المشاهد نت

تعسف ممنهج ضد تنظيم الأسرة 

ألغى وزير الصحة في صنعاء مطلع 2021 العمل بدليل تنظيم الأسرة-الصورة من ويب طب

صنعاء – سلمى عيسى 

عاشت منى تجربةً ثقيلةً عام 2021، حين كان عمرها لا يتجاوز 25 عامًا، وتقطن في منطقة باجل بمحافظة الحديدة، غرب اليمن.

كانت تجربةً متعلقةً بالحمل، الذي أنهكها في ظل عدم اكتراث زوجها لآلامها، رغم تحمل مسئولية أبناءها وحدها دون مساعدة من أحد، وفق ما روته لـ«المشاهد».

تقول منى: ”لم يكن زوجي يهتم للإنهاك الذي كنت أشعر به، بل ويتعمد استفزازي ويطلب مني إعداد الفطور بشكل منفصل له، وقبلها أكون قد استيقظت باكرًا ليذهب ابني الكبير للمدرسة، وسهرت طوال الليل بسبب طفلي الرضيع الذي كنت أرضعه وأنا حامل؛ لعدم استخدامي الحليب الصناعي بجانب الرضعات”.

وتضيف: ”مجرد سؤال من طبيب الأسنان وقت الزيارة الدورية، أو أي طبيب عادي، أو صديقة حول سبب توعكي ”هل انتِ حامل؟”، أصبح يثير مخاوفي ويصيبني بنوبة هلع”.

 لم تكن منى تريد الحمل خصوصًا في تلك الفترة، لكن صعوبة الحصول على وسائل منع الحمل بسبب قلة المراكز الصحية التي توزع الحبوب بشكل مجاني، ومنع الصيدليات التي كانت توفرها بمبلغ منخفض  من بيعها،  وارتفاع ثمن الموانع الأخرى التي قد تصل قيمتها إلى 3000 ريال يمني، كل هذه الأسباب جعلتني أتهرب من زوجي إذا دعاني للفراش.

شروط تنظيم النسل

ما زالت بعض النساء يلجأنّ لاستخدام الطرق الشعبية كالحقن المهبلية المحتوية على الماء والملح بعد الجماع؛ لمنع حدوث فرص حمل، وهو حل غير ناجح، إلا أن مبرر اللجوء إليه يكمن في صعوبة عناية الأسرة بأطفالها، في ظل اشتراطات رسمية تحويل دون تطبيق أساليب تنظيم النسل.

حسب وثيقة تأكدت من صحتها منصة صدق اليمنية، المختصة بتدقيق المعلومات، فقد أمر وزير الصحة في حكومة جماعة الحوثي بصنعاء، طه المتوكل، في مطلع 2021،  بوقف العمل بدليل تنظيم الأسرة في المرافق الصحية وأعدت وزارته بديلا “يتماشى مع الهوية الإيمانية” حسب تعبير الوثيقة الموقعة من قبل الوزير.

وتشترط  وزارة الصحة في حكومة جماعة الحوثي في صنعاء على المركز الحكومية في الحديدة، منذ أواخر يناير/كانون أول عام 2021 أن تأتي الزوجة برفقة زوجها لاستلام شريط واحد شهريًا لحبوب منع الحمل.

أما ”اللولب” فيشترط وجود الزوج وتوقيعه على الموافقة وإذنه بعمل اللولب، بينما يتعلل أكثر الأزواج بانشغالهم في العمل؛ لأنه مشوار شهري وإجباري في مجتمعٍ يجب أن تهتم الزوجة بصحتها بمفردها، وليس من واجب الزوج ذلك.

أحد الأزواج، اسمه عمار، يصر في حديثه مع «المشاهد» على أنه ”لم يكن يسمع من والدته بمثل هذه الشكاوى حول الحمل والولادة، وأن زوجته تجرجره خلفها في كل مرة لطلب الموانع وهو غير متفرغ ومشغول بعمله’’.

