ليجعل زوجته تتسلق طرقًا وعرة للوصول إلى عائلتها أدت إلى خسارة ابنه.

يستطرد: “استقلت زوجتي وأخاها سيارة أجرة وقد كان فيها ركاب كثر، وفي جبل الأقروض انقلبت السيارة توفيت وال سائق السيارة وابني قصي وجرح الآخرين”.

قصي كان الابن الأول لصدام، لكن فقدانه في هذه الحادثة أدخله وزوجته في اضطرابات نفسية طويلة، ما يزال يعاني من تبعاتها حتى الآن.

على الضفة المقابلة، وفي إحدى قرى مديرية المعافر جنوبي تعز، أتمت ”أم بشار” تجهير كل ما يتطلبه عرس ولدها بشار، كان ذلك قبل عيد الفطر الفائت بيوم واحد، حيث وصلها نبأ وفاة ولديها بشار ومحمد، بحادث سير مروع للحافلة التي تٌقلهم في نقيل هيجة العبد، قادمةً من مدينة عدن التي كانا يعملان فيها.

“جٌنت الأم ولم تتمالك نفسها”، بهذه الكلمات يصف محمد عبد الهادي، حال عمته فور علمها بالخبر، يضيف “منذ ذلك الحين وعمتي لم تسترد عافيتها، بل تفاقمت حالتها العقليلة والنفسية بشكل أسوأ”.

ويوضح: “فجيعة أم بشار بموت ولديها أفقدها عقلها؛ نتيجة استمرار الحصار الحوثي على مدينة تعز، الذي يجبر المدنيين على سلك طرق وعرة غالبًا ما تؤدي إلى كوارث مؤلمة”.

“محمد الذي يكبر أخاه بشار متزوج منذ عام وزوجته هي الأخرى كانت قد استعدت لمقدمه إلى القرية”، يواصل حالهما عبدالهادي حديثه، ويضيف: ”كان هذا الحادث صدمة ليس لأسرتنا ولكن لجميع أهالي المنطقة”.

يشير عبد الهادي إلى صدمة عاشها الجميع في القرية، إلا أن الحظ الأوفر من الوجع كان من نصيب الأم التي فقدت فلذتي كبدها، وزوجة محمد التي تحمل في بطنها جنينًا لن يرى أباه، وزوجة بشار التي لم يدخل بها بعد، وكانت تتهيئ للفرح ومراسيم عرسها.

مدنيون يدفعون ثمن الحرب

في تقرير حديث للسلطة المحلية بمحافظة تعز، بلغت الحوادث المرورية بسبب الطرق الوعرة البديلة 481 حادثًا مروريًا، نتج عنها 374 حالة وفاة، و966 حالة إصابة وبلغ متوسط خسائر الحوادث المادية قرابة 474 مليونًا و600 ألف ريال يمني، وفق ما تم رصده فقط، في ظل وجود حالات لم يتم رصدها خلال سنوات الحصار.

يوضح التقرير، أن ضريبة البنزين خلال العام الواحد كانت قبل الحصار تصل إلى أكثر من 8 ملايين و 800 ألف ريال، وبعد الحصار (صفر ريال)، كما أن عدد المدارس التي أغلقت بسبب الحصار بلغ 31 مدرسة، كما تسرب عن التعليم 32 ألف طالب وطالبة؛ بسبب الحصار.

ويلفت التقرير، إلى أن الكوادر النازحة في كل القطاعات عدا جامعة تعز، بلغ عددهم 10464 نازح، وقد كان كادر جامعة تعز قبل الحصار يصل عددهم إلى 2100 وبعد الحصار أصبح عددهم فقط 833، كما بلغ عدد الطلاب المتضررين من عدم القدرة على الوصول إلى الجامعة بسبب الحصار 8567 طالب.

من جانب آخر، ذكر تقرير لمركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، أن جماعة الحوثي قتلت 4105 مدنياً، وأصابت 17948 آخرين، بينهم نساء وأطفال بالمحافظة، منذ مارس/آذار 2015 وحتى يونيو/حزيران من العام الجاري.

إقرأ أيضاً  تعز.. الإعلان عن خطة طارئة لمواجهة تفشي الكوليرا

ورصد التقرير، أن من بين القتلى 878 طفلاً و464 امرأة، ومن بين الإصابات 2132 طفلاً و2660 امرأة.

وأشار التقرير، إلى أن عشرات الآلاف من الألغام الحوثية، حصدت حياة نحو 779 مدنياً، بينهم 38 طفلاً و23 امرأة، كما أصيب على إثرها 1296 مدنياً، بينهم 71 طفلاً و30 امرأة.

وأوضح التقرير، أن حالات الاختطاف بلغت 496 حالة لمدنيين، و175 حالة إخفاء قسري، و897 حالة احتجاز تعسفي، و102 حالة تعذيب، و97 حالة اعتداء على مدنيين، و78 انتهاكا لحرية الرأي والتعبير.

تعثر جهود فك الحصار

بدأت المفاوضات مع الحوثيين لفك حصار تعز برعاية أممية، في أبريل/نيسان عام 2016 بظهران الجنوب، الذي بموجبه تم توقيع اتفاق ينص على فتح جميع الطرق، لكن الحوثي تنصل من الاتفاق، ومن جميع الاتفاقيات اللاحقة حتى الآن.

