المشاهد نت

استغلال الأطفال للتسول في عدن

كفل القانون اليمني الخاص بحقوق الطفل قيام الدولة بحماية ورعاية الأطفال المحتاجين ليكونوا أعضاء منتجين في المجتمع

عدن – فاطمة رشاد

بجولة كالتكس في عدن، جنوب اليمن، عشرات الأطفال يتهافتون على المارة كي يشتروا منهم علب “الفاين” (المناديل) أو الماء، والبعض الآخر يتمسح ويمسك بهم لمنحه مائة ريال بعد أن يستعطفهم بكمية من الأدعية لكي يرأفوا لحاله، وهناك من يحمل بين يديه ورقة نصفها ممزق نتيجة كثرة الاستخدام للتسول بها.

وأما إذا توجهت إلى أحد المساجد أو في مكان يكثر فيه التجمعات، ستجد  أطفالًا دربوا على رمي ورق صغيرة كتبت عليها عبارات تجعل العين تذرف الدموع كي ترأف بحال هؤلاء الأطفال الذين يمارسون أساليب تم التدريب عليها بشكل متقن، كما تقول أم ورد محمد، التي تعمل مشرفة اجتماعية في إحدى مدارس محافظة عدن.

وتتابع حديثها قائلة: “استغلال الأطفال في التسول من أسوأ أساليب العنف الذي يتعرض له الطفل، ولكننا ننزعج من أساليبهم لاستعطاف الناس، فهذا يجعلهم يتعلمون الكذب ويحتالون، وهذه جريمة بحق الطفولة”.

وتناشد أم ورد الجهات المختصة ملاحقة من يستغل هؤلاء الأطفال، قائلة: “لا بد من عمل دورات لكي تتم إعادة تأهيل الأطفال، لأن الكثير منهم قد تعرضوا للأذى النفسي قبل الجسدي بسبب الألفاظ السوقية التي يسمعونها عند نزولهم إلى الشارع واستجداء الناس للمال”.

أساليب مبتكرة

لم تعد الملابس الممزقة الرثة هي فقط التي تلبس لأجل التسول، بل هناك أساليب تطورت مع مرور الزمن. لهذا سنجد أصحاب الهندام المرتب يمد يده طالبًا الإحسان والصدقة، ويستعطف الناس بدموعه وبورقة طبية أصبحت من ضمن هامش أساليب المهنة التي يمارسها المتسولون كل يوم. الإعاقة الجسدية هي الأخرى إحدى أهم وسائل المتسولين في استعطاف قلوب الناس لأجل الاكتساب.

وحسب الأخصائية الاجتماعية فتحية قائد، في حديث لـ”المشاهد”: “تتنوع طرق التسول والأساليب المتبعة فيه حسب المكان والزمان. ومن أبرز أساليب التسول هي كسب تعاطف الناس باستغلال المرض والإعاقة أو تصنعهما لكسب ثقة الناس وإيهامهم من خلال عرض تقارير ووثائق مزيفة، ومحاولة التستر بالهندام المهترئ، وقلة النظافة، وادعاء الجوع والحاجة”.

وتواصل فتحية حديثها قائلة: “ومن أساليب التسول أيضًا استغلال الأطفال بطرق تدفع الناس لتصديقهم وتقديم المساعدة لهم، واستخدام الأدعية والألفاظ التي تدفع الناس لتصديقهم والعطف عليهم ومساعدتهم. إلى جانب التغطية على فعل التسول بادعاء بيع السلع البسيطة على جوانب الطرقات”.

إقرأ أيضاً  وفاة وإصابة 16 شخصًا بحادث مروري في ريمة

وتصنف فتحية التسول إلى أشكال عدة، شارحة كل شكل  قائلة: “يصنف التسول بشكل عام إلى نوعين؛ تسول صريح سلمي بمد اليد فقط وتسول بالإكراه قد يتطور ليصبح سطوًا أو سرقة عند تمادي المتسول في التهديد واستخدام القوة الجسدية”.

هكذا أصبحت أساليب المتسولين هذه الأيام، وبغض النظر عن شبكات التسول العائلية أو المنظمة، فإننا نقف أمام ما يمكن وصفه بأنها “سرقة لأموال الناس بطريقة ما”.

يقول أحد المتسولين في حديث لـ”المشاهد” إن “التسول يعد مهنة نسترزق منها، فأنا لا أعمل بسبب الأوضاع التي نعيشها، لم أكن متسولًا، ولكن الحاجة جعلتني متسولًا”.

حقيقة نقف أمامها خلف كل قصة مع أي متسول ستجد قصة لتسوله، وكذلك بأساليب مبتكرة يختلقونها لأجل مائة أو مائتي ريال.

استغلال الأطفال

عندما تستغل براءة الطفولة في ممارسة عمل يحد من الوصول إلى أحلامها، فالطفلة “ف.ن” التي تبلغ من العمر  عشر سنوات، كانت تجلس أمام مركز للتسوق في عدن، وهي تلف بذراعيها رأسها بين ساقيها، وأمامها مفرش صغير وضع فيه كتيبات صغيرة تبيعها على المارة بـ200 ريال يمني. اضطرت إلى الخروج مع أخواتها لبيع المناديل والكتيبات والمسابح بأسعار زهيدة، لكن عجز والدها الذي أقدم على فكرة النزوح إلى محافظة عدن، وعدم إيجاده عملًا يقتات منه، جعله يفكر في ترك أطفاله في الشارع يتسولون بطريقة “البيع” لاستعطاف المارة بالشراء منهم.

وحسب سلمى علي، مدربة تأهيلية لأطفال الشوارع: “التسول آفة العصر التي ابتلي المجتمع بها، ولعدة أسباب، جعلت هذه الظاهرة تنتشر في المجتمعات، ليس في اليمن فقط، بل في كل العالم، ولكن الأساليب المستخدمة تتطور بشكل مستمر”.

تنص المادة 145 من  القانون اليمني  رقم 45 بشأن حقوق الطفل، على قيام الدولة بحماية ورعاية “الأطفال الأيتام وأطفال الأسر المفككة والأطفال الذين لا يجدون الرعاية ويعيشون على التسول، والقضاء على هذه الظاهرة، ووضع الأطفال المتسولين والمتشردين في دور الرعاية الاجتماعية، وتوجيههم إلى أن يكونوا أعضاء صالحين منتجين في المجتمع”.

مقالات مشابهة