هذا الوضع لم يأتِ فجأة، فالنساء في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون تحديدًا يعانينّ من شحة وسائل منع الحمل منذ عام 2015. 

وحسب وثيقة تأكدت من صحتها منصة صدق اليمنية، المختصة بتدقيق المعلومات، فقد أمر وزير الصحة في حكومة جماعة الحوثي بصنعاء، طه المتوكل، في مطلع 2021،  بوقف العمل بدليل تنظيم الأسرة في المرافق الصحية وأعدت وزارته بديلا “يتماشى مع الهوية الإيمانية” حسب تعبير الوثيقة الموقعة من قبل الوزير. 

تعسف ممنهج ضد تنظيم الأسرة 
وثيقة وزير الصحة في حكومة جماعة الحوثي يأمر بإيقاف العمل بدليل تنظيم الأسرة-منصة صدق اليمنية

بينما يتداول شريحة من الناس أن أسباب انعدام حبوب منع الحمل، يأتي بسبب استراتيجية جماعة الحوثي لزيادة أعداد المواليد ورفد الجبهات بالمقاتلين في ظل تغذية الأطفال معتقدات الجهاد منذ نعومة أظافرهم.

صندوق الأمم المتحدة للسكان يقول أن النمو السكاني في اليمن يبلغ حاليا 3%، وهو من أعلى معدلات النمو في العالم.

تنفي الدكتورة أفراح ثابت، مختص برامج الصحة الإنجابية بصندوق الأمم المتحدة للسكان توقف المنظمات عن ضخ وسائل تنظيم الأسرة إلى اليمن، وأن وزارة الصحة هي من تكفلت بتوزيعها للمراكز الصحية.

تقول الممرضة في المركز الحكومي التابع لمديرية شعوب في صنعاء’، م. هـ: ”أدوية منع الحمل متوفرة هذه الأيام بشكل يومي، لكن هناك احتمال لانعدامها مرة أخرى، ووزارة الصحة هي من تقوم بتوفيرها بشروط محددة.”

وتشير م. هـ. إلى أن من الشروط فتح استمارة لكل امرأة تطلب هذه الوسائل مع شرط حضور زوجها في أول مرة، وإحضار بطاقته في المرات اللاحقة، ويتم تسليم شريط واحد فقط، وألا تتسلم غيره إلا في الموعد التالي من الشهر القادم، أما تركيب ”اللولب” فيتطلب حضوره وموافقه خطية من الزوج.

إقرأ أيضاً  استمرار تراجع مؤشر التنمية البشرية في اليمن

شرط موافقة الزوج

ناشطة ومهتمة بالشؤون النسوية، فضلت عدم كشف هويتها تقول: “لا يوجد نص دستوري أو لائحة تنظيمية تنص على وجوب موافقة الزوج على استخدام موانع الحمل”للزوجة”، ورغم هذا عانت النساء اليمنيات المتزوجات في المحافظات الشمالية من عدم توفر موانع الحمل، ومن اشتراط موافقة الزوج للحصول على مانع حمل، وهذا أدى إلى التحكم بالأنواع التي تدخل إلى الأسواق رغم شحتها.”

وتضيف: “ولكن مع وجود تشديدات وتدخلات عميقة يصبح من الصعب والمحرج على الكثير من الإناث الوصول إلى وسائل منع الحمل، ويتم التعامل مع المريضات بدون النظر إلى كونهن مكلفات بالغات، ويمكنهنّ اتخاذ القرار الأصوب بشأن صحتهنّ وفقًا لما يتم تشخيصه من قبل الطبيبات، فيتم تسليم النساء ورقة لنموذج موافقة يقوم الزوج بتعبئته ليتسنى لها الحصول على مانع الحمل المتوفر’’. 

وتعلق الناشطة: ’’الانتهاكات التي تطال النساء يمكن رصدها في قائمة تطول، وليس موضوع موانع الحمل إلا جزء من هذه الانتهاكات”.

