المشاهد نت

تصعيد عسكري مدروس في اليمن

عدن – مازن فارس:

مؤخرًا، تصاعدت العمليات العسكرية بشكل ملحوظ في اليمن، بالتزامن
مع المساعي التي تقودها الأمم المتحدة إلى جانب الولايات المتحدة لوقف القتال واستئناف العملية السياسية.

وعاد التصعيد العسكري بتجدد المعارك بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي في محافظة مأرب (شمالي شرق البلاد)، بالإضافة إلى الهجمات التي استهدفت الأراضي السعودية وفق ما أعلنه الحوثيون تباعًا.

ويرى مراقبون أن الحوثيين استغلوا إعلان واشنطن إنهاء دعمها للعمليات العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، لشن الهجوم على مأرب بهدف تحقيق مكاسب ميدانية تمكنهم من فرض شروطهم في حال تمكنت الأمم المتحدة من استئناف المشاورات السياسية.

وفي 4 فبراير الجاري أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أنه قرر وقف دعم بلاده للعمليات العسكرية التي يقودها التحالف العربي في اليمن، بما في ذلك صفقات بيع الأسلحة، لكنه شدد على أن بلاده ستواصل مساعدة الرياض على تعزيز دفاعاتها ضد الهجمات الخارجية.

معارك مستمرة

على مدى خمسة أيام، شهدت جبهات صرواح والمخدرة وهيلان والمشجح غرب مأرب، مواجهات عنيفة بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي استُخدمت فيها الأسلحة الثقيلة.

وشنت مقاتلات التحالف سلسلة غارات جوية، استهدفت تعزيزات ومواقع للحوثيين في مناطق عدة بمأرب، وفق إعلام الجيش، كما أسفرت المواجهات عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من الطرفين.

مصادر عسكرية قالت لـ”المشاهد”، إن المعارك لا تزال مستمرة حتى يوم الخميس الماضي في جبهات صرواح، وأطراف معسكر كوفل الذي يعتبر خط الدفاع الأول عن مأرب، ويبعد عن مركز المدينة بحوالي 13 كلم.

واستمرار هجوم الحوثيين بهدف محاولة الوصول إلى مدينة مأرب التي تضم مقر وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة، وهو ما جعل القوات الحكومية تدفع بتعزيزات عسكرية جديدة، من محافظتي شبوة شرق اليمن وأبين جنوبًا، بحسب المصادر.

بالمقابل دفع الحوثيون بمزيد من التعزيزات؛ في حين أعلن القيادي بالجماعة محمد البخيتي بدء ما سماها بـ”الحرب على مأرب”.

وقال البخيتي الذي يتولى منصب محافظ ذمار، في تصريحات بثتها قناة “اليمن” بنسختها في صنعاء التابعة للحوثيين، إن “معركة تحرير مأرب قد بدأت” وأن جماعته تخوض “معركة فاصلة يترتب عليها انتصار الأمة الاسلامية”، حد تعبيره.

ومنذ منتصف عام 2020، تشهد محافظة مأرب الغنية بالنفط، معارك هي الأعنف منذ اندلاع الحرب في البلد قبل ستة أعوام، تسببت بسقوط ضحايا مدنيين ونزوح عشرات الأسر.

وتعد مدينة مأرب بمثابة ملجأ للكثير من الأسر النازحة التي فرّت هربًا من المعارك، والتي يقدر عددها بأكثر من 3 آلاف أسرة، تتوزع على أكثر من 90 مخيمًا وتجمعًا سكانيًا، بحسب منظمات حقوقية.

ضوء أخضر أمريكي

الصحفي مارب الورد :أن الحوثيين يحاولون استغلال ما يمكن وصفه اعتبارًا بالضوء الأخضر الأمريكي مِن قِبل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والمتمثل باعتزامها إلغاء تصنيفهم جماعة إرهابية من قِبل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.

