المشاهد نت

مسلسل “رشاش”… إنتاج مزيد من الكراهية بين الشعوب

عدن – أسامة فرحان:

لأن اللفظ هو المرآة التي تعكس صورة المرء ومجتمعه الذي يعيش فيه، قال أحد الممثلين في إحدى حلقات مسلسل “رشاش”، وهو عمل درامي سعودي: “نحفظ الدراهم لليمن نتونس مع الحريم والمخدرات”.
ومن الطبيعي ألا تمر هذه الإساءة اللفظية مرور الكرام، فقد أثارت سخطًا وغضبًا واسعين لدى الشعب اليمني، الذي أعربَ عن غصبه ورفضه لمَا ورد في المسلسل عبر هاشتاج “مسلسلرشاشيسيءلنساءاليمن”.

إساءة متعمدة

لم يكن العمل الدرامي “رشاش” الوحيد الذي تبنى الإساءة لليمن واليمنيين، فقد كان اليمني دومًا محط سخرية، ويحاول البعض التقليل من شأنه.
ويقول الصحفي عبدالرحمن الشوافي، لـ”المشاهد” إن “هذه الإساءة تأتي في إطار محاولة التقليل من الإنسان اليمني والحضارة اليمنية الضاربة جذورها في عمق التاريخ، وهي محاولة استعلائية نتيجة الترف الذي يعيشه البعض في دول الخليج، للتقليل من الإنسان اليمني الذي يعيش أوضاعًا مزرية بسبب الحرب”.
ويضيف الشوافي: “هذا قصر في النظر من قبل الجهة المنتجة لهذا المسلسل”.
ويستغرب علاء دينيش، وهو محامٍ وناشط حقوقي يمني، من تعمد الإساءة لليمن واليمنيين في الدراما السعودية والخليجية بشكل عام، إذ تكونت عن ذلك صورة نمطية سيئة جعلت الشعوب العربية تنظر لنا وبشكل التعميم كهمجيين وأميين وناس يعيشون بلا هدف ومخدرين بالقات، إلى غير ذلك من الصور السيئة التي تسيء وتشوه صورة اليمن واليمنيين.
ويقول دينيش لـ”المشاهد”: “ربما للسياسات الخليجية وتوجهاتها تجاه اليمن دور، فالمشاهد للتوجه الإعلامي السعودي خلال الفترة السابقة، يمكن أن يحلل هكذا إساءة إلى مخطط أو توجه مدروس بقصد تبرير أي توجهات، وتنفيذ أية رؤية بدون أي منغصات أو اعتراضات، أما في ما يتعلق بالإساءة الأخيرة للمرأة اليمنية، وحتى لا نذهب بعيدًا، فربما هو سيناريو حدث سابقًا، كان القصد منه جر العراق لمستنقع الرذيلة والمجاهرة بها، والحقيقة أنني لست من المفرطين في نظريات المؤامرة، ولكن الذي يحدث ليس بعيدًا من مخططات الغزو الفكري والأخلاقي للمجتمعات، خصوصًا مع انتشار مقومات ذلك، وفي مقدمتها الحرب والفقر”.
بالمثل يقول نور الدين المنصوري، ناشط حقوقي يمني، لـ”المشاهد”: “بالنسبة لمن يقومون بهذا، هم يريدون بشكل رئيسي فتح صراعات بين الشعوب بهدف إضعافها وشغلها في هذه الصراعات. بالمختصر هناك عملاء يعملون مع مخابرات خارجية بهدف شحن المجتمعات العربية بالأحقاد من أجل تعميق الكراهية في أوساط الشعوب لأجل إضعافها”.
ويعيد ياسر المليكي، محامٍ وناشط حقوقي، أسباب نزعات الإساءة تجاه اليمنيين إلى الحرب والكثير من الأحداث التي جعلت اليمنيين يعيشون بغبن أو بشيء لم يكونوا يتوقعونه من الخليجين تجاه اليمنيين، والتخبط الخليجي إزاء الملف اليمني والتدخل العسكري، والذي أظهر الفشل، فما يحدث في الدراما انعكاس واضح لنظرة الكثير من المجتمع الخليجي لجيرانهم اليمنيين.
ويضيف المليكي لـ”المشاهد” أن هناك إساءات كثيرة لليمنيين، سواء للقيادات أو الأحزاب أو الشخصيات أو المجتمع من الكُتاب الموالين للخليج أو دول أخرى، ويؤكد أن من يتحمل هذه الإساءة، الأنظمة السياسية الخليجية، لأنها تركت هذا الباب مواربًا، ولم تغلقه أمام هذه الإساءات التي تصدر من الكثير من المقربين من بلاط هذه الأنظمة الخليجية، بخاصة السعودية والإمارات، إلى جانب الدول الأخرى، وإن كان بشكل أقل حدة.

