المشاهد نت

«إغلاق الطرق».. المأساة المستمرة في اليمن  

يضطر المواطنون عبور طرق بديلة صعبة وخطرة لبلوغ وجهتهم في ظل استمرار قطع الطرق الرئيسية

تعز – نبيل شايع

كأن اليمنيين لا يكفيهم ما يتجرعونه من قتل وتنكيل وأزمات اقتصادية شعواء عملت على إفقارهم وتجويعهم، فمنذ الأيام الأولى لاندلاع الصراع يتلذذ أمراء الحرب التي ماتزال مستعرة في اليمن، في إغلاق الطرق واصطناع معوقات وحواجز تضاعف من معاناة الإنسان اليمني خلال تنقله من محافظة إلى أخرى. وبات الحديث عن السفر يعني الحديث عن مغامرات محفوفة بمخاطر لا حدود لها، أقصاها القتل وأدناها التعذيب النفسي، فمن يديرون الصراع لا يأبهون بما تؤول إليه انتهاكاتهم بحق اليمنيين.

وعلى الرغم من نفور المجتمع اليمني شمالًا وجنوبًا لما يحدث في طرقاتهم، إلا أن هذا النفور لم يجد صدىً لدى صُناع الحرب، ويتساءل كثيرون: لماذا تستخدم أطراف الحرب الطرق في اليمن  كأداة للصراع؟