المشاهد نت

الهجمات على الشحن البحري في البحر الأحمر تؤتي ثمارها للحوثيين

التصعيد العسكري لجماعة الحوثي في البحر الأحمر -

مايكل هورتون/ ريسبونسيبل ستيت كرافت

ترجمة: عبدالله قائد/ لـ”المشاهد”

يوجد الحوثيون أزمة شحن عالمية لأنهم يستمدون الدعم والإشادة من الدول والشعوب الإسلامية الأخرى لوقوفهم إلى جانب الفلسطينيين في غزة. فإلى أي مدى قد يذهبوا قبل أن يرد الغرب دفاعًا عن “التجارة العالمية” والأمن الإقليمي؟

أعلنت وزارة الدفاع، في 18 ديسمبر، عن تشكيل عملية حارس الرخاء. وتهدف القوة المكونة من عشر دول إلى ضمان الأمن البحري في البحر الأحمر وباب المندب، وهو نقطة عبور بين البحر الأحمر وخليج عدن. ومنذ 7 أكتوبر، شن الحوثيون أكثر من مائة هجوم مسلح بطائرات مسيرة وصواريخ، بما في ذلك العديد من الهجمات التي استهدفت السفن الحربية الأمريكية يوم السبت، مدعين أنهم يستهدفون كافة السفن التي لها علاقة بإسرائيل.

وقد تسببت هذه التهديدات في ابتعاد شركات الشحن العالمية عن البحر الأحمر. تبحر الكثير منها الآن حول رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي يمكن أن يضيف أكثر من أسبوع إلى أوقات الإبحار، وما يصل إلى 20٪ من تكاليف الشحن.

كما تؤثر عمليات التحويل تلك على الاقتصاد المصري الضعيف. تعد الرسوم من قناة السويس مصدرا مهمًا للعملة الصعبة للحكومة المصرية. بالإضافة إلى ذلك، شهد ميناء إيلات الإسرائيلي انخفاضًا في إيراداته بنسبة 80٪.

وفي حين تتزايد التكاليف العالمية لهجمات الحوثيين على الشحن باضطراد، فإن الهجمات تؤتي ثمارًا سياسية بل استراتيجية كبيرة للحوثيين، الذين يبدو أنهم يكسبون على جبهة العلاقات العامة داخل اليمن وخارجه. ففي اليمن، ازداد الدعم للحوثيين، حتى بين بعض أعدائه، حيث ينظر إلى الحوثيين في العديد من البلدان الإسلامية على أنهم “الجماعة الإسلامية الوحيدة التي تقف ضد العدوان الإسرائيلي”.

لدى المتشددين الحوثيين حتى الآن اليد الطولى في منافسة “ملاكمة الظل” مع الولايات المتحدة

وقد أثارت الهجمات البارزة، بما في ذلك اختطاف جالاكسي ليدر، الفخر الوطني بين العديد من اليمنيين. إن عمليات الاتصالات الاستراتيجية المتطورة للحوثييًن تلفت انتباه الجماهير المحلية والدولية إلى كل هذه الهجمات. ووفقًا لمصادر يمنية تحدثت إلى كاتب هذه السطور، فقد أدى ذلك إلى زيادة التجنيد في صفوف الحوثيين وأدى أيضا إلى تدفق التبرعات للمجهود الحربي من الشركات اليمنية والمواطنين الأفراد. كما أن الهجمات هي دليل على الامتداد الجغرافي للحوثيين وظهورهم كقوة إقليمية.

لعل النتيجة السلبية الوحيدة للحملة المعادية لإسرائيل، على الأقل حتى الآن، هي انخفاض عدد السفن التي ترسو في موانئ الحديدة والصليف التي يسيطر عليها الحوثيون. يستورد اليمن أكثر من 90٪ من غذائه وغالبية الواردات تصل عبر الحديدة. الرسوم والضرائب الناشئة عن الميناء هي مصدر مهم لإيرادات للحوثيين. وسيبدأ انخفاض عمليات الرسو في الحديدة وارتفاع تكاليف التأمين البحري في الظهور أيضًا.