الوجه الخفي

“من يقف خلف هذه الأعمال والخطابات المسيئة لليمن، يجهل التاريخ وقيمة الإنسان اليمني، وأن الإساءة لشعب أو ثقافة تكون نتيجة قصر النظر وانعدام الثقافة وتخمة غباء وعدم معرفة”، يقول الشوافي.

نظرة الدونية التي ينظر بها كثير من الخليجيين للشعب اليمني، وهي علاقة تتأسس على موضوع الطفرة المالية التي يتمتع بها المجتمع الخليجي مقابل الفقر في المجتمع اليمني.


ويضيف أن الإساءة لليمن ترتبط بموضوع حساسية العلاقة بين المجتمع اليمني والمجتمع الخليجي، وتعود جذور هذه الحساسية إلى فترات سابقة تتعلق بحرب الخليج أو حرب 1994.


ويتابع المليكي أن أحداثًا كثيرة أخرى وقعت بين اليمن وبين دول الجزيرة العربية والخليج، إضافة إلى أحداث المغتربين في السبعينيات والثمانينيات وما حصل لهم، والتي كان لها دور في تنمية الحساسية بين المجتمعين الخليجي واليمني، إضافة إلى نظرة الدونية التي ينظر بها كثير من الخليجيين للشعب اليمني، وهي علاقة تتأسس على موضوع الطفرة المالية التي يتمتع بها المجتمع الخليجي مقابل الفقر في المجتمع اليمني، بالإضافة إلى هذه الحرب التي تعيشها اليمن.
“كل هذه العوامل أثرت في توسع الشرخ والكراهية بين المجتمعين، وأفرزت إساءات كالتي حدثت في مسلسل رشاش، هذه الإساءة الأخيرة من خلال العمل الكوميدي تعمق مشاعر الكراهية بين المجتمعين، والتي كان من المفترض ألا تعمل الدول الخليجية على تغذيتها من خلال أعمال فنية أو تصريحات، مع العلم أن خطاب الكراهية يعتبر منبوذًا، وفي المواثيق الدولية يعد خطابًا مرفوضًا، ويناهض كل المواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان التي يجب أن تُحتَرم من قبل كل الشعوب، وبالتالي ما ورد في مسلسل رشاش يندرج ضمن خطاب الكراهية، ويعتبر خطابًا تحقيريًا، ازدرائيًا تجاه الآخر، فكان من المفترض من هيئات الإنتاج في البلد الذي صنع فيه هذا العمل الدرامي، مراقبة أحداثه ومنعه”، وفق المليكي.

إقرأ أيضاً  حرمان المهمشين من الخدمات في اليمن

آثار وخيمة

“كل فعل يترك خلفه أثرًا، وهكذا الحال بالنسبة للإساءة المتعمدة والمتكررة لليمنيين”، يقول عبدالحمن الشوافي، مضيفًا أن هناك آثارًا كثيرة، أولها محاولة خلق شرخ في العلاقة بين المجتمعين السعودي واليمني.
ويتابع الشوافي: “لا أعتقد أن هذا العمل يمثل المجتمع السعودي ككل، أو الإنسان السعودي ككل، فهم يعلمون أن العلاقات السعودية اليمنية علاقات جيدة، وأيضًا لا نستطيع اعتبار هذا العمل فرديًا، وإنما يعبر عن جهة وأشخاص قاصري النظر ومنعدمي الثقافة”.
ويؤكد المحامي علاء أن هناك آثارًا كثيرة تترتب على هذا العمل المسيء، منها الإساءة للمرأة اليمنية، ودفع المجتمع للرذيلة، إضافة لتصوير اليمني كجاهل ومخالف للقانون وشخصية غير جادة وغير عملية، مما يقلل فرص قبولهم في أي أعمال خارج البلاد، وغيرها من الآثار النفسية والاجتماعية.
ويشير إلى أن التأثيرات لم تقتصر على ذلك فحسب، بل كان لمثل هذه الخطابات المسيئة لليمنيين دور كبير في إنتاج مزيد من الكراهية والتحريض بين الشعوب، بحسب المليكي، مشيرًا إلى أن هذه الأعمال عملت على إثارة النعرات والانقسامات وتبادل الإساءات في ما بين الشعوب، بخاصة إذا تبنت وسائل الإعلام هذا النهج، فقد وصلنا إلى درجة خطيرة من تبني خطاب الكراهية والتحريض.

