المشاهد نت

مرض التوحد يحجب الرؤية عن شمس خولان

صنعاء – وفاء ناجي سليم:

في قرية صغيرة بمديرية خولان، إحدى مديريات محافظة صنعاء (شرق العاصمة)، خلقت شمس محمد لتضيء أرجاء المنزل، وتمنحه الدفء. لكن بعد مرور عامها الخامس بدأت والدتها تُلاحظ أن صغيرتها ليست كمثيلاتها الأخريات، بسبب تأخر في النمو، وعدم القدرة على تواصلها من خلال إشارات العينين، وغياب واضح للإيماءات، فضلاً عن القيام بحركات لاإرادية تصحبها تشنجات منقطعة.
خوف والدها دفعه إلى نقلها لأحد المستشفيات في العاصمة صنعاء، لإجراء الفحوص، لكنه لم يطمئن لنتائج تلك الفحوص التي أثبتت وجود مشكلة بالدماغ.
وبعد عدة زيارات لأطباء ومستشفيات وعيادات متخصصة بالمخ والأعصاب، أظهرت الفحوصات والتصوير بالرنين المغناطيسي، أن الطفلة تعاني من مرض التوحد أو الذاتوية( Autism)، وهو عبارة عن اضطراب تابع لمجموعة من اضطرابات التطور المسماة باللغة الطبية “اضطرابات في الطيف الذاتويّ”، تُلاحظ على الطفل في سن مبكرة.

ما هو مرض التوحد؟

ويؤثر مرض التوحد على نمو الطفل، ويظهر خللا ًفي تفاعله الاجتماعي، إذ يجعل مصابيه ينعزلون عن الآخرين، كما أنه يؤدي إلى تكرار لأنماط سلوكية معينة، ويُضعف قدرة المريض على التواصل اللفظي وغير اللفظي مع الآخرين، مما يسبب صعوبة في فهم ما يريد.
وقد تبدأ أعراض المرض قبل بلوغ الطفل عامه الثالث، على الأغلب، ولكن والدة شمس لم تلاحظ ذلك منذ بداية ظهور المرض، كونه مرضاً نادراً، وتنعدم التوعية به في المجتمع اليمني لدى الأمهات، وبخاصة الأميات، ولم ينتشر إلا في الألفية الحالية، حيث أفادت الدراسات (CPC2014) أن مرض التوحد يصيب واحداً من كل 68 حالة ولادة، مع تزايد بشكل ملحوظ في العدد.
وعلى الرغم من أنه لا يوجد سبب معين لمرض التوحد، إلا أن الباحثين في مرض التوحد ربطوا المرض بالاختلافات البيولوجية والعصبية في الدماغ. ويُعتقد أن مرض التوحد له أساس وراثي، رغم عدم وجود أي جين مرتبط بشكل مباشر بالاضطراب، حسب ما قالته جمعية التوحد الأمريكية
autism – SOciety. Org
ولمرض التوحد عدة أسباب، منها عوامل متعلقة بالولادة وتغذية الأم الحامل، وعوامل جينية وبيولوجية، وعوامل أخرى مناعية، وهي من أهم الأسباب المؤدية للتوحد، إذ تتفاعل كريات الدم البيضاء الخاصة بالجنين، مع النوع الليمفاوي الخاص بأجسام الأم المضادة، مما يترتب عليه تلف النسيج العصبي الخاص بالطفل.
وللتوحد أعراض تظهر في جسده كتشوه في الأذن أو رسم جلد بصمات الأصابع، وكذلك أعراض اجتماعية كعدم إظهار الطفل المصاب بالتوحد الملاطفة والتودد المتوقع من الأطفال العاديين.
وتشير المعالجة الفيزيائية p.t آية الصياد، إلى أن خطورة مرض التوحد تختلف من حالة إلى أخرى، إلا أن جميع الاضطرابات تؤثر على قدرة الطفل على الاتصال بالبيئة، وتطور العلاقات المتبادلة.
وتكمل الثياد قائلة: “الأطفال المصابون بالتوحد يعانون بصورة شبه مؤكدة من صعوبة في اللغة و بناء العلاقات الاجتماعية والسلوك، ونظراً ًلاختلاف علامات أعراض المرض وظهوره من شخص لآخر، فمن الأرجح أن يتصرف كل طفل بشكل مختلف”.