وأثار “استئناف الحوثيين للأعمال العدائية” في مأرب، قلق مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، الذي قال إن تلك الأعمال “تأتي في وقت تجدد فيه الزخم الدبلوماسي لإنهاء الحرب في اليمن واستئناف العملية السياسية”، بحسب بيان له صدر يوم الثلاثاء الماضي.

ويرى الصحفي مأرب الورد، أن الحوثيين يحاولون استغلال ما يمكن وصفه اعتبارًا بالضوء الأخضر الأمريكي مِن قِبل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والمتمثل باعتزامها إلغاء تصنيفهم جماعة إرهابية من قِبل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.

وكانت إدارة ترامب قد صنفت جماعة الحوثي “منظمة إرهابية” في 19 يناير/كانون ثاني الماضي، وفرضت عقوبات على 3 من قادتها.

لكن وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت في 4 فبراير الجاري، البدء في إجراءات إلغاء تصنيف الحوثي “منظمة إرهابية أجنبية”، وإبلاغ الكونغرس رسميًا بذلك، وهو ما اعتبرته جماعة الحوثي بمثابة استسلام أو انتصار لها.

ولفت إلى أن التلويح بإلغاء التصنيف أغرى الحوثيين لتصعيد عملياتهم العسكرية في محاولة لفرض واقع جديد، وبحسب الورد، فإن التصعيد الأخير للحوثيين “تزامن مع الدَلال الذي يعاملهم به المبعوث الأممي والذي لم يدن تصعيدهم واكتفى بالحديث عن التعبير عن القلق وكأن المسألة يعني حادثًا مروريًا وليس تصعيدًا عسكريًا يترتب عليه حياة بشر بما في ذلك 2 مليون نازح في المحافظة”، حسب قوله.

كما يرى، أن التصعيد الأخير “لن يحقق النتيجة للحوثيين كما يتوهموا” حد تعبيره، مضيفًا أن “معطيات الواقع لم تتغير، وهم (الحوثيون) سيُمنون بخسارة كبيرة كما حصل طوال السنة الماضية (…) ولم يحققوا أي هدف من أهدافهم التي رسموها”.

استعداد مدروس

وحول الأسباب التي تقف وراء هجوم الحوثيين على مأرب، يرى المحلل السياسي نبيل الشرجبي، أن أحد الأسباب هو ادعاء الحوثيين بوجود حالة قبض على نساء في مأرب، وعلى إثره طلبوا النفير العام حتى تتحول المعركة إلى تحرك شعبي دفاعًا عن العرض.

إقرأ أيضاً  أسباب تراجع هجمات الحوثيين البحرية

في مطلع فبراير الجاري، أعلنت شرطة محافظة مأرب، إلقاء القبض على خلية تجسس تعمل لصالح الحوثيين، دون أن تذكر أسماءهم، لكن وسائل إعلامية قالت إن الخلية مكونة من ثمان نساء.

ويقول الشرجبي لـ”المشاهد”، إن الاستعداد الأخير للحوثيين مدروس ومُعدّ له بعناية من حيث الأسباب أو التوقيت، وأشار إلى أن الحوثيين يسعون لكسب معركة مأرب، والتي في حال كسبوها سيقدمون على أي عملية سلام من موقف قوي وربما أنهم من خلال ذلك يستطيعوا أن يفرضوا شروطهم على الرئيس هادي وعلى التحالف العربي، وفق تعبيره.

هجمات ضد السعودية

وعلى صعيد الهجمات التي استهدفت السعودية، أعلن التحالف العربي في بيانات منفصلة، اعتراض وتدمير صاروخ باليستي واحد، و 12 طائرة مسيّرة مفخخة أطلقتها جماعة الحوثي في هجمات منفصلة باتجاه المملكة، خلال فترة أقل من أسبوع (7-11 فبراير الجاري).

ومن أبرز تلك الهجمات، استهداف مطار أبها بمنطقة عسير جنوب غربي السعودية، يوم الأربعاء، مما تسبب في اشتعال النار في طائرة مدنية على مدرج المطار.

وسرعان ما أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجوم، وقال المتحدث العسكري للجماعة، يحيى سريع، إنهم استهدفوا المطار بأربع طائرات مسيرة، وكانت الإصابات دقيقة.