وفي هذا الصدد، يشير ماهر العبسي الذي يعمل في رصد انتهاكات حقوق الإنسان بمدينة تعز، أن الحصار على تعز يعد دليلًا وإثباتًا كاملًا على جريمة حرب ما تزال مستمرة حتى اليوم.

في حديثه لـ”المشاهد“، يوضح: ”بعد اندلاع المعارك في تعز، تعمد الحوثيون إغلاق الطرقات بشكل كامل، ونشروا القناصة في المباني والمرتفعات المطلة على الطرق، وأطلقوا النار على كل من يمر”..

يتذكر العبسي “في معبر جولة القصر حين كان يٌسمح للمدنيين بالعبور مشيًا على الأقدام من الساعة الثامنة صباحًا وحتى الرابعة عصرًا، بعدها في شهر يوليو/تموز أٌغلق تمامًا مع بقية المنافذ، ولم يبق للمواطنين أي منفذ للخروج من المدينة”.

ويرى المحلل السياسي عبد الواسع الفاتكي أن ثماني سنوات كافية لأن يفقد أبناء تعز الأمل من الحوار مع جماعة الحوثي، التي ترى الحوار معها استسلامًا وضعفًا يغريها لتستمر في التعنت والإصرار على العقاب الجماعي لملايين المدنيين في المدينة.

يقول الفاتكي لـ”المشاهد“، إن “الحكومة اليمنية رمت بأوراقها كاملة ووافقت على فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة دفعة واحدة”، لتترك فتح الحصار عن تعز بندًا تفاوضيًا لاحقًا؛ الأمر الذي منح الحوثيين فرصة التملص من فتح الطرق.

يضيف الفاتكي: “كان حريٌ بالحكومة اليمنية الموافقة على فتح مطار صنعاء وتأجيل فتح ميناء الحديدة؛ لاختبار مصداقية الحوثيين، وكورقة ضغط على فتح طرق تعز، وترحيلها لتتزامن مع فتح ميناء الحديدة”.

مواطنون يواجهون قسوة الحياة

ضيّقت الانتهاكات اليومية حرية التنقل وضاعفت أسعار المواد الأساسية للسكان، مع وجود انتهاكات مصاحبة كالتفتيش والاحتجاز التعسفي والتعذيب وإرهاق المسافرين في النقاط الأمنية، ولذلك فقد أحدث حصار تعز شرخًا في النسيج الاجتماعي بين السكان القاطنين في المدينة، والقاطنين في مناطق جماعة الحوثي، يقول حقوقيون.

محافظ تعز الأسبق، علي المعمري، اوضح في منشور على صفحته بـ”الفيسبوك”، أن ”الحوثيين تجردوا من كل القيم الإنسانية، وكبدوا الأبرياء معاناةً لا تخطر على بال، وذلك لأنهم يمتلكون ما يكفي من وسائل القوة والإرهاب”، حد وصفه.

ويضيف: ”علّمنا الحوثيون أن الظروف قد توقعك تحت رحمة جماعة فاشية؛ لذلك فإن طريق الخلاص بن يكون إلا بعيدًا عن وهم العدالة الدولية وزيف قوانينها وأدواتها الضاغطة”، وفق رؤيته.

ويستطرد: ”حصار تعز بقدر ما يؤكد الطبيعة الفاشية للحوثيين، فهو يمثل شهادة وفاة لضمير الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي، والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان؛ التي ظلت على مدار كل هذه المدة تشاهد كل أدوات الوحشية وهي تفتك بسكان تعز، وتمنع عنهم الغذاء والأدوية والمياه، ولا تحرك ساكنًا”.

المحامي ياسر المليكي يوضح لـ«المشاهد» أنه توجد قطيعة كبيرة بين الأسر هنا وهناك، تصل بالنهاية إلى الانفصال”، إذ من الصعب اجتماع الطرفين في ظل الحصار، وهذا ما يمزق النسيج الاجتماعي بشكل كبير.

ويواصل المليكي: ”الماء الذي كانت تزود به المدينة من منطقة الحيمة أصبح مقطوعًا، ومن الصعب إعادة توصيله”، وكذلك الكهرباء أصبحت أمرًا صعبًا، خصوصًا أن المحطة الرئيسية في المخا”.

ويقول الصحفي محمد المياس لـ«المشاهد» إن الحصار سمح لجماعة الحوثي ممارسة انتهاكات ضد القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان.

ويشير: “فاقم الحصار الكثير من المعاناة على جميع المستويات، إذ أن هناك مئات الأطفال ماتوا قنصًا، من قبل جماعة الحوثي التي تنتشر على تباب تعز ومرتقعاتها”.

في الجانب الإقتصادي، تسبب الحصار بأضرار كثيرة لا تعد ولا تحصى، ويوضح المياس ”أن جماعة الحوثي فرضت في إب والراهدة جمارك وضرائب كبيرة على التجار، وهذا الأمر الذي تسبب بارتفاع تكلفة المشتريات على المواطنين داخل المدينة”.

مقالات مشابهة