المشاهد نت

الهجرة المحفوفة بالموت

مهاجرون على الحدود البلاروسية البوالندية - مصدر الصور مونت كارلو الدولية

القاهرة – وليد عبدالواسع:

قرابة الشهرين قضاهما أحمد طالب، وسط البرد القارس والجوع والرعب، كما يقول في حديثه لـ”المشاهد”، متنقلًا بين الغابات عند الحدود البيلاروسية -البولندية، وهو يحاول عام 2022م العبور إلى أوروبا.
يتحدث أحمد طالب (26 عامًا) من محافظة تعز، بحزن، وهو يشرح تفاصيل قصة مغادرته اليمن، أنها كانت موجعة، فبعد تخرجه من جامعة صنعاء، وحصوله على شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال، لم يكن أمامه -حسب تعبيره- من فرصة للاستقرار في اليمن، في ظل الحرب وانعدام فرص العمل.
كان عليه أن يجمع مبلغًا يزيد عن 7000 دولار، حتى يتمكن من السفر نحو أوروبا، ويضيف أن جمع المبلغ لم يكن سهلًا، فقد اضطر إلى الاستدانة من بعض أقاربه، وأسرته وفرت له جزءًا من المبلغ.
سافر أحمد طالب إلى مصر، في يناير 2022م، ومن مصر سافر إلى روسيا، كلفه ذلك 4000 دولار.
ويتابع أن محطة الهجرة الثالثة كانت بيلاروسيا، وهي المحطة الأخيرة للوصول عبر الحدود البيلاروسية إلى أوروبا.

أيام قاسية ومحفوفة بالموت

قضى طالب أكثر من شهرين في الغابات بين الحدود البيلاروسية -البولندية، أكثر من مرة كان يحاول العبور ويفشل، كما يقول، مضيفًا: “عشت أيامًا لا يمكن تخيلها في ظل أجواء البرد، وانعدام الأكل، وكنت آكل من الأشجار”.
تمكن من العبور إلى بولندا بعد رحلة شاهد فيها المخاطر المختلفة التي كادت أن تقضي على حياته، حسب وصفه.

المئات من الشباب اليمني اضطروا لمغادرة البلاد، في ظل الحرب، والسفر إلى أوروبا، بمختلف الطرق، ولا توجد إحصاءات رسمية أو غير رسمية عن عدد المهاجرين غير الشرعيين إلى دول أوروبا، سوى ما تتناقله وسائل إعلام عن الضحايا الذين قضوا أثناء رحلة الهجرة.
حسين الشميري (30 عامًا) شاب يمني هو الآخر له قصة فيها الكثير من المخاطر في رحلة الهجرة.
غادر حسين اليمن بعد اندلاع الحرب عام 2015م، إلى مصر، واستقر في العاصمة المصرية القاهرة، ومنها سافر بتأشيرة سياحية إلى روسيا، ومنها إلى بيلاروسيا، كلفه ذلك أكثر من 5000 دولار.
ويضيف الشميري أن المشقة الكبيرة في رحلته نحو أوروبا، كانت على الحدود البيلاروسية -البولندية، فقد ظل يمشي في الغابات لأيام، في أجواء شديدة البرودة، وفي أماكن خطيرة، كونها مستنقعات مائية، المرور فيها ليلًا يعني الموت، حسب تعبيره.
ساءت حالته الصحية، وتفطرت قدماه، وشاهد الموت أكثر من مرة كما يقول، وتمكن من الوصول إلى أوروبا، واستقر في بريطانيا.

ظل يمشي في الغابات لأيام، في أجواء شديدة البرودة، وفي أماكن خطيرة، كونها مستنقعات مائية، المرور فيها ليلًا يعني الموت،


الشاب عبدالله أحمد (23 عامًا) كان طريق الهجرة نحو أوروبا مختلفًا عن الشميري، حيث سافر من اليمن إلى مصر، وفي أغسطس من العام الجاري، سافر إلى دولة ليبيا، عبر مهربين، كما يقول في حديثه لـ”المشاهد”، دفع لهم 5000 دولار، وكان معه شابان آخران هما محمد وصابر. ويضيف أنه لم يتمكن من الوصول إلى إيطاليا، وعاد إلى مصر، بينما بقي الشابان في ليبيا، وحسب تأكيده مازال مصيرهما مجهولًا بعد شهرين من سفرهما إلى ليبيا.

إقرأ أيضاً  تراث الفروسية والرماية للمرأة  

العامل الاقتصادي

منذ أكثر من 9 أعوام لاندلاع الحرب، تزايد عدد المهاجرين اليمنيين الشباب، وعزا رشيد الحداد، وهو باحث اقتصادي، في حديثه لـ”المشاهد”، ذلك إلى انعدام فرص العمل مع استمرار الحرب في اليمن.
ولفت الحداد إلى أن زيادة عدد الشباب اليمني المهاجر إلى أوروبا، تعود إلى المضايقات والقيود في العمل في دول الخليج، وبخاصة السعودية، التي جعلت المئات ممن كان يعمل في السعودية، يفكرون في الهجرة إلى أوروبا، حسب تعبيره.
وقال: “معدل هجرة الشباب اليمني لدول أوروبا ارتفع بنسبة ٣٠٠% عن فترة ما قبل الحرب”.
وأضاف: “يبقى الأمل بإيقاف الحرب هو الحل الأمثل لاحتواء تطلعات الشباب في حياة كريمة ومزدهرة في كنف وطنهم”، متوقعًا تراجع ظاهرة الهجرة غير الشرعية للشباب اليمني في حال التوصل لسلام دائم وشامل في اليمن.

إحصائيات

وفقًا لآخر إحصائية صادرة عن مفوضية اللاجئين، العام 2022م، فإنه في عام 2021، تم الإبلاغ عن 123.300 حالة عبور فردية، وقبل ذلك 95.800 في عام 2020، و141.500 في عام 2018.
وبحسب المنظمة الدولية، فقد سجلت في العام 2021، حوالي 3231 حالة وفاة أو فقدان في البحر المتوسط وشمال غربي المحيط الأطلسي، مع 1881 في عام 2020، و1510 في عام 2019، وأكثر من 2227 في عام 2018.
مطلع العام 2019م، قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن مجموعة تضم نحو 120 شخصًا سوريًا وفلسطينيًا ويمنيًا، احتجزوا في مركز تمنراست جنوبي الجزائر، قبل نقلهم إلى منطقة قريبة من موقع غوزام الحدودي، وتقطعت بهم السبل، وطالبت بالكشف عن مصير 20 شخصًا من هذه المجموعة علقوا في الصحراء.
في أغسطس 2018م، وصفت المفوضية طريق البحر المتوسط بأكثر الطرق البحرية فتكًا في العالم، حيث لقي 850 شخصًا مصرعهم خلال شهري يونيو ويوليو فقط، وبعد شهر واحد حذرت المفوضية، في تقرير آخر، من أن مقابل انخفاض عدد المهاجرين غير الشرعيين الواصلين إلى أوروبا، يرتفع معدل الخسائر بالأرواح بشكل حاد، خصوصًا في البحر المتوسط.

مقالات مشابهة