المشاهد نت

للراغبين باستعادة شبابهم.. سطوع «نجم البلدة» بساحل حضرموت

نجم البلدة ليس مجرد ظاهرة فلكية أو بحرية ولكنه ارتبط بإبراز الموروث الثقافي الحضرمي - متداولة

المكلا – إكرام فرج

يتوافد المواطنون إلى مدينة المكلا والذين يقبلون إليها من داخل المحافظة وخارجها في النصف الأخير من شهر يوليو/تموز من كل عام.

سبب هذا الإقبال والتوافد يكمن في الرغبة للإغتسال في بحور مدينة المكلا ومدن ساحل حضرموت كافة، والاستمتاع بأجوائها الطبيعية، إحياءً لموسم البلدة السياحي والتراثي، والمشاركة في المهرجان السنوي الذي يقام كتقليد موسمي ويحمل اسم ”مهرجان موسم البلدة السياحي”.

نجم البلدة

يمثل موسم نجم البلدة، واحدًا من نجوم فصل الخريف، وهو المنزلة الثانية التي يبدأ فيها نجم البلدة من اليوم الخامس عشر من شهر يوليو/تموز من كل عام، وتشتد خلاله برودة سواحل حضرموت ومياه البحر بشكل لافت.

وبحسب الخبير في غرفة الأرصاد بمديرية الشحر بساحل حضرموت، محمد السلمي، فإن نجم البلدة من نجوم برج القوس العملاق، يظهر لامعًا ساطعًا نیرًا، وتبلغ كتلتھ خمسة أضعاف كتلة الشمس، وإضاءته أكبر بحوالي 1000 مرة من الشمس، ویبعد عنا بنحو 440 سنة ضوئیة، وقد تكوّن بحسب تقدیرات العلماء قبل حوالي 95 ملیون سنة.

ويضيف السلمي لـ«المشاهد» أن نجم البلدة هو جزء من التقويم النجمي، وهو واحد من 28 نجمًا أو منزلة، التي تغرب وقت الفجر ومع غروب الشمس، وتتزامن مع تغيرات مناخية مهمة.

للراغبين باستعادة شبابهم.. سطوع «نجم البلدة» بساحل حضرموت

فإذا غرب نجم البلدة في وقت الفجر، يتوافق مع تغيرات مناخية في ساحل حضرموت، فيحدث أولًا برودة البحر، وثانيًا ما سمي بإغلاق للبحر، وفق السلمي.

ويواصل: ”وهذه الظاهرة طبيعية استثنائية وبحرية فريدة تختص بها سواحل حضرموت، وهو موسم مناخي يتخلل فصل الصيف الحار، ويتميز باعتدال درجات الحرارة وبرودة البحر”.

ويشير الراصد السلمي إلى أن الزوار يقصدون مدن ساحل حضرموت من داخلها وخارجها بهدف الاغتسال بمياه بحورها؛ بسبب اشتداد برودتها خلال موسم البلدة، بفعل التيارات البحرية شديدة البرودة؛ مما يؤدي إلى تلطيف الجو في مناطق ساحل حضرموت، ولاسيما المناطق المجاورة لبحر المكلا.

موسم للاستشفاء

يغتنم السكان هذه الظاهرة بالإغتسال في مياه البحر الباردة لما لها من فوائد صحية وعلاجية كثيرة، حيث ثبت للأجداد مدى فعاليتها في علاج عدد من الأمراض الجلدية وغيرها.

وبرودة المياه خلال موسم نجم البلدة تعد صحية للإنسان؛ وذلك بفعل التيارات البحرية وبحالاتها المتغيرة، حتى باتت مقولة منتشرة عن الاغتسال بمياه البحر خلال موسم البلدة مفادها: ”غسلة في البلدة تغنيك عن حجامة سنة”.

فبرز الاهتمام بهذه الظاهرة منذ القدم وخاصة من قبل كبار السن، كونها تعطيهم القوة والنشاط وتمثل لهم علاجًا للأمراض الجلدية والعصبية، وآلام الركب والمفاصل والروماتيزم، ولكثير من الأمراض المتعلقة بالدورة الدموية.

ويعتقد الراصد السلمي بأن الفؤاد الصحية للبلدة هي بسبب وجود النيتروجين والفسفور في تيارات البحر، لافتًا إلى أن علاجًا كهذا سبق وأن اشتهر به اليابانيون، الذين اهتموا بالعلاج بواسطة المياه الباردة.