إقرأ أيضاً  مواجهات عسكرية شمال لحج
مرض التوحد يحجب الرؤية عن شمس خولان

صعوبة فهم المرض مبكراً

تواجه الإناث المصابات بالمرض، صعوبة في فهم الحالة والعلاج، لأن المعايير الموضوعة للتشخيص صُممت للذكور. فقد أشارت العديد من المعلومات العلمية التي عملت على الأبحاث والتجارب، إلى أن نسبة كبيرة من الأطفال التوحديين يعانون من التخلف العقلي، وهناك نسبة منهم تتراوح بين 4% و32% تعاني من الصرع التوتري الارتجاجي، أو ما يسمى الصرع الكبير. وبينت تخطيطات الدماغ الكهربائية التي أجريت على العديد من المصابين، تسجيلات غير طبيعية بنسبة تتراوح بين 11% و83%، ولكن أغلب الدراسات وُضعت على مرضى من الذكور.
ويرجع ذلك إلى سبب ارتفاع نسبة الذكور المصابين بالتوحد، والتي تعادل أربعة أضعاف نسبة الإناث.

الموت المحتوم

تفتقر الإناث المصابات بالتوحد للدعم اللازم، فتزداد حالتهن سوءاً، كشمس ومثيلاتها من الفتيات اللواتي واجهن الكثير قبل تشخيص المرض، إذ التحقت شمس بأحد المراكز التي تقدم خدماتها لمرضى التوحد من الأطفال، لكن عند وصولها سن الـ13 عادت إلى قريتها، لأن المركز مخصص للأطفال تحت ذتك السن.
وتقف المرأة المصابة بمرض التوحد بعيداً عن الاهتمام، رغم إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة، في القرار 139/62، عام 2007، تسليط الضوء على الحاجة للمساعدة على تحسين حياة مرضى التوحد، حتى يتمكنوا من العيش بحياة كاملة وذات مغزى، كجزء لا يتجزأ من المجتمع.
وكان أول احتفال عام 2008، لحقته احتفالات عدة، آخرها كان تحت شعار تمكين امرأة التوحد، إلا أن اليمن كانت بعيدة كل البعد عن ذلك، فشمس ابنة الـ13 عاماً، بدأت تشتعل، وكادت أن تحترق، واختفى ضوءها بعد أن أخرجت من المركز الذي كان يقدم خدماته لها وللمصابات بإعاقة التوحد، وعادت إلى قريتها، لتواجه تحديات أكبر، ومعاناة لا تحتمل، حيث إن إمكانية المركز لا تسمح له إلا باستقبال الأطفال دون الـ13، نتيجةلقلة مراكز التمكين لمرضى التوحد في اليمن.


ففي العاصمة صنعاء يوجد مركز واحد يستقبل حالات التوحد من الأطفال، حيث تنعدم مراكز تمكين مرضى التوحد من الفتيات، وهذا ما يجعل المرض عثرة تعيق المرأة من الحياة، فتعيش في معركة كبيرة مع المرض تودي بحياتها في نهاية الطريق إلى الموت الحتمي، دون مراعاة لحقها الإنساني في الحياة.
وبعد عودة شمس إلى القرية، قرر والدها وضعها في غرفة صغيرة بمنزله، حتى لا تصبح عرضة لأحد من مرضى النفوس.
“دارى نعمة الجنة في الأرض ورداء الرحمة في الحياة عن أعين الناس خوفاً منهم” كما قال.
5 سنوت مرت على وضعها في تلك الغرفة، قبل أن تتوفى، تاركة خلفها قصة مجتمع لا يرحم.

مقالات مشابهة