المشاهد نت

الرعاية النفسية.. خدمة طبية مفقودة في اليمن

الرعاية النفسية في اليمن - تعبيرية

ذمار- رفيق محمد :

بعد أن فقد عبده محمد، ٣٥ عاما، عمله في فندق موفنبيك بصنعاء بعد اندلاع الحرب في اليمن، عاد إلى قريته في ريف محافظة ذمار، دون عمل ودون دخل مادي. في الأشهر الأولى من الحرب، كان يعتقد أن الحرب ستنتهي، وسيعود إلى عمله، ويحصل على راتبه الشهري بانتظام.

مرت خمسة أعوام من الحرب، ولم يستطع محمد الحصول على عمل يضمن له دخلا شهريا مستمرا. يعاني محمد من السكر، ويجد صعوبة في تحمل الأعمال الشاقة، مثل الزراعة التي يعمل فيها العديد من أبناء الريف.

طوال السنوات الماضية، كان محمد في حالة من الفقر والبطالة، الأمر الذي تسبب له بمرض نفسي، حيث أصبح يشك في من حوله، و يعتبرهم أعداء يتجسسون عليه، ويرصدون تحركاته، ويستخدمون الكاميرات المخفية لتوثيق كلامه بالصوت والصورة.

نظرا لتردي الوضع الاقتصادي، وتفاقم الأزمات في اليمن، يواجه المصابون بالاضطرابات النفسية صعوبة في الحصول على خدمات الرعاية الصحية المناسبة، جلسات الدعم النفسي والتشخيص. بحسب تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان في فبراير هذا العام، كان للصراع والحرمان أثرا كبيرا على الصحة النفسية لليمنيين، ويتعرض  مصابي الأمراض النفسية في اليمن وصمة اجتماعية، حيث يشير التقرير إلى أن ما يقارب 7 ملايين شخص بحاجة الى الرعاية والدعم الصحي النفسي، ويستطيع 120000 فقط الوصول الى هذه الخدمات.

البحث عن العلاج

لم يكن محمد مقتنعا بضرورة مراجعة الطبيب النفسي، وهذا حال الكثير من المرضى المصابين بأمراض نفسية في اليمن. في حديثه لـ “المشاهد”، يقول توفيق، الشقيق الأصغر لمحمد، إنه حاول مرارا لإقناع أخيه لزيارة طبيب نفسي، لكنه فشل، مشيرا إلى أن محمد كان يتعاطى القات يوميا، وتعاطي القات يعيق تعافي المريض النفسي.

لجأ توفيق إلى الإنترنت للإطلاع على نصائح الأطباء في هذا المجال، بهدف مساعدة أخيه في التغلب على المرض النفسي، ولم تأت تلك المحاولة بالشفاء لمحمد الذي كان يصر أنه بخير.

يضيف توفيق: “بعد أن رفض أخي أخذ العلاج من المستشفى وإصراره على أنه بكامل قواه العقلية، قمت بشراء العلاج سرا، ووضعته عند دكتور لديه مركز مختبرات قريبة من المنزل. اتفقت مع الدكتور على إقناع اخي بأنه سيعطيه علاجا يحتوي على فيتامين ومعادن كبديل لحبوب الآمول المنشطة التي كان يتناولها مع القات. وبهذا استطعت إيقاف محمد من تناول تلك الحبوب”.

اقتنع محمد بصعوبة، وبدأ بتناول العلاج، وظهر مفعول العلاج في الأسبوع الأول، حيث استطاع الحصول على النوم الكافي، وتراجع التوتر الذي كان يتسم به محمد. يقول توفيق إن الحالة النفسية لمحمد تحسنت ولم يعد يشعر أنه مستهدف من قبل الآخرين. استمر محمد في استخدام العلاج لمدة عامين، وبعد ذلك بدأ يعتقد أنه أصبح بخير. لكن بعد أشهر قليلة، عادت الحالة النفسية لمحمد، وكانت أسوأ بكثير من المرة السابقة. لم تجد أسرته أي حل سوى إقناعه لاستخدام العلاج مجددا.

