تعز – فاطمة العنسي
تحاول تغريد أحمد (اسم مستعار- 36 عامًا)، تذكَّر كل احتياجات المنزل قبيل مغادرتها من “البقالة” التي تبعد عن منزلها بضعة كيلومترات؛ بسبب عدم تمكنها من الذهاب إلى البقالة القريبة من منزلها!
تقول تغريد التي تسكن محافظة تعز (جنوب غربي البلاد)، وتنحدر أصولها من إحدى قرى المحافظة: “تعودنا منذ صغرنا في قريتنا “مخلاف” على عدم الذهاب إلى “البقالات”، أصبحت مثل العادات والتقاليد التي ليس من الشرف تجاوزها، وفي حال تجاوزناها، فإن وصمة العيب ستلاحقنا دون شك”.
مُشيرةً إلى أنه حتى بعد انتقالها للسكن في المدينة، باتت تستحي من عملية الشراء خصوصًا من “البقَّالة” المجاورة لها.
على غرار تغريد، تفيد آية نبيل، 28 عامًا، التي تعود أصولها إلى مديرية شرعب الرونة بتعز، (فضلت عدم ذكر اسم العائلة)، بأنهم كذلك يرون في مسألة ذهاب الفتاة إلى البقالات المجاورة، عيبًا؛ ولذا لا يسمحون لمن يسكن ذات القرية بالذهاب.
وتضيف: “نستعين بأحد الأطفال لشراء ما نريد، وفي حال لم نجد طفلًا، علينا أن ننتظر حتى يعود أحد الرجال. في الآونة الأخيرة دأبت بعض النساء على عمل مشاريع صغيرة (بقالات) في منازلهن، يمكننا أن نذهب إليها نظرًا لأن البائع امرأة”.
الحفاظ عليهن
تملك بعض القرى اليمنية، موروثات قديمة مايزال المجتمع متمسكًا بها، من هذه العادات عدم السماح للنساء بالذهاب إلى “البقالات” المجاورة للمنازل أو في القرى، لشراء احتياجاتهن، وهنا تتم الاستعانة بالأطفال أو بالرجال أو بالنساء الكبيرات السن، وفي حال تعذَّر الوصول إلى أحد الأطراف الثلاثة، فإن على الفتاة أن تلزم بيتها حتى يأتي أحدهم، ويُستثنى من ذلك إذا كانت “البقالة” بعيدة عن المنزل، حيث لا يعرف صاحب البقالة مَن الفتاة”، كما يقول عبدالمجيد سعد، أحد ساكني قرى مديرية شرعب.
يؤكد سعد، خلال حديثه لـ«المشاهد» أن أسباب عدم السماح للفتيات بالذهاب إلى شراء احتياجاتهن، هي الخوف من تعرضهن للمضايقات، أو الإحراج. مضيفًا: “البقالات -وخصوصًا في القرى- ليست سوى مكان لتجمع الشباب والرجال للحديث حول كل شيء، وعندما يرون فتاة يقومون برميها بنظرات سيئة وتفكير خاطئ؛ مما يدفع الأسر إلى عدم إرسال الفتيات إلى البقالات، كما جرت العادة منذ سنوات، واستمرت حتى هذه اللحظة”.
ويوضح: “أضف إلى ذلك، أن بعض أصحاب المحال التجارية -وليس الكل طبعًا- يتحدثون مع شباب القرية فلانة أتت إليَّ، وأخذت كذا وكذا، أحيانًا يكون الغرض الأخذ والرد في سمعة الفتاة، وهذا ما يدفع الفتيات إلى عدم الذهاب”.
قرى عـديدة
من جهتها، تقول ليزا الصبري، وهي ناشطة مجتمعية، إن “الكثير من المناطق، ومنها شرعب الرونة، بني يوسف، مخلاف العالي، مخلاف الأسفل، كِندة، بعض عزل جبل حبشي، بعض قرى المناطق الجنوبية، والحديدة، جرت العادة لديها بمنع الفتيات من الذهاب إلى البقالات، يرون في ذلك عيبًا، كما أنهم يرون في البقالات مكانًا لا يجب الذهاب إليه إطلاقًا!”.
