المشاهد نت

حياة النساء في ظل حصار تعز.. حرمان من الحقوق والخدمات

عدن – شذى سعيد

مُمسكًا بيدها اليمنى ابنها، وباليسرى ابنتها؛ تتكئ عليهما وتمشي الخمسينية أم مازن بخطواتٍ مثقلة ومنهكة في مستشفى الثورة العام بمدينة تعز (جنوب غربي اليمن).

حيث قدمت أم مازن من مديرية حيفان بريف تعز، للعلاج من قصور الغدة الدرقية، وإجراء الفحوصات الروتينية لمرضى السكر والضغط، ودائمًا ما يتم نقلها إلى المدينة للعلاج كلما اشتد مرضها.

وقد اضطر أبنائها إلى تنويمها طوال ساعات السفر كونها تشعر بالدوار والغثيان فور صعودها السيارة، فلا تحتمل ستّ ساعات من السير بطريق وعرة.

غياب الخدمات

يعاني سكان مدينة تعز من حصار دام ثمان سنوات، تسبب في أزمات إنسانية واقتصادية واجتماعية كبيرة، ومن بين الفئات الأكثر تضررًا من الحصار هن النساء.

إذ يشكل وصول النساء إلى الخدمات الأساسية صعوبة كبيرة مثل التعليم والرعاية الصحية والكهرباء والمياه، ناهيك عن كونهن بتن مسؤولات عن رعاية أسرهن في ظل غياب الرجل؛ والذي أصبح موقع عمله خارج المدينة بسبب الحصار أو اضطر لذلك.

لم يكُن الأمر هينًا على أم هشام -32 عامًا- التي توفيت والدتها، ولم تتمكن من رؤيتها طيلة سنوات الحرب، فقد انتقلت للعيش مع زوجها في مدنية الحديدة، وتركت أهلها في تعز، تقول: ”بعد زواجي بسنة اندلعت الحرب وقُطعت الطريق، كنت على تواصل مع أهلي عبر الهاتف فقط، لا أستطيع زيارتهم، وماتت أمي ولم أستطع حتى رؤيتها بعد مماتها”.

معاناة التنقل

يوضح المحامي والناشط الحقوقي ياسر المليكي في حديثه لـ«المشاهد» انعكاس حصار المدينة على النساء: “أكثر من تأثر بالحصار هنّ النساء في كل المجالات سواء في تقييد حرية التنقل أو في الحرمان من التعليم الجامعي، بسبب بُعد الجامعة، وبُعد الطرقات حتى إلى فروعها في الحوبان والتربة وغيرها”.

ويشير المليكي إلى تأثر النسيج الاجتماعي نتيجة الحصار، فندرة تبادل الزيارات انعكس على قطع صلة الرحم، وقلّل من الاندماج الاجتماعي في المجتمع.

ونوّه المحامي إلى فقدان المرأة حقها في التقاضي من أجل الحصول على حقوقها الشرعية، فالمرأة تعيش في جانب من المدينة وزوجها أو قريبها يعيش في الجهة الأخرى منها، فلا تستطيع مقاضاة زوجها المقصر بحقها وحق أطفالها أو المطالبة بحقوقها من نفقة وميراث وغيره.

ويصف المليكي التأثيرات الإنسانية للحصار على المرضى من النساء: “لن أتحدث عن التأثيرات الانسانية المتعلقة بارتفاع كلفة النقل للغذاء والدواء، وتباعد المستشفيات، وحاجة المرأة المريضة لمراكز غسيل الكلى والأورام، بلغ أشدّه فهذا أمر تأثيره طافح”

ســـجــن

في تعز يعيش الناس في سجن كبير، وحالة من العزلة المفروضة عليهم، كما وصف ذلك الباحث والصحفي أحمد شوقي أحمد في حديثه لـ «المشاهد» مؤكدًا بروز مشاكل مركبة ومعقدة، كارتفاع الأسعار، وضعف القدرة الشرائية للناس، وغياب كثير من السلع، بسبب استخدام الطرق الوعرة البديلة لدخولها المدينة، أيضًا تدهور الحالة الاقتصادية في المحافظة نتيجة الحصار الذي أجبر رجال الأعمال إلى الانتقال خارجها، كل ذلك يتكبد الناس بصمت لا سيما النساء، إذ لم تعد فرص العمل متاحة لهن كالسابق، ولا يستطعن شراء الفواكه مثلًا كونها لا تدخل للمدينة.

”وبدا لافتًا ظهور تمزّق وتفكك أُسري نتيجة الحصار، إذ يعيش جزء من أسر في جانب سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، والجزء الآخر من أفراد الأسرة ذاتها يعيشون في جانب سيطرة جماعة أنصار الله، ولسوء الوضع الاقتصادي لا يتمكنون من التنقل وزيارة بعضهم البعض كما في السابق” يقول أحمد.

أما على الصعيد الصحي فهو الهمّ الأكبر بحسب الصحفي أحمد، فهناك مرضى يقطنون داخل المدينة حُرموا من الخدمات التي تقدمها مراكز صحية تقع على أطراف المدينة، منهم من اضطر لتكبد مشقّة الانتقال إلى طرف المدينة عبر طرق وعرة تستدعي سفر لمدة 7 ساعات كان يعبرها خلال ربع ساعة عبر إحدى مركبات النقل العادية أو بسيارته الخاصة من أجل إجراء غسيل كلوي أو الحصول على خدمة طبية معينة.