ويقول إن البعض يعتقد بأن الاغتسال في المياه الباردة في وقت الفجر يعيد النشاط للأجسام ويشفيها من الكثير من الأمراض خاصة الجلدية منها.

إقرأ أيضاً  توجيهات قضائية بإيقاف شحنة دوائية في عدن
للراغبين باستعادة شبابهم.. سطوع «نجم البلدة» بساحل حضرموت

بالإضافة إلى تزويد الجسم بفيتامين D الذي يساعد على نمو وتكوين العظام وغيرها من الفوائد الصحية الكثيرة التي ثبتت فعاليتها من تجارب الأجداد وأهل المنطقة حتى قيل في الأمثال الشعبية: ”غسلة في البلدة تُرجع الشايب ولده”، أي تعيده شاب ممتلئ بالحيوية والنشاط.

ويحرص الكثير من أهالي المكلا والمناطق الساحلية بالمحافظة على الاغتسال في المياه الباردة من الساعات الأولى خلال الموسم، وليس كبار السن فقط، للإستفادة من ظواهر نجم البلدة والاستفادة من بزوغه.

كما أن الصيادين ينتظرونه بفارغ الصبر، كون هذا الموسم أحد أفضل مواسم للإصطياد لتوافر أفضل وأجود أنواع الأسماك خلال أيامه.

وبحسب صيادين بمديرية الشحر تحدثوا لـ«المشاهد» فإن البحر يزخر ويمتلى بالأسماك الكبيرة والنادرة التي لا تتوافر إلا بفعل برودة المياه في البحر وتواجد مياه الأمطار التي لها دورها في تغذية وتكاثر الأسماك.

وأضافوا أن موسم البلدة يمثل مصدر رزق لكثير من الصيادين الذين يعملون في هذه المهنة، وخصوصًا مع ما يعترضهم من أزمات الوقود وارتفاع تكاليف الاصطياد وعملية الصيد.

الانتعاش السياحي

ورغم اشتداد حرارة الصيف إلا أن مدينة المكلا تتحول إلى منطقة لجذب واستقطاب لكثير من السياح بداخل وخارج الوطن، خاصة مع ما يمتاز به موسم البلدة من برودة عالية في كل عام.

ولم تمنع المعاناة والظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد أهالي مدينة المكلا من الاحتفال وصناعة أجواء مليئة بالفرح والسرور بعيدًا عن منغصات الحياة اليومية.

لهذا عمدت السلطات المحلية بالمحافظة على إعادة إحياء المهرجانات المصاحبة لهذه الظاهرة الفلكية، من خلال تدشينها للمعارض الثقافية الصباحية وإحياء الفعاليات والكرنفالات الخاصة بالموروث الثقافي والشعبي والفني.

إضافة إلى العروض البحرية والتراثية ومعارض الأسر المنتجة، وكذا وجود المسرح الترفيهي للأطفال، والبطولات الرياضية وحفلات غنائية مسائية تحيي الطرب الحضرمي الأصيل.

للراغبين باستعادة شبابهم.. سطوع «نجم البلدة» بساحل حضرموت

وهو ما أشار إليه مدير مكتب الثقافة بمديرية الشحر لـ«المشاهد» بأنه يتم عرض الموروث الثقافي في المناسبات على اعتبار أنها تجمع الكثير من الزوار وتكون محط اهتمام من كل الجهات الرسمية وغير الرسمية.

ويقول كليواش إن القطاع الثقافي يحتاج إلى الكثير من الاهتمام، وخاصة في مجال البنية التحتية من مراكز ودور عرض ودورات، والاستمرارية في العرض وديمومته، إلى جانب الدعم المالي، ورغم هذا إلا أن السلطات منحت جل اهتمامها للوافدين من خارج المحافظة وتعريفهم بتراث ساحل حضرموت.

ويضيف أن مهرجان موسم البلدة يعتبر عامل جذب للسياح ومردوده إيجابي على اقتصاد الدولة، بل إن بعض الدول ترتكز عليه اقتصاديا إلى جانب السياحة.

وفي ختام حديثه، لفت كليواش إلى أن هذا العام شهد توسعًا في الفعاليات وتوسيع رقعتها لتشمل مناطق كثيرة على ساحل حضرموت، إلى جانب المشاركات الخارجية والضيوف من مختلف الدول.

مقالات مشابهة