المشاهد نت

الجمباز السويدي يبعث رسائل ايجابية في اليمن المنكوب بالحَرْب

مبادرة ممارسة الجمباز السويدي لتحسين الصحة العقلية-صنعاء-بوزتف نيوز

صنعاء-عبد الله علي

في ظل الحرب المستمرة وانعدام الأمن الغذائي والنظام الصحي المُنهار، يكافح اليمنيون من أجل تحسين صحتهم العقلية.   ومع ذلك، وجد أحد المتقاعدين المسنين في اليمن طريقة لتقديم أمل جديد من خلال نادي لممارسة الجمباز السويدي (علاج الحركة السويدية)- وهو ناد مجاني لممارسة رياضة الجمباز كل يوم. وسرعان ما ذاع صيته في جميع أنحاء البلاد.

إنها الساعة الخامسة صباحاً يوم السبت، حين بدأ الرجال التواجد في حديقة الثورة بمدينة صنعاء بعد صلاة الفجر، حيث الجو كان لا يزال صحواً ، قبل أن تكدره حرارة الشمس الحارة.  وفي اللحظات الأولى لشروق الشمس، اصطف مئات الرجال داخل ساحة الحديقة منتظرين بدء ممارسة رياضة الجمباز.

كانوا يهتفون بحماس عبارات “أحسن فريق” أو “أفضل فريق” وتردد صداها في جميع أنحاء الحديقة حين بدأوا بممارسة مجموعة من 33 تمريناً مصمماً لتمرين الجسم بالكامل. ركزّ المتدربون على ممارسة مجموعة من التمارين الرياضية التي تشمل لمس أصابع القدمين والوقوف على ساق واحدة والقفز عالياً على مدى ساعة من الزمن، ما ساعدهم مؤقتاً على نسيان الضغوطات التي تراكمت لديهم من الحرب الأهلية المدمرة التي استمرت ثماني سنوات وأودت بحياة 377 ألف شخص.

بحلول الساعة 6:30 صباحاً، تفرق الجميع، وبدأوا يومهم متجددي النشاط والحيوية، مستعدين للقاء مرة أخرى في صباح اليوم التالي. خرج البعض لتناول الإفطار، بينما اتجهت مجموعة أخرى تضم حوالي 80 راكب دراجة إلى شلالات بني مطر، على مشارف العاصمة صنعاء.

يقول ناجي أبو حاتم، المؤسس المشارك للمبادرة، “إنه ناد رياضي للجميع، لكنه مهم بشكل خاص لكبار السن، الذين يعانون من الأمراض والقلق ولا يطيقون تحمل تكاليف علاجهم. فكونهم جزءًا من ’أفضل فريق‘ يعزز من معنوياتهم ويوفر لهم دروساً مجانية في التمارين الرياضية في بيئة صحية واجتماعية.

تعود جذور جلسات ممارسة هذه الرياضة إلى تقاليد الجمباز السويدي-تصوير رويترز

 تسببت سنوات من العنف في تدهور الصحة العقلية لسكان اليمن الذي مزقته الحرب.

 بدأت حالة عدم الاستقرار الحالية في اليمن في عام 2015، عندما تدخل تحالفاً بقيادة السعودية في اليمن لوقف تقدم مقاتلي الحوثيين، الذين سيطروا على العاصمة صنعاء، التي يقطنها 2.5 مليون شخص، وطردوا الحكومة المعترف بها دولياً.


 لا يزال القتال مستمراً في اليمن حتى يومنا هذا، وقد شهد المواطن اليمني العادي البالغ من العمر 25 عامًا 14 نزاعاً مسلحاً.


ولهذا السبب، تقدر منظمة الصحة العالمية أن واحداً من كل أربعة يمنيين، أي حوالي 5.5 مليون شخص، يعاني من اضطرابات الصحة العقلية التي تتطلب تدخلاً طبياً.

الصحة العقلية لا تحظى بالاهتمام في ظل أسوأ أزمة إنسانية في العالم ، ويقدر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن ثلثي اليمنيين يعانون من الجوع كل يوم.  على الرغم من أن البلاد لديها رسمياً نظام صحي وطني، إلا أنه انهار تقريباً في السنوات الأخيرة، وغالباً ما تُترك حالات القلق والاكتئاب والذهان دون علاج.  فمعظم الناس لا يمكنهم تحمل تكاليف العلاج في المرافق الصحية الخاصة التي انشئت لسد الفجوة في الرعاية الصحية.  

لقد وجد كل واحد منا نفسه في ’أفضل فريق‘ ووجدنا كل اليمنيين الآخرين بيننا. وهذا أوضح مثال على كيفية بقائنا متحدين كأمة”.

