المشاهد نت

متجولون يعملون في بيع وشراء العملة اليمنية

يدفع المواطنون ثمنا باهضا نتيجة استمرار الانقسام النقدي بين صنعاء وعدن

تعز-معاذ العبيدي

“رفض الصرافين في مدينة تعز أكثر من مرة صرف نقودي بالريال اليمني، وقالوا إنهم لا يتعاملون بالعملة اليمنية القديمة، وأن هذه النقود خاصة بالحوثيين”، بهذه الكلمات تحدث محمد علي، طالب جامعي، من مدينة تعز. 

في كل مرة يعود علي من صنعاء، حيث يدرس صيدلة، يعود إلى تعز وبحوزته مبلغ بالعملة القديمة التي يتم تداولها في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين). لكنه يجد صعوبة في صرفها في مراكز الصرافة أو المحال الأخرى، ويضطر إلى صرفها بسعر أقل. هذا هو حال الكثير من الطلاب والعمال الذين يأتون من مناطق سيطرة الحوثيين إلى مدينة تعز التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية. 

في نهاية ديسمبر من العام 2019 ، أصدرت جماعة الحوثي قرارا بمنع تداول الإصدار النقدي الجديد من العملة في المناطق التابعة لسيطرتها، وقال البنك المركزي في صنعاء آنذاك إن طباعة عملة جديدة وتداولها إجراءات لا تخدم إقتصاد البلاد، ومنعت السلطات في صنعاء المواطنين من التعامل  مع العملة الجديدة في مناطق سيطرتها. 

الحكومة الشرعية اتخذت خطوات معاكسة، وسحبت العملة القديمة من السوق، وبدأت بضخ العملة الجديدة. ونتيجة للصراع الاقتصادي والمالي بين الطرفين، زادت معاناة المواطن، وأصبح الأمر كما لو أن اليمن دولتين بعملتين مختلفتين. 

معد التقرير أراد صرف 14000 ريال يمني قديم، والتي تعادل 100 ريال سعودي. توجه إلى محال الصرافة في مدينة تعز ليصرفها، لكن أغلب الصرافين رفضوا صرفها، وقالوا إنها عملة تابعة لجماعة الحوثي، بينما وافق البعض أن يصرفها له بسعر رخيص، الألف من الطبعة القديمة مقابل ألف وخمسمائة من الطبعة الجديدة، وهذا يعني خسارة ما يقارب نصف المبلغ. 

تهريب العملة القديمة 

 الباحث والمحلل الاقتصادي وحيد الفودعي يقول لـ “المشاهد”من المفترض أن تكون العملة اليمنية عملة وطنية واحدة دون مسميات “العملة القديمة” و”العملة الجديدة”، وأن تكون بسعر موحد. 

يعتقد الفودعي أن منع تداول العملة الجديدة في مناطق سيطرة الحوثي كان القرار الذي تسبب بالانقسام النقدي في اليمن، وأحدث ذلك القرار سعرين للريال اليمني.

ويضيف الفودعي: “بعض الصرافين في مدينة تعز لديهم القدرة على تهريب الأموال بالعملة القديمة، وليس تعاملا رسميا، لكن هذه العملية فيها مخاطرة لأنه عند تهريب مبالغ كبيرة في وضع سياسي معقد كما هو حاصل الآن، ربما تتم مصادرتها إما من قبل الشرعية أو الحوثيين”. 

عبد الرحمن البحر، خبير اقتصادي وأكاديمي في جامعة تعز، يقول لـ “المشاهد” إن عدم قبول الصرافين في مدينة تعز للعملة القديمة سببه معقول جدا، وهو أن احتياج التجار والمستوردين للعملة الأجنبية، وليس للعملة القديمة، ونعتمد على الواردات مثل الدواء والغذاء بنسبة تزيد عن 90%، وهذا يتطلب توفير عملة أجنبية لشراء كافة الاحتياجات من الخارج. 

إقرأ أيضاً  مسؤول محلي يوضح سبب عدم سفلتة شوارع مدينة التربة

بيع العملات في الطرقات 

في  باب موسى بمدينة تعز، يتجول العديد من الأشخاص الذين يعملون في بيع وشراء العملات في الشارع. الصرافون المتجولون لا يعطون القيمة الحقيقية للعملة القديمة، ويحاولون استغلال كل من يملك عملة قديمة، يجمعونها ثم يبيعونها بسعرها الصحيح، ويحققون مكاسب مادية كبيرة. 

أمام مبنى مصلحة الهجرة والجوازات في مدينة تعز، يقف أحمد، وبيده مبالغ مالية بالريال السعودي والريال اليمني القديم والجديد، ويعمل في شراء وبيع العملات اليمنية والسعودية . في حديثه ل “المشاهد”، يقول أحمد: ” توقفت بقالتي عن العمل بداية الحرب 2015 ، وتلفت البضاعة فيها، ولم أستطع العودة إليها حتى الآن بسبب الحرب. بدأت العمل في بيع وشراء العملات، وأعود بمبلغ مالي يساعدني في إعالة أسرتي المكونة من ستة أفراد. قد يبدو بيع العملات في هذا المكان عملا استغلاليا، لكني أراه تقديم خدمة للناس الذين يحتاجون إلى الصرف، ويحدث هذا بالتوافق مع الأشخاص الذين يأتون إلي”. 

العشرات من الأشخاص يعملون في بيع وشراء العملات أمام مبنى مصلحة الهجرة والجوازات بتعز، وهي المؤسسة التي يتوافد إليها الآلاف من المواطنين من عدة محافظات يمنية للحصول على وثيقة جواز السفر. يأتي البعض من المحافظات الشمالية وبحوزتهم مبالغ بالعملة القديمة، فيضطرون إلى صرفها لأنها غير مقبولة في المؤسسات الحكومية بتعز، ولا تقبلها المحال التجارية أو غيرها من المراكز الخدمية في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية.

 تنتشر نقاط البيع بين العملات المحلية القديمة والجديدة أكثر في نقاط العبور بين مناطق سيطرة جماعة الحوثي إلى مناطق سيطرة الحكومة والعكس. يخضع المسافرون للتفتيش الدقيق عند عبور النقاط ويتم مصادرة الأموال من الطبعة الجديدة للعملة اليمنية وفي بعض الحالات قد يتم اعتقال من وجدت بحوزته.

تشير البيانات المصرفية إلى أن نسبة عمولة الحوالة النقدية من مناطق الحكومة اليمنية إلى مناطق سيطرة الحوثي وصلت في عام 2020 إلى 52%. وفي عام 2021، بلغت نسبة عمولة الحوالة 148%، وفي عام 2022، وصلت نسبة العمولة 96%. وارتفعت عمولة التحويل إلى نحو 150% في العام الجاري. 

لم تنجح الأفكار والحلول التي قدمت خلال السنوات الماضية للحد من الصراع النقدي والاقتصادي بين أطراف الحرب في اليمن، ولا زال المواطن يعيش المعاناة التي تسبب بها الانقسام النقدي حتى اليوم. 

مقالات مشابهة