إقرأ أيضاً  حرمان المرأة العمل بسبب الزوج

وأشار أحمد إلى تحمّل النساء في تعز أعباء إضافية نتيجة للحصار، كجلب الماء إذ باتت هذه المهمة للنساء، حيث يقول: إن أنصار الله سيطروا على 70% من موارد المياه، ومنعوها عن أبناء المدينة، كذلك تحول النساء إلى معيلات لغياب المعيل باستشهاده أو فقدانه لعمله أو أصبح دخله لا يكفي لمتطلبات العيش في المدينة نتيجة ارتفاع الأسعار بسبب الحصار.

معلومات وأرقام

سبّبت وعورة الطريق بحوادث سير خلفت قتلى وجرحى، بحسب ما تم رصده من حوادث السير في الطرق البديلة، والتي بلغت 21 حادثة سير مخلفة 32 حالة وفاة، و152 حالة إصابة خلال الفترة من 2017 إلى 2021.

قلّت فرص العمل بشكل ملحوظ في المدينة ما ترتب عليه زيادة الأعباء الاقتصادية الأمر الذي تسبب في نشوب الخلافات الأسرية، وتقول هدى الصراري في تدوينه على منصة إكس: “قبل الحصار على مدينة تعز كان عدد عمال القطاع الخاص في المنشآت الصناعية يصل (18000) عامل، بينما تراجع العدد بعد الحصار إلى (9000) عامل فقط. ما يتسبب في زيادة العنف الأسري ضد النساء، حيث أن الرجال يشعرون بالضغط بسبب صعوبة الحياة.

التـعــليـم

تحوّل المدارس إلى ثكنات عسكرية ألقى بثقله على الفتيات إذ تكبدنّ مشقة بُعد المدراس عن منازلهن، أو مواصلة تعليمهن الجامعي، إضافة إلى تحملهن تكاليف تعليم أنفسهن، يزيد من ضعف المرأة في عدم قدرتها بالتوفيق بين التزاماتها العائلية تجاه أطفالها وزوجها وبين التزامات اقتصادية وتعليمية وقعت عليها.

جهود مجتمعية

وكان محتجون يمنيون قد طالبوا منتصف شهر يوليو 2023، المجتمع الدولي بالضغط لفتح الطرقات ورفع الحصار عن مدينة تعز، وذلك تزامنًا مع مرور 8 سنوات على الحصار، ورفعوا في وقفة احتجاجية أمام المنفذ الشرقي لمدينة تعز شعارات تطالب بإنهاء الحصار، وإدراج المتورطين بقضية الحصار في قائمة العقوبات، والتعامل مع قضية تعز كملف إنساني لا سياسي.

وللمبادرات النسائية حضور في هذا الجانب، إذ أنشأت الدكتورة (ألفت الدبعي) عضو هيئة التشاور والمصالحة المساندة للمجلس الرئاسي، مبادرة نساء تعز من أجل الحياة في العام 2017.

وأكدت الدبعي وجود مبادرات للوساطة بين طرفي الصراع من أجل فتح الطرقات لتخفيف معاناة المواطنين لاسيما بفترة انتشار فيروس كورونا، ولكن كلها فشلت من البداية جراء ظهور عمليات عسكرية لحظية بين الطرفين، وكانت تتزامن مع تحقيق المبادرات تقدمات تفاوضية، الأمر الذي يتسبب في إفشالها، بحسب الدبعي.

غياب السلطة وهشاشة حضورها

لم تنجح السلطات في التخفيف من معاناة الناس، فقد أظهر غياب السلطات مدى هشاشة حضور الدولة في المدينة، وبحسب المليكي اعتمد الناس بشكل شبه كلي على أنفسهم في توفير الخدمات الأساسية.

ويرى أحمد أن على السلطة المحلية القيام بدور أكبر من أجل توفير الخدمات للمواطنين، والعمل على توفير بيئة آمنة داخل المحافظة بهدف تشجيع المستثمرين للعودة للعمل في المحافظة، وتقديم فرص استثمارية، والاهتمام بالزراعة ما سيتيح إيجاد فرص عمل للرجال والنساء.

ويضيف: “ينبغي على السلطة المحلية مكافحة الفساد في المرافق الحكومية التي تتبعها، وتفعيل دورها لتقوم بواجباتها بشكل سليم، والعمل على حماية المحاكم وتعزيز دور القضاء للبت في القضايا العالقة بصورة عاجلة، والعمل مع القيادة السياسية من أجل محاسبة وتغيير القيادات الإدارية والعسكرية التي شكّلت مراكز قوى داخل المحافظة عطلت وصول الخدمات للناس.

بعد سنوات من الحرب، لا تزال تعز منقسمة إلى قسمين، مدينة تعز التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليًا، ومنطقة الحوبان التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله والخط الفاصل بينهما بضع كيلو مترات مزروعة بالألغام ومحاطة بالقناصة، وللوصول إلى مدينة تعز يتطلب على المواطنين السفر في رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر عبر الجبال تتراوح مدتها بين خمس إلى ثمان ساعات، هم في غنى عنها لو تم فتح طريق الحوبان الذي يبعد عن المدينة بمسافة يقطعها المواطن في 15 دقيقة.

مقالات مشابهة