يبلغ تعداد سكان اليمن 33 مليون نسمة، لكن لا يوجد سوى 59 طبيباً نفسياً ، أي طبيب نفسي واحد لكل 500 ألف شخص، ويبلغ إجمالي عدد العاملين في مجال الصحة العقلية 304 فقط. ففي حين يتم ربط الاضطرابات النفسية بالمس والسحر، فمعظم الناس لا يفضلون الكشف عنها باعتبارها وصماً اجتماعياً.

تقول منيرة النمر، رئيسة قسم الطب النفسي في مستشفى الرسالة بصنعاء: “لا توجد إحصائيات تشير إلى عدد حالات أمراض الصحة العقلية، ولكن مما لا شك فيه أن أمراض الصحة العقلية قد ارتفعت بشكل كبير، نظراً لكل الظروف التي تمر بها اليمن. فالعديد من الحالات المصابة تصل لكن بعد فوات الأوان نتيجة الوصمة الاجتماعية للأمراض العقلية.”

وبحسب منيرة، أنه على الرغم من أن ’أفضل فريق‘ لا يستطيع معالجة أزمة الصحة العقلية الهائلة والمستمرة هذه، إلا أن له فائدتان هما روح الزمالة والتمارين البدنية يمكن ممارستها في إطار ناد رياضي يحظى بمزيد من القبول بين الرجال. ويساعد ’أفضل فريق‘ على تحسين الصحة العقلية للناس في جميع أنحاء العاصمة وخارجها. وتردف قائلة: “يقدم نادي ‘أفضل فريق‘ دعمًا نفسياً عميقاً لمن يشاركون فيه، وخاصة كبار السن الذين تجمعهم التمارين البدنية والصحبة.”

تغيير العادات السيئة

في عام 2017 ، بعد عامين من تقاعد أبو حاتم ، الذي كان يعمل مهندساً ، بدأ هو وصديق آخر أصغر سنا ، عبد الله القداني ، مبادرة ’أفضل فريق‘. كان يعمل عبد الله مديراً عاماً في وزارة التربية والتعليم. سعى أبو حاتم إلى نهج حياة أكثر صحة أثناء تقاعده ، بعد أن رأى أصدقاءه وقد أحاطهم الاكتئاب من كل جانب ولجأوا الى تعاطي القات، وهو نبات مُنشط يزرع محلياً ويصنف على أنه مخدر في الولايات المتحدة وأوروبا، ولكنه جزءاً من الثقافة  التقليدية لليمنيين.  وتقدر بعض الدراسات أن ما يقرب من 90 في المائة من الرجال اليمنيين يتعاطون القات، وكان أبو حاتم نفسه يتعاطاه يومياً في شبابه.

إقرأ أيضاً  موقع القضايا التاريخية في الدراما اليمنية 

يقول أبو حاتم، وهو مهندس يبلغ من العمر 73 عاماً “نبدأ بممارسة الرياضة في وقتٍ مبكر كل صباح، طلبنا من الأصدقاء والزملاء والجيران الانضمام إلينا.  لقد استهدفنا في البداية المتقاعدين لمساعدتهم على تغيير عادتهم اليومية المتمثلة في النوم وتعاطي القات، وهو أسلوب حياة يفسد الجسد والروح.”

لقد نجح الأمر.   يقول عبد القادر النهمي، أحد الأعضاء الأوائل في الفريق، وهو متقاعد يبلغ من العمر 62 عاماً كان يعمل لدى وزارة الزراعة والري اليمنية، إنه كان متحفزاً من قبل الفريق للتخلي عن عاداته اليومية، كما فعل حاتم علي، 77 عاماً، وهو ضابط سابق في الجيش.


مع انتشار الأخبار عن الدورات الرياضية التي لا تتطلب أي شروط من قبيل الرسوم، أو أماكن محددة، أو سن محدد أو زي موحد، وتحظر الخوض في السياسة أو الحرب – جذبت المزيد والمزيد من الناس، وطالب البعض بفتح أندية أخرى في جميع أنحاء البلاد.

في حين لا يوجد سوى 304 عاملًا في مجال الصحة العقلية لـ 33 مليون شخص، تعد هذه التمارين الرياضية طوق النجاة نحو الرفاه النفسي والبدني-تصوير رويترز

وفقًا لبيانات البنك الدولي، يعيش 47 في المائة من اليمنيين على أقل من دولارين في اليوم. لكن قيمة الاشتراكات في الأندية الرياضية تتراوح بين 4,000 إلى 20,000 ريال (7-35 دولار) – لكن معظم الناس لا يمكنهم تحملها.


 يقول عامر حميد دغيش، مالك النادي الأولمبي الرياضي، إن العديد من الأندية الرياضية أغلقت أبوابها بعد اندلاع الحرب، لأنها لم تعد قادرة على تغطية نفقاتها بسبب عدم وجود زبائن.