تغريد خارج السرب

عند الإساءة لدولة أو شعب أو ثقافة تكون الدولة هي الرادع الأول لوقف هذه الإساءة وعدم تكرارها، إلا أن الوضع في اليمن مختلف، حيث تكتفي الحكومة بمواقفها السلبية المتوقعة. لكن الشوافي يقول: “للأسف كان موقف وزير الإعلام مسيئًا لليمن بقدر إساءة هذا العمل الدرامي، كونه لم يعطِ هذا الأمر حقه، بل قام بالتغريد خارج السرب حين أشاد بموقف السعودية، في الوقت الذي لم يتطلب منه ذلك، دوره سلبي وغير معول عليه من الأساس أن يكون له دور إيجابي”.
ويؤكد الحقوقي المنصوري أن على الحكومات العربية بشكل عام، والحكومة اليمنية خصوصًا، بالتخاطب مع الحكومات الأخرى التي تسمح بإنتاج مثل هذه الأعمال، كونها تمس الأمن القومي العربي بشكل عام، وهذا يبدأ من وزارة الإعلام والثقافة بتحريك هذا الملف عبر وزارة الخارجية المعنية في التخاطب مع الدول.
ويشير المليكي إلى أن الدولة تمتلك الكثير من الوسائل لتحتج بها على هذه الأعمال المسيئة لليمنيين، لكنها تدرك أن الحكومة اليمنية خاضعة تحت سلطة الابتزاز والإساءة بشكل عام، فلا تجرؤ أن تقول شيئًا إزاء هذه الخطابات المسيئة لليمن.

لكل فعل ردة فعل

عمل الكثير من الناشطين والمواطنين اليمنيين على التعريف بأصالة الإنسان اليمني وحضارته ومكانته كحضارة عريقة ممتدة منذ آلاف السنين، وهو ما يرى الصحفي الشوافي أنه الطريقة الصحيحة للرد على الإساءة لهم.
فيما يؤكد دينيش أن الوعي أهم وأفضل ما يمكن عمله، إضافة لعمل حملات مضادة لهكذا أعمال إعلامية أو درامية، مع المطالبة بإيقافها، ومطالبة الحكومة اليمنية ممثلة بوزارتي الخارجية والإعلام، لاتخاذ ما يلزم، مع العمل على إنتاج أعمال إعلامية تعيد تشكيل الصورة النمطية السيئة عن اليمن واليمنيين.
من جهته، دعا المنصوري الجميع إلى عدم الانجرار نحو هذه الابتزازات، وعدم توجيه الحقد نحو الشعوب الأخرى بمجرد إنتاج مسلسلات تسعى لصناعة الأحقاد بين الشعوب، وأن مثل هذه الأعمال إنما تمثل أشخاصًا بعينهم، لا الشعوب.
ولكل فعل رد فعل، وهذا ما شهدته الساحه اليمنية، حيث دشن ناشطون ومغردون هاشتاغ “مسلسلرشاشيسيءلنساءاليمن”، وأعربوا فيه عن غضبهم واستنكارهم لما ورد في المسلسل.
ويقول دينيش إن الحملة صاحبها مطالبات بالاعتذار وحذف للمشهد، وإن كانت غير مرتبة، لكنها لاقت رواجًا عالميًا، وتناقلتها عدة وسائل إعلام وقنوات عالمية وإقليمية، إلا أن القناة والممثل لم يستجيبوا، مع العلم أنه تم تأجيل عرض المسلسل لشهور لمجرد رفض قبيلة عتيبة عرضه.
“أعتقد أن الرسالة وصلت إلى الجهة المنتجة للعمل، والتي حاولت الإساءة لليمنيين، من خلال الحملة الكبيرة التي قام بها نشطاء ومواطنون، والتي عرفت بقيمة وأصالة وحضارة اليمن الكبير في كل شيء من قدم التاريخ”، يقول الشوافي.

مقالات مشابهة