المشاهد نت

أضرار الجراد الصحراوي على مزارعي الجوف ومأرب

وصل سرب من الجراد الصحراوي إلى الجوف في الأسبوع الأول من يوليو 2023

الجوف – محمد النمر

بدأ موسم الزراعة في اليمن، منتصف أبريل/ نيسان، أي قبل نحو أربعة أشهر من الآن، وهو بداية السنة الزراعية المتعارف عند اليمنيين منذ آلاف السنين.

ومع اقتراب موسم حصاد المحاصيل الزراعية، شكا عدد من المزارعين  من مناطق شمال اليمن في أحاديث منفصلة مع المشاهد من دمار المحاصيل في مزارعهم نتيجة هجوم الجراد الصحراوي خلال يوليو الماضي.

شهدت ثلاث محافظات يمنية الاجتياح الأكبر هذا العام، هي: مأرب، صعدة، والجوف، وبعض من مناطق صنعاء في مديرية بني حشيش موطن العنب، وهي المحافظات التي تشهد نشاطًا زراعيًا كبيرًا خلال سنوات الحرب، بحسب مزارعين تحدثوا لـ«المشاهد».

وحسب نشرة الجراد الصحراوي الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة لشهر يوليو فقد وصلــت بعــض الأســراب القليلــة الغيــر ناضجــة مــن الشــمال خــال الأســبوع الأول من يوليو الفائت  وانتقلــت إلــى المناطــق الجبليــة بالقــرب مــن صعــدة، وصنعــاء بالإضافــة إلــى المناطــق الداخليــة بالقــرب مــن الحــزم في محافظة الجوف.

كما تــم رصــد بعـض الحشـرات الكاملـة الانفراديـة الناضجـة وغيـر الناضجـة بالقـرب مـن عتــق في محافظة شبوة ووادي حضرمــوت، الهضبــة، وفــي الشــرق بالقـرب مـن حـات في المهرة، بالقـرب مـن عمـان.

ظاهرة الجراد الصحراوي ليست بجديدة، فهي واحدة من أقدم الآفات المهاجرة في العالم، التي تدمر المحاصيل الزراعية في بقاع مختلفة من العالم.

دمار المحاصيل

يقول المزارع عبدالرب راكان، من محافظة الجوف، شمال اليمن، إن الجراد الصحراوي اجتاح عدة مناطق زراعية وقيعان، أبرزها: مزرعة المتون، الجلة آل جعير، السليل المشايخ ومزرعة الرايس في الجوف.

وأضاف راكان لـ«المشاهد» أن هذه الحقول الزراعية شهدت اجتياحًا هائلًا من الجراد الصحراوي المهاجر، وكبّد المزارعين خسائر مادية فادحة.

ولحسن الحظ فإن الجوف من المحافظات التي تزرع محصول القمح والذرة خلال أشهرٍ متأخرة من الموسم المعتاد في اليمن؛ لأنها تقع في منطقة صحراوية وجافة؛ لذا اقتصرت  الخسائر على محاصيل الفواكه والخضروات والبقوليات ولم تشمل القمح، حسب راكان.

وقال: ”يُزرع القمح متأخرًا في الجوف، بعكس المناطق الباردة صعدة، وصنعاء التي يُزرع فيها قبل الجوف بثلاثة أشهر، حيث تبدأ زراعة القمح في شهري سبتمبر وأكتوبر من هذا العام”.

المزارع عبده القيسي من محافظة مأرب (وسط البلاد)، يتحسر على إهدار شهور وأيام تحت حرارة الشمس لإصلاح وزراعة الأراضي لكي تدر مقابلًا ماليًا يحفظ حياة المزارعين، وفق ما يقول، مواصلًا: ”تأتي هذه الآفات الفتاكة في أقل من أسبوع تغدر بنا تسلبنا التعب ومجهود شهور”.

ويضيف القيسي لـ«المشاهد»: لم أكن أعلم أن هذه المرة سيكون الجراد بهذا النشاط والجوع، فقد التهم إلى اليوم ثلاثة حقول.

وامتد دمار المحاصيل بفعل الجراد إلى محافظة صعدة،  بحسب المزارع ماجد العشي من صعدة.

يقول العشي لـ«المشاهد»: يدخل الجراد إلى الحقول كالسحاب، ويتنشر بصورة مخيفة جدًا، وعندما يجتاح الحقل يحوله إلى أجرد تمامًا، وهذا الخراب المهول من الجراد يعطي نتائج سلبية على محاصيل المزارعين، ويسلبهم أشهرًا من التعب والإصلاح في غضون أيام قليلة.

غياب حصر الأضرار

شكا بعض المزارعين في المحافظات التي اكتسحها الجراد من ضعف مكافحة الجراد والحد من تبعاتها. يقول المزارع علاء الرازحي، من صعدة،  في حديث للمشاهد “إن الجهات المعنية تقف عاجزة عن تبني حلول تحد من الكارثة التي قد تلحق بالأراضي الزراعية في مختلف المحافظات اليمنية.”

بالإضافة إلى ضعف دور فرق الرش، حتى وإن وُجدت تكون محدودة المكافحة، ولا تؤثر على الجراد أو حتى تقلص من مستوى نشاطه.