فتاوى وتكاليف 

يقول الشيخ حسن الجبري، مفتي شرعي يقيم في صنعاء ومقدم برنامج ديني على القناة الحكومية الخاضعة لسلطة جماعة الحوثي: ’’إن الزواج أساسه الإنجاب وليس المتعة، فإذا رفض أحد الزوجين الإنجاب يجب تقويمه، إلا إذا تضررت الزوجة من ذلك.

ويشير الشيخ الجبري لـ«المشاهد» إلى قاعدة ”لا ضرر ولا ضرار” في الإسلام، فيجب عندها أن يكون هناك ترشيدًا لتنظيم الحمل لكي لا يضر بصحة الأم.

من جهتها، تنفي الدكتورة أفراح ثابت، مختص برامج الصحة الإنجابية بصندوق الأمم المتحدة للسكان توقف المنظمات عن ضخ وسائل تنظيم الأسرة إلى اليمن، وأن وزارة الصحة هي من تكفلت بتوزيعها للمراكز الصحية.

وتقول لـ«المشاهد»: ”إن مخازن الأدوية تمتلئ بموانع الحمل؛ لكن ما يسبب شحتها تكلفة توزيعها الكبيرة التي تتطلب مبالغ ضخمة.

وتروي الصيدلانية سماح علي، كيف كانت المنظمات توفر وسائل تنظيم النسل بشكل مجاني، لكن وزارة الصحة منعت ذلك، ولم تعد كل الأسر تستطيع تخصيص مبلغ شهري لشراء الوسائل أو عمل حل كـ”اللولب”.

وتتابع الصيدلانية سماح لـ«المشاهد»: في عام 2021، سنة إصدار قرار تقنين توزيع الوسائل ومنع تداولها ووضع ضوابط عليها، قام مشرف وزارة الصحة في إحدى قرى محافظة إب (جنوب صنعاء) بالتوجيه شفويًا، بمنع بيع وتوزيع كل وسائل منع الحمل.

وقالت: عندها لجأ إحدى المراكز الطبية إلى توفير الوسائل عبر التهريب، حتى أنه اضطر لتهريب اللولب التجاري داخل مجموعة ملابس، خاصةً وأنه يمنع استيراده في بعض الفترات.

وتحكي سماح أن موزع أدوية أجبرته نقطة التفتيش على تكسير حقن منع الحمل وإحراق الحبوب رغم وجود تصريح لديه، وقال له عناصر النقطة بالحرف الواحد ’’نحن نريد النساء تحمل ونورد مجاهدين للجبهة”.

تشديدات صارمة ضد التصريح بالحبوب من النوع التجاري ودفع ضرائب إضافية لإستيراده؛ فيضطر الصيدلاني لإخفائها وبيعها بحذر، أما المجاني منه فيصادر فورًا؛ لانه يتبع الوزارة برغم بيعه بسعر رمزي في الصيدليات بمبلغ يصل 150ريال يمني فقط.

هذه التشديدات ليست من وزارة الصحة بل إنها موجهه من القيادات العسكرية لحرصهم على عدم توفر هذه الوسائل؛ لضمان زيادة الإنجاب.

في المقابل، تشتكي عديد أسر من عدم توفر الوسائل البديلة لمنع الحمل، وغلاء التجارية منها، فـ”اللولب” فيكلف تركيبة 20 ألف ريال، خلاف الزيارات الدورية التي تكلف مبلغ يصل إلى 5000 ريال، فيما يبلغ سعر حبوب منع الحمل التجارية 3000 ريال، بينما لا تتوفر نهائيًاولصقات منع الحمل، يتطلب توفيرها رعاية خاصة كونها تحفظ مبردة.

وتؤثر هذه القرارات على الأسر البسيطة المعتمدة على المعونات المجانية التي توزعها وزارة الصحة، بينما تتوفر هذه الوسائل للبيع بشكل تجاري وبأسعار ليست في متناول الجميع في ظل وجود التزامات أكثر أهمية منها: الأكل والشرب والسكن.

مقالات مشابهة