المشاهد نت

رانيا.. احتراف التصوير رغم الأمية

وصل عدد الأسر التي تعيلها نساء في عموم اليمن، نحو 26% من إجمالي الأسر النازحة المقدر عددهم 4.3 مليون شخص

 تعز – تسنيم علي العبسي

في بلد يعاني من الحرب والفقر، تبرز قصة رانيا (45 عامًا)، كنموذج للمرأة اليمنية الصامدة والمناضلة، التي لم تستسلم لظروفها المأساوية، بل حولتها إلى فرصة لتحقيق حلمها من أجل مستقبل أولادها.

رانيا هي أم أرملة تربي ثلاثة أطفال، ابنتها وابنيها، بعد أن فقدت زوجها عندما كانت في مقتبل العمر. تقطن رانيا في مدينة تعز، وتعيش حياة قاسية منذ طفولتها، فهي ابنة عائلة فقيرة لم تلتحق بالتعليم، وعندما تزوجت ظنت أنها ستنعم بحياة هانئة، لكن القدر كان له رأي آخر.

ليست رانيا من تجد نفسها في وضع المعيل، فقد وصل عدد الأسر التي تعيلها نساء في عموم اليمن، نحو 26% من إجمالي الأسر النازحة المقدر عددهم 4.3 مليون شخص، مقارنة بـ9% قبل الصراع في 2015، نتيجة فقدان المعيل الرجل في الحرب، حسب تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان في أبريل 2022.

تأخذ رانيا على عاتقها رعاية أولادها، وتوفير احتياجاتهم، وتحرص على ألا يشعروا بالحرمان أو النقص. حب أولادها هو الدافع الأقوى لرانيا للاستمرار في النضال والعمل: “لا يمكنني أن أدعهم هكذا، ليس لديهم بعد الله سواي؛ لذا أبذل كل ما بوسعي”. لا تبالي بشبابها المضنى أو نفسها المجروحة، بل تضحي بكل شيء من أجل سعادتهم.

الطموح رغم التحديات

بدأت رانيا رحلتها الشاقة بالعمل في التنظيف والطبخ والغسيل في المنازل، وتحملت مشقات العمل المتواضع، إذ كانت تطعم أولادها من طعام من تعمل لديهم، وأحيانًا بقايا طعامهم. ارتدوا ملابس لا يعرفون لمن هي، لا تشعر رانيا بأن ذلك عيب: “ليس عيبًا أن يرتدوا ذلك، عندما يكبرون، سيعملون بأنفسهم لتوفير كل احتياجاتهم، المهم أن يعيشوا في هذه المرحلة التي لا ترحم أحدًا”.

تشير رانيا إلى أن حلمها وطموحها، هو أن تصبح مصورة فوتوغرافية، ولأجل ذلك كانت تحب التقاط الصور بكاميرات بسيطة أو هواتف نقالة تتاح لها، وتشعر بالسعادة عندما ترى صورًا جميلة تعبر عن حالات مختلفة من الحياة.

“الكلمات لا تستطيع أن تصف ما نشعر به أو ما نراه، ولو كانت كثيرة، ما أشعر به أستطيع تجسيده في لقطة واحدة”، تقول رانيا. وتضيف صديقتها  أماني: “ما تفعله رانيا، بمحاولاتها للاتحاق بمعهد للتصوير، بالرغم من ظروفها الصعبة والمعقدة، هو حقًا شيء استثنائي”. وتعتقد أماني أيضًا  أن الأمهات مثل رانيا أصبحن قليلات، ممن يتحملن مصاعب الحياة، وبالرغم من ذلك، يحافظن على طموحاتهن، وتصف ذلك بـ”النادر” .

بعد محاولاتها للالتحاق بمعهد للتصوير، والتي كانت تبوء بالفشل، إلا أنها التحقت بمعهد للتصوير الفوتوغرافي، بعد عامين من المحاولات المتقطعة، لكن ذلك لم يكن سهلًا، فالتزاماتها اليومية وقفت دون ذلك، إذ تحتاج إلى وقت للدراسة، في حين أنها تعمل بشكل متواصل لإطعام أولادها وتدبير نفقاتهم اليومية.

إقرأ أيضاً  بالصور.. السيول تُخلّف أضرارًا «بالغة» في لحج

تشرح رانيا ذلك: “كان مرهقًا، حاولت أن أحقق التوازن بين توفير مصاريف الأسرة، ودفع تكاليف المعهد. لم أستطع، وأجبرت على الاختيار، فمصاريف الأسرة كان هو الخيار المتاح فقط”.

ومن أجل تحقيق هذا التوازن، عمدت رانيا للذهاب إلى أكثر من ثلاثة منازل للعمل في مجال التنظيف، ثم تذهب إلى المعهد لتتعلم مبادئ التصوير الفوتوغرافي. وبرغم عدم قدرتها على اقتناء أدوات خاصة للتعلم، استخدمت كاميرات المعهد وهاتفها النقال لالتقاط الصور، كحل متاح، وأبدعت في خلق صور خيالية تعبر عن حالتها ومشاعرها.

حسنت رانيا من مهاراتها، واحترفت المهنة في أسرع ما يمكن، رغم أنها أمية، فحصلت على شهادة التخرج من المعهد، وبدأت في البحث عن فرص عمل في مجال التصوير. لم يكن هذا سهلًا أيضًا، فالسوق مليء بالمصورين المحترفين، والذين يملكون كاميرات حديثة ومعدات غالية، لكن رانيا لم تستسلم، بل استغلت كل فرصة تقابلها، سواء كانت في قاعات الأفراح والمناسبات، أو في جلسات التصوير الخارجية أو الداخلية.

يصف مدرب رانيا، وائل السامعي، حرصها على التعلم بـ”الكفاح الحقيقي”، ويُضيف: “بالرغم من تقدمها بالعمر على نظيراتها في الصف، وبإمكانياتها المتاحة، كانت تبذل كل جهدها من أجل الاستفادة، وكانت أكثرهن سؤالًا واهتمامًا في التفاصيل، لقد أسعدني ذلك”.

انتشر اسم رانيا بين فتيات حارتها، وزادت شهرتها، وأصبحت المصورة المفضلة لدى الكثير من العائلات، لتصبح مهنتها الجديدة، ليست مصدر رزقها فحسب، بل سعادتها أيضًا. لم تقف جهودها عند هذا الحد، بل ظلت بثبات كدرع حامٍ لأطفالها، فجمعت بين العمل والدراسة والدعم النفسي لأولادها بحضورها كولي أمرهم في احتفالات تكريمهم في مدارسهم لتشاركهم فرحتهم.

أم وأب في آن واحد، هذا ما تمثله رانيا لأولادها، ومصدر فخرهم، فقد حرصت على تعليم أولادها، ودفعتهم لتحقيق نجاحات متميزة في دراستهم، إذ انضمت ابنتها إلى جامعة مرموقة لدراسة الإعلام، فيما حصل ابناها التوأم على منح دراسية للسفر إلى الخارج.

بالأربعين من العمر، استطاعت رانيا أن تغير حالها من امرأة أمية إلى امرأة محترفة في مهنتها. تقول: “العمر مجرد رقم، والإرادة هي التي تصنع المعجزات، أنا أم أرملة، لكني لم أستسلم للظروف، بل قاومتها بالعمل والتعلم، وراء كل ولد عظيم أم عظيمة، وأنا فخورة بأنني كنت قدوة لأولادي”.

مقالات مشابهة