ويتفق معه المزارع ولد دثينة، من الجوف، في حديثه مع «المشاهد» أن فرق الرش التي أرسلتها الوزارة إلى الحقول هناك لم تغطي سوى 8% من المزارع المتضررة في المنطقة، دون أي حصر للأضرار التي تكبدها المزارعون.

إقرأ أيضاً  الضالع.. إصابة أطفال بانفجار مقذوف ناري

ويكشف ديثنة أن الجراد قضى على كل شيء في بعض المزارع، كمزرعة ”قاع الفيض” كبرى المزراع هناك، وفيها أكثر من 100 بئر ارتوازية وأكثر من 500 لوح من الطاقة الشمسية، وكانت تعج بمحاصيل مختلفة كالسمسم والقطن والخضروات، وتوقع مالكوها أن تعود عليهم بملايين الريالات، قبل أن تقضي عليها الجراد. وقالت منظمة الفاو في نشرتها لشهر يوليو الماضي عن الجراد الصحراوي أنه تم مكافحـة مسـاحة  1,470هكتـارا.

على مدى عدة أعوام ماضية أتلف الجراد الصحراوي محاصيل الحبوب والأعلاف والخضروات؛ مما أثر على سبل العيش لدى غالبية المزارعين  في المناطق التي غزاها الجراد في اليمن، بحسب ما ذكره الأخصائي في البيئة وديع الشرجي.

وقال الشرجي لـ«المشاهد» أن الجراد الصحراوي لايزال يمثل تهديدًا رئيسًا لسلامة الأغذية والاستقرار الاجتماعي، لا سيما بالنسبة للعديد من سكان الريف الذين يعيشون على الزراعة المعرضة لمخاطر مناخية عالية.

وأضاف أن السيطرة على غزوات الجراد للحقول تشكل كلفة عالية للبلدان المتضررة، وتمثل هذه المقاومة في اليمن أكرًا صعبًا؛ نظرًا لحالة الصراع التي لاتزال تدور رحاها لحد اللحظة.

من جانبه، قال لـ«المشاهد» محمد الحكيمي، عميد كلية الزراعة في ذمار سابقًا: عند حدوث غزو للجراد تتعرض جميع أنواع النباتات لهجومٍ فتاك. وتابع: ”يمكن أن يكون الضرر كبيرًا على جميع أنواع المحاصيل؛ الأمر الذي يهدد سبل العيش لسكان المنطقة التي حصل لها مداهمة شرسة من الجراد الصحراوي.”

كما أن مناطق الرعاة معرضة أيضًا لتدمير كبير، مما يؤثر على إجمالي إنتاج الثروة الحيوانية بحسب الحكيمي. وأوضح أن المنافسة الغذائية بين الجراد والماشية يمكن أن تؤدي إلى تدهور الغطاء النباتي والتربة، بخاصة في الأماكن التي يكون فيها التوازن البيئي غير مستقر، خصوصا في المناطق الساحلية.

ومن عادة الجراد الصحراوي أن يهاجر في أسراب كبيرة، ويضم السرب الواحد بين 40 و80 مليون جرادة، ويمكن للسرب أن يغطي مساحة تتراوح بين كيلومتر مربع ومئات الكيلومترات، قاطعًا مسافة قد تصل إلى 130 كيلومترًا في اليوم الواحد، بسرعة 19 كيلومترًا في الساعة؛ ما ينذر بكارثة غذائية كبيرة، حسب الخبير في البيئة محمد الحكيمي. 

بنهاية العام الماضي أدت عمليات مكافحة الجراد التي تقودها منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) في اليمن، إلى معالجة 48.082 هكتارًا من الأراضي الزراعية، والقيام بعمليات مسح لنحو عشرة أضعاف هذه المساحة.

خسائر اقتصادية

يتكبد المزارعون في المناطق التي كانت غزاها الجراد الصحراوي، خسائر مادية فادحة، كما حصل مع المزارع مسعد البدوي. يقول في حديثه مع «المشاهد» إلى أنه أنفق قرابة 750 ألف ريال يمني في زراعة محاصيل الطماطم، البامية، الكوسة، البرتقال، الوزان، القضب، قصب الفيل، القطن، بلس الترك الشوكي، العدس، الفاصوليا، و السمسم (الجلجلان) كزراعة أولية قبل زراعة القمح، لكن الجراد التهم بعضها قبل نضوجه، وقضى على البعض الآخر وهي ناضجة، بينما تعرض محصول السمسم لهجوم الجراد بشكل كبير، وأُتلف كاملًا.

في هذا السياق يقول الخبير الاقتصادي فارس النجار لـ«المشاهد» أن آفة الجراد الصحراوي تتسبب بنتائج سلبية ومؤلمة على القطاع الاقتصادي، وتكبده خسائر كبيرة، أبرزها: تقلص مستوى الإنتاج السنوي من الفاكهة والخضروات والقمح وغيرها من المحاصيل المحلية، ما يجعل اليمن تزيد من الاستيراد الزراعي بكميات كبيرة؛ نتيجة ضياع المنتج المحلي.

مقالات مشابهة