في ظل غياب المنافسة، اكتسب ’أفضل فريق‘ تأييدًا شعبياً كبيراً.


 بدأ النادي الرياضي بعضوين فقط، والآن يضم أكثر من 1,500 عضو من جميع الأعمار والمستويات الاجتماعية، ويمارسون الرياضة بشكل يومي في 17 فرعاً، منها 14 فرعاً في العاصمة صنعاء.

افتتحت الفروع الجديدة في يونيو في مدينة حجة، شمال غرب اليمن. عندما يتقدم عدد كافٍ من الأشخاص بطلب افتتاح فرع جديد في مكان معين، يرسل مؤسسو الفريق عضواً من ذوي الخبرات لتوجيه التدريبات.

وهذا أوضح مثال على كيفية بقائنا متحدين كأمة.

لدى ’أفضل فريق‘ لجنة من الأعضاء القدامى الذين يقومون بعمليات تفتيش منتظمة على جميع الفروع لضمان اتباعها بشكل آمن الأنشطة الروتينية للجمباز السويدي.


 تم تطوير هذا النظام البسيط لأول مرة في أوائل القرن التاسع عشر، وهو مصمم للحفاظ على صحة الجسم بأكمله ولا يزال مستخدماً على نطاق واسع حتى اليوم.


 عثر مؤسسو ’أفضل فريق‘ على هذا النظام على الإنترنت وتم تعديله من قبل العضو خالد ورد، الذي عمل ذات مرة كمدرب رئيسي في الكلية العسكرية اليمنية، لضمان أنه يناسب الأشخاص من جميع الأعمار وفي مختلف الحالات الصحية.

يقول أحمد المجاهد، مستشار الجمعية الوطنية للمتقاعدين اليمنيين ، إن حياته تحسنت منذ أن افتتح الفرع الخامس من ’أفضل فريق‘.


 ويقول “تمارين الجمباز السويدي تنشط جسمك، لكن يمكن للأشخاص أن يبعثوا فيك روح الأمل.”

“كان هناك من كان عاجزًا عن المشي بمفرده، أو كان ظهره منحنياً بشدة، أو كان قد فقد قوته بسبب ضغوط الحياة والقلق، ولكنهم جميعاً يشعرون الآن بصحة وسعادة أفضل. إنه أمرٌ رائعٌ”.

ومع ذلك، هناك 50 في المائة من السكان غير قادرين على الوصول إلى ’أفضل فريق‘.

 في المجتمع اليمني المحافظ، الذي يحكمه تقاليد قبلية ورعوية متجذرة بعمق، تحد الأدوار الصارمة لكلا الجنسين من حرية المرأة، بما في ذلك قدرتها على ممارسة الرياضة في الأماكن العامة.

وفي الوقت الراهن لدى ’أفضل فريق‘ فروع في جميع أنحاء اليمن، ولكن هناك غياب ملحوظ للنساء.

في الوقت الراهن لدى ’أفضل فريق‘ فروع في جميع أنحاء اليمن، ولكن هناك غياب ملحوظ للنساء. تصوير رويترز

تقول أماني محمود، موظفة حكومية تبلغ من العمر 40 عاماً، إن المرأة اليمنية في حاجة ماسة إلى هذا الدعم. وتضيف: “أتمنى أن يكون لدينا نسختنا الخاصة من ’أفضل فريق‘ بصفتنا نساء يمنيات. نحن بحاجة إليه بنفس القدر حتى نتمكن من التغلب على الضغوطات اليومية للحرب. نحن بحاجة إلى الرياضة والعمل الجماعي. ومن المؤسف أننا استُبعدنا فقط بسبب القيود المجتمعية.”

على الرغم من أن ’أفضل فريق‘ يفتقر إلى التنوع بين الجنسين، إلا أنه يضم أعضاء من مجموعة واسعة من الخلفيات المهنية والاجتماعية والعمرية. وهذا الأمر بالنسبة لصالح السيال، 80 عاماً، وهو برلماني سابق، في غاية الأهمية.

يقول: “في البداية، لم أكن متأكداً من الانضمام إلى الفريق بعد أن تلقيت دعوة للانضمام اليه، لكنني أدركت بعد التجربة مدى روعته. لم أتغيب ولو ليوم واحد من التمارين في العام الماضي. لقد وجد كل واحد منا نفسه في ’أفضل فريق‘ ووجدنا كل اليمنيين الآخرين بيننا. وهذا أوضح مثال على كيفية بقائنا متحدين كأمة”.

نُشرت هذه القصة  باللغة الإنجليزية على منصة بوزتف نيوز  بالتعاون مع إيجاب. المشاهد ينشر ترجمة القصة باللغة العربية بالتعاون مع بوزتف نيوز

مقالات مشابهة