وتشير الصبري إلى أن النساء في القرى اليمنية عمومًا، يخرجن للعمل منذ الساعات الأولى للصباح، وقد يشمل عملهن مهام شاقة لا تقوى عليها النساء، مثل حراثة الأرض، وجلب الماء من مناطق بعيدة.
وتستطرد: “مقارنة غير منطقية أن النساء لا يمكنهن -مثلًا- الذهاب لشراء حبة صداع من البقالة المجاورة، في الوقت الذي يخرجن فيه للقيام بأعمال شاقة في الأرض”. وتقول باستغراب: “في القرن الحادي والعشرين ولا يمكنهن ذلك!”.
وشــايـة
منال علي، 28 عامًا، من منطقة شرقي سورق ماوية، تقول: “هذا العرف يعد عرفًا سائدًا في جميع أنحاء المنطقة، إذ لا يُسمح للنساء بالذهاب للبقالات”.
وتضيف: “عندما انتقلنا إلى المدينة في تعز، وكنا نريد أن نشتري احتياجاتنا من البقالة، لم تكن سوى أيام حتى قام أحد إخوتي الصغار بالوشاية بي أنا وأختي، غضب أبي ومنعنا منعًا باتًّا، وكان يردد أننا سنجلبُ له العار إذا عَلِمَ أهل منطقتنا بما نعمل، من يومها إذا أردنا شيئًا نرسله مع إخوتنا الصغار، أو مع أمي”.
عادات مجحفة
“العادات والتقاليد المجحفة بحق المرأة، كثيرة، خصوصًا في الأرياف، ليست محصورةً في منطقة بعينها، إذ توجد مناطق ممنوع أن تأكل المرأة قبل أن يشبع الرجل، أيضًا هناك مناطق ممنوع أن تتحدث عن ورثها أو مال أخذه أحد أقاربها، في تلك المناطق تكون المرأة الإنسان الذي يجب عليه أن يعتني بالأرض وحراثتها، وهذا -لا شك- عمل شاق لا تقوى عليه المرأة بمفردها، بينما الرجل لا يعمل”، كما تقول وداد البدوي، صحفية وناشطة مجتمعية.
وتنوه البدوي إلى أن كل هذه التقاليد الرثة، بمجملها لا تراعي أو تحترم المرأة، بل تنظر إليها بانتقاص، مع أنها هي من تصبر وتضحي من أجل أن يسير المركب. الغريب أن المجتمع ينظر إلى هذا الأمر كأنه أمر طبيعي!
لننظر هنا في حكاية أن الفتاة لا تشتري من البقالات المجاورة، للأسف هذا يؤثر على نفسية المرأة وثقتها بنفسها، تجد الفتاة تشعر بالحرج متى وجدت فرصةً للذهاب إلى البقالة، وهذا يعود إلى ما تم غرسه مسبقًا في ذاتها من خلال هذه المعتقدات البالية.
يُذكر أن اليمن تصنف ضمن أسوأ الدول بالنسبة للنساء، وبحسب بيانات هيئة الأمم المتحدة للمرأة، تندرج اليمن في مجال المساواة بين الجنسين في المرتبة 138 من أصل 142 بلدًا، عام 2014م، وانحدرت إلى المرتبة 144 من أصل 144 دولة في 2017م، أما عام 2021م فقد جاء اليمن في المرتبة 155 من أصل 156 دولة.
في الوقت الذي تمكنت النساء في العالم من الوصول إلى أعلى المراتب الوظيفية، فضلًا عن نجاحهن في العديد من المجالات والتخصصات، تبقى النساء في اليمن، رهائن لعادات وتقاليد بالية منبثقة من ثقافة ذكورية لا تحترم حقوق الإنسان، وتخالف الجانب الإنساني، ويبقى نضالهن في سبيل الحصول على حياة كريمة مستمرًا حتى الموت.
(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية)
