المشاهد نت

عن “آفة العصر” الفتّاكة في يومها العالمي!

صورة تعبيرية عن التدخين

تعز – محمد علي محروس :

7 سنوات من دخان قضاها محمد خالد تائهًا بين ما يعانيه وما يجب عليه أن يفعله، محذوفة من قاموس حياته، وكل ما يتذكره من تلك السنوات، أنه كان مهووسًا بالتدخين، ماله ووقته وجهده بين قبضتي نفثات دخان يتقاسمها جوفه ومحيطه، ولا يعنيه ما يترتب على ذلك صحيًا ونفسيًا، وحتى بيئيًا.
اتخذ محمد قرار الإقلاع بشجاعة وإصرار، كما يقول لـ”المشاهد”، مضيفًا: “لا أريد أن أتذكر الحالة التي كنت أعيشها، في اليوم الواحد أستهلك باكتًا أو باكتين على الأقل، وعندما أشتري لا أكتفي باحتياجي اليومي، بل آخذ ما يضمن لي مخزونًا يكفي لأيام”.
العادة التي دأب محمد عليها، كلفته 7 سنوات من عمره، ليفيق على إثرها بقسم مع نفسه أن يتوقف من فوره، ويبدأ ملاحقة طموحاته التي تكللت بعضها بالنجاح، فهو اليوم موظف ويعول أسرة، ولم يعد في نفسه ما قد يعيده إلى سنوات الدخان الخاليات.
ما عاشه محمد من قبل شكّل دافعًا ليقوم بالنصح لكل من يُدخّن، ويحكي تجربته علّ أحدهم يُنصت ويحاكيها، ويقول: “أتمنى ألا يستسلم الشباب للتدخين”.
وتحتفل منظمة الصحة العالمية وشركاؤها في كل مكان، في 31 مايو من كل عام، باليوم العالمي للامتناع عن التدخين، مع إبراز المخاطر الصحية المرتبطة بتعاطي التبغ، والدعوة إلى وضع سياسات فعالة للحد من استهلاكه.
ويعد تعاطي التبغ أهم سبب منفرد للوفيات التي يمكن تفاديها على الصعيد العالمي. علمًا أنه يؤدي حاليًا إلى إزهاق روح واحد من كل 10 بالغين في شتى أنحاء العالم. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن وباء التبغ العالمي يودي بحياة ما يقرب من 6 ملايين شخص سنويًا، منهم أكثر من 600 ألف شخص من غير المدخنين، الذين يموتون بسبب استنشاق الدخان بشكل غير مباشر.

يرتفع خطر الإصابة بمرض الانسداد الرئوي المزمن خصوصًا بين من يبدؤون التدخين في سن مبكرة، إذ يؤدي التدخين إلى إبطاء نمو الرئة بدرجة كبيرة. كما يؤدي إلى تفاقم الربو الذي يحد من النشاط، ويسبب الإعاقة.


وترى المنظمة أنه إن لم تُتخذ التدابير اللازمة، فسيزهق هذا الوباء أرواح أكثر من 8 ملايين شخص سنويًا حتى عام 2030، وستسجل نسبة 80% من هذه الوفيات التي يمكن الوقاية منها في صفوف الأشخاص الذين يعيشون في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