غير أن الشعب اليمني هو الذي سيدفع الثمن الأكبر. يتمتع الحوثيون بمصادر دخل متعددة تشمل كل شيء من طائفة من الضرائب التي يتم جمعها بصورة فعالة، والاستيلاء على الشركات والممتلكات، إلى المصالح في الأنشطة غير المشروعة التي تتراوح من الاتجار بالبشر والأسلحة إلى تصنيع وتوزيع المخدرات المختلفة.

الحوثيون مبرمجون على المرونة والقدرة على التكيف. لقد شحذ ما يقرب من عقدين من الحرب قدرات الحوثيين القتالية. وبعد السقوط الفعلي للحكومة اليمنية في سبتمبر 2014، عزز الحوثيون هذه القدرات من خلال تطعيم تنظيمهم بما تبقى من الجيش اليمني وأجهزة المخابرات. واستولى الحوثيون منذ 20140 بشكل منهجي تقريبًا على كافة جوانب الحكم المدني والأمن والتعليم والاقتصاد في شمال غرب اليمن.

لدى السفن التي تقودها الولايات المتحدة في البحر الأحمر وخليج عدن، والعتاد الساحلي في البلدان المجاورة، قوة نارية كافية لإضعاف القدرات العسكرية للحوثيين، على الأقل على المدى القصير.

وبينما كان الحوثيون ولايزالون إحدى أفضل قوات حرب العصابات في المنطقة، إن لم يكن في العالم، فإن نجاحهم داخل وخارج ساحة المعركة في اليمن كان ساعده عدم كفاءة أعدائهم وانقساماتهم. فشلت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا ومجلس القيادة الرئاسي الذين جرى تجميعهم معًا باستمرار في توحيد عشرات الميليشيات التي تعمل في تلك المناطق خارج سيطرة الحوثيين.

بالإضافة إلى ذلك، فشلت «الحكومة المعترف بها دوليًا» في السيطرة على الفساد المستشري. يأتي جزء كبير من أسلحة الحوثيين وعتادهم مما تقدمه المملكة العربية السعودية والإمارات لوكلائها في اليمن. تبيع العديد من هذه الميليشيات المدعومة من السعودية والإمارات الأسلحة في سوق الأسلحة المزدهر في اليمن، حيث يشتري الحوثيون أو عملاؤهم الأسلحة. هذا لا يعني أنه لا يوجد فساد داخل جماعة الحوثيين. بل هناك فساد. ومع ذلك، يجري إدارة الفساد ويقتصر إلى حد كبير على كبار أعضاء الجماعة. يمارس الحوثيون قيادة وسيطرة مشددة على ترساناتهم ومرافق تجميع الأسلحة والوزارات الحكومية والإمبراطورية الاقتصادية المزدهرة في اليمن. لم يسبق لشمال غرب اليمن أن شهد حكومة أكثر كفاءة أو وحشية من النظام الحالي الذي يقوده الحوثيون.

قد يتسبب الصراع الشديد في باب المندب وحوله بتضاؤل حركة الشحن في البحر الأحمر، أو حتى بتوقفه تمامًا، لعدة أشهر.

ركزت الولايات المتحدة وحلفاؤها ومنذ 7 أكتوبر الماضي على التدابير الدفاعية التي تهدف إلى اعتراض صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيرة. وتتزايد تكاليف هذه التدابير بشكل مضطرد. لا يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الاستمرار بسهولة في إنفاق أعداد كبيرة من الصواريخ النادرة التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات لتدمير الطائرات المسيرة التي يمكن أن تكلف أقل من ألف دولار. لدى الحوثيين مصانع، يقع الكثير منها في مناطق حضرية كثيفة يصعب استهدافها، والتي يمكنها تصنيع عشرات إلى مئات الطائرات المسيرة منخفضة الجودة أسبوعيًا.