وزعم سريع في بيان، أن “المطار يستخدم لأغراض عسكرية لاستهداف الشعب اليمني”، وهو ما سبق أن نفته السعودية.

وتوعدت الجماعة باستمرار عملياتها ضد السعودية، محذرةً من استخدام المطارات المدنية لأغراض عسكرية.

ومطار أبها الذي يبعد حوالي 120 كيلومترًا عن الحدود اليمنية، هو هدف ما فتئت تستهدفه طائرات الحوثيين المسيرة، وجرى اعتراض الكثير منها، وتتهم السعودية إيران بدعم الحوثيين بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، وتنفي طهران تسليح الحوثيين رغم وجود مؤشرات تشير إلى عكس ذلك.

ومنذ بداية الحرب في عام 2015 وحتى منتصف العام الفائت، بلغ مجموع الصواريخ والطائرات المسيرة التي تم إطلاقها باتجاه السعودية واعتراضها، 313 صاروخًا بالستيًا، و357 مسيّرة، وفق تصريحات سابقة للمتحدث باسم التحالف العربي تركي المالكي.

وأدانت دول عالمية وأوروبية وأخرى عربية وإسلامية، استهداف الحوثيين مطار أبها، واعتبرته “تهديدًا خطيرًا” للاستقرار الإقليمي، وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين تحدث مع نظرائه في السعودية بعد الضربة، وقال إن بلاده تدعم السعودية على زيادة قدرتها على الدفاع عن نفسها.
بدورها، أبلغت السعودية مجلس الأمن الدولي، بهجوم الحوثيين على المطار، ووصفته بأنه “جريمة حرب شنيعة”.

وقال سفير السعودية لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي في رسالة دعا فيها أعضاء الهيئة الخمسة عشر إلى إدانة الهجوم، “إن مثل هذه الأعمال الإرهابية التي يقوم بها الحوثيون لا تزال تقوض جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي شامل في اليمن”.

مساعٍ سياسية

تأتي جولة التصعيد الجديدة في اليمن، بالتزامن مع مباحثات أجراها المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، مع مسؤولين إيرانيين وآخرين في الحكومة اليمنية والسعودية، لبحث آفاق استئناف العملية السياسية.

الدبلوماسي المخضرم تيم ليندر كينغ، الذي عُين الأسبوع الماضي مبعوثًا أمريكًيا خاصًا إلى اليمن، هو الآخر زار الرياض وأجرى سلسلة لقاءات مع الرئيس اليمني ووزير خارجيته، ومسؤولين سعوديين، والتي تأتي في إطار جهود دبلوماسية مكثفة من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإنهاء الحرب.

والخميس الماضي، قال ليندركينج خلال لقائه وزير الخارجية اليمني، أحمد عوض بن مبارك “هدفنا الأساسي هو جمع الأطراف معا بالتنسيق مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص باليمن مارتن جريفيث من أجل التوصل إلى تسوية عبر المفاوضات تنهي الحرب ومعاناة الشعب اليمني”، وفق ما أوردته السفارة الأمريكية في اليمن.

وتقود السعودية تحالفًا عسكريًا لدعم الحكومة المعترف بها دوليًا، ضد جماعة الحوثي التي استولت على صنعاء وعدد من محافظات البلاد في خريف 2014.

وتسببت الحرب في مقتل حوالي 130 ألف شخص، من بينهم أكثر من 13 ألف مدني قتلوا في هجمات مستهدفة، وفقًا لمشروع موقع النزاع المسلح والحدث.

وتحذر وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة من أن أزمة الجوع التي سببتها الحرب قد تتحول إلى مجاعة كاملة في ظل استمرار النزاع.

ومنذ عام 2019، لم تجر أي مفاوضات جوهرية بين الأطراف اليمنية، كما أن اتفاق ستوكهولم الذي رعته الأمم المتحدة أواخر 2018، لا يزال متعثرًا رغم مرور عامين على توقيعه.

مقالات مشابهة