حليف السرطان

يُعد التدخين سببًا رئيسيًا لسرطان الرئة، وهو المسؤول عن أكثر من ثلثي وفيات سرطان الرئة على مستوى العالم، كما أن التعرّض لدخان التبغ غير المباشر في المنزل أو في مكان العمل، يزيد من خطر الإصابة بسرطان الرئة. إضافة إلى ذلك، يشكّل التدخين سببًا لمرض الانسداد الرئوي المزمن، وهي حالة مرضية يؤدي فيها تراكم المخاط المملوء بالقيح في الرئتين، إلى حدوث سعال مؤلم وصعوبات في التنفس، وفق معلومات نشرتها منظمة الصحة العالمية.
ويرتفع خطر الإصابة بمرض الانسداد الرئوي المزمن خصوصًا بين من يبدؤون التدخين في سن مبكرة، إذ يؤدي التدخين إلى إبطاء نمو الرئة بدرجة كبيرة. كما يؤدي إلى تفاقم الربو الذي يحد من النشاط، ويسبب الإعاقة. علاوة على ذلك، فإن مرض السل الذي يضر بالرئتين ويقلل وظائف الرئة، يتفاقم مع تدخين التبغ، إذ يمثل دخان التبغ نوعًا خطيرًا للغاية من تلوث الهواء، ويحتوي على أكثر من 7000 مادة كيميائية، منها 69 مادة معروف أنها تسبب السرطان.
الدكتور هشام عبدالعزيز، أخصائي علاج الأورام بمركز الأمل لعلاج الأورام في تعز، تحدّث لـ”المشاهد” عن مدى الخطورة الكبيرة التي يمثلها التدخين؛ كونه سببًا لـ16 نوعًا من السرطان، بحسب الإثباتات العلمية.
وأضاف عبدالعزيز: “الإقلاع عن التدخين يمنع عودة السرطان في المرضى الذين تعافوا منه، وهو ما يجب أن يستوعبه الجميع؛ ليكونوا صورة شاملة عن التدخين وما يعنيه من خطر وجودي على البشر”.

إقرأ أيضاً  مستجدات «المنخفض الجوي المداري» شرق اليمن

جهود منعدمة

بالقدر الذي يشكله التدخين من خطورة، فإن جهود مكافحته والتوعية بمخاطره تكاد تكون منعدمة، وهذا بحد ذاته يشكل خطرًا وجوديًا على شرائح عدة أصبحت الظاهرة بالنسبة لها شيئًا اعتياديًا. وما يزيد الوضع خطورة أن الأطفال باتوا عرضة لهذه العادة، فمنهم من أصبح يُجاهر بها كتعاطٍ روتيني من باب التباهي وإثبات الذات، وهو ما يعتبره تيسير السامعي، نائب مدير التوعية والتثقيف الصحي في مكتب الصحة العامة والسكان بتعز، بمثابة المعضلة الجسيمة، داعيًا إلى وجود هم أسري ومجتمعي للوقوف في وجه تعاطي الأطفال للسجائر، وارتهانهم للتدخين في عمر مبكر.
ويعيد السامعي بروز هذه الظواهر لانعدام برامج التوعية والتثقيف، التي بموجبها تتشكل صورة ذهنية ووعي مجتمعي مدرك للخطر، ويتعامل معها بمسؤولية وحرص، وذلك كله تتحمله الحكومة لغياب الجهود التوعوية اللازمة، حسب حديثه لـ”المشاهد”.
حتى على مستوى محاربة الظاهرة في الأماكن العامة، تنعدم الجهود الحكومية، وأسوأ من ذلك لا توجد قوانين ملزمة بمنع ذلك، أو تنظيم العملية على الأقل، وفق ما قاله لـ”المشاهد” المحامي رقيب الخليدي.
وتفتقر اليمن لدراسات ميدانية ذات صلة بالموضوع، إذ تعد آخر دراسة نُشرت في 2008، وتوصلت إلى أن اليمنيين من أكثر شعوب العالم تدخينًا، وأنهم يستهلكون من السجائر سنويًا 6,4 مليار سيجارة، أي ما يعادل طول قُطر كوكب الأرض بـ18 ضعفًا.
الدراسة أكدت أن نسبة المدخنين في اليمن تعد من أعلى النسب عالميًا، إذ ينفق اليمنيون 21,3 مليار ريال في شراء التبغ، ويستهلكون 317,5 مليون علبة سجائر سنويًا، بواقع 870 ألف علبة يوميًا.

مقالات مشابهة