إقرأ أيضاً  الضالع.. إصابة أطفال بانفجار مقذوف ناري

يجري إنتاج طائرات مسيرة أكثر تطورًا بوتيرة أبطأ، إلا أنه لايزال بإمكان الحوثيين تجميع مئات منها على مدى بضعة أشهر. في حين أن الحوثيين كانوا ومازالوا يتلقون المساعدة والعتاد من إيران، يجري تجميع كل طائرات الحوثيين المسيرة وصواريخهم تقريبا في اليمن. كما يركز الحوثيون بشكل متزايد على تعديل وتكييف التصاميم الإيرانية للصواريخ والطائرات المسيرة لتناسب متطلباتهم الخاصة.

وحتى الآن، لم يستخدم الحوثيون سوى جزء بسيط من الطائرات المسلحة المسيرة والصواريخ التي يمتلكونها حاليًا. كما لم يستخدم الحوثيون طائراتهم المسيرة وصواريخهم طويلة المدى الأكثر تطورا. كما يمتلك الحوثيون أعدادًا كبيرة من الألغام البحرية، بما في ذلك ألغام ذات تأثير يصعب اكتشافها.

لدى السفن التي تقودها الولايات المتحدة والتي يتم تجميعها الآن في البحر الأحمر وخليج عدن، جنبا إلى جنب مع العتاد الساحلي في البلدان المجاورة، قوة نارية كافية لإضعاف القدرات العسكرية للحوثيين، على الأقل على المدى القصير.

ومع ذلك، ينبغي أن تستمر هذه الحملة لما يمكن أن يصل لشهور حيث ستتسبب بتكلفة باهظة لجميع الأطراف المنخرطة. الحوثيون هم أسياد الحرب غير المتكافئة، كما يتضح بوضوح من حملتهم في البحر الأحمر، وسوف يردون على الضربات التي تقودها الولايات المتحدة بمهاجمة البنية التحتية للطاقة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. كما سينشر الحوثيون صواريخ أكثر تطورًا وطائرات مسلحة مسيرة. وبينما من المرجح أن تكون السفن الحربية الأمريكية وسفن التحالف قادرة على الدفاع عن نفسها ضد هذه الأسلحة، فإن الشحن التجاري، وبخاصة الناقلات، ستكون عرضة للخطر بشكل متزايد. وقد أغلق الحوثيون بالفعل باب المندب أمام العديد من شركات الشحن العالمية. قد يتسبب الصراع الشديد في باب المندب وحوله بتضاؤل حركة الشحن في البحر الأحمر، أو حتى بتوقفه تمامًا، لعدة أشهر.

لقد حقق الحوثيون أهدافهم إلى حد كبير بفرض تكاليف على إسرائيل وحلفائها، وإظهار تمددهم الإقليمي، وتعزيز الدعم المحلي. ليس لدى الولايات المتحدة وحلفائها خيارات جيدة عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الحوثيين. وبصرف النظر عن العمل على تقييد الهجوم الإسرائيلي الذي لا هوادة فيه في غزة، فإن الطريقة الوحيدة لتجنب الدخول في حلقة تصعيدية هي أن تستمر الولايات المتحدة في دعم المساعي التي تقودها السعودية وعمان بهدف كبح جماح تهديدات الحوثيين وهجماتهم.

غير أنه في الوقت عينه، لا يحترم الحوثيون سوى القوة. ينظر الحوثيون إلى الرد الأمريكي الحالي على أنه بلا أنياب، وستنظر العديد من الدول والجماعات غير الحكومية الأخرى إلى الرد أو عدمه بنفس الطريقة. إن الصراع في البحر الأحمر هو نذير لما يخبئه المستقبل مع استمرار انتشار أنظمة الأسلحة منخفضة التكلفة بل وذات القدرة المتزايدة. ستواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها حتمًا المزيد والمزيد من المواقف التي لا توجد فيها خيارات جيدة مع زيادة عدم التكافؤ بين أنظمة الأسلحة عالية التكلفة ومنخفضة التكلفة.

—————–

مايكل هورتون هو زميل في مؤسسة جيمستاون ومؤسس مشارك لتحليلات البحر الأحمر الدولية (RSAI)

مقالات مشابهة