إقرأ أيضاً  ما حقيقة صور تشييع جنازة الزنداني في تركيا؟

عبدالله العواضي، ٦٠ عاما، يقول إن ابنه الثلاثيني أصيب باضطرابات النفسية في السنوات الأخيرة، ولم يستطع معالجته بسبب وضعه المادي، ولم يكن بإمكانه توفير تكاليف السفر من ريف ذمار إلى العاصمة صنعاء لزيارة الأطباء. يقول عبدالله ل “المشاهد”: “تكاليف العلاج والمواصلات باهظة جدا، ولا أستطيع تحملها، وأنا في مهمة توفير لقمة العيش لأسرتي ولأسرة ابني المريض”.

العديد من المصابين بالأمراض النفسية في المناطق الريفية ليس بإمكانهم السفر، ولا توجد مراكز متخصصة بالأمراض النفسية في مناطقهم. بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد وعي مجتمعي بأهمية العلاج النفسي. ولهذا، يتزايد عدد ضحايا الاضطرابات النفسية في اليمن، وتستمر معاناتهم دون حلول.

غياب الاهتمام بالطب النفسي

وفي الوقت الذي تجاوز عدد الأشخاص الذين يعانون أحد أنواع الاضطرابات النفسية 7 ملايين شخص بسبب الحرب الدائرة منذ تسع سنوات، لا تملك اليمن سوى 75 طبيبا واستشاريا ومختصا نفسيا، وللوصول لمعدلات الدول محدودة الدخل يحتاج اليمن ل 225 طبيبا على الأقل بحسب تصريحات مسؤولي البرنامج الوطني للصحة النفسية في صنعاء

وفي تصريح لـ “المجلة الطبية” في سبتمبر هذا العام، حدد رئيس الجمعية اليمنية للطب النفسي الدكتور إبراهيم الشرفي، جملة من الأسباب التي أدت إلى ندرة الأطباء النفسيين في اليمن، وهي “الوصمة المجتمعية، الثقافة المجتمعية التي تحيل الاضطرابات النفسية إلى أسباب غير صحية مثل” الجن أوالمس أوالعين “، والجانب الروحي حيث يعتقد كثير من الناس بأن هذه الأمراض تعالج بالقرآن فقط.

يشير الشرفي إلى الأسباب الاقتصادية التي تساهم بتوسيع الفجوة، ومنها” ضعف العائد المالي في تخصص الصحة النفسية يدفع الكوادر الجديدة للتخصص في مجالات أخرى ذات جدوى وحوافز مالية مرضية، الى جانب غياب الاهتمام الحكومي بهذا المجال حيث كان سابقا الالتحاق به مجانيا، أما الآن فتكاليف التخصص فيه تتجاوز 4 آلاف دولار أمريكي “.

بحسب الشرفي، لا يوجد تخصص طب نفسي في أي جامعة يمنية، وإنما يدرس فقط كمادة ضمن الإدارة الصحية أو مادة علم النفس وتؤخذ ضمن تخصصات طبية أخرى كالمختبرات والتمريض، أو كمادة طب نفسي ضمن مواد بكالوريوس الطب العام الباطنية.

يؤكد الشرفي في حديثه ل” المجلة الطبية “أن أغلب الحاصلين على دكتوراه في الطب النفسي هم من الجيل الأول، وأن معظم العاملين في الطب النفسي في اليمن منذ عام 2003 هم خريجو الزمالة العربية.

مع تزايد أعداد الأشخاص المصابين بالاضطرابات النفسية في اليمن، يتناقص عدد المختصين في الطب النفسي في ظل غياب الاهتمام الرسمي والمجتمعي بهذا المجال، وسيعمل استمرار الصراع على خلق المزيد من الاضطرابات النفسية في أوساط الملايين من اليمنيين.

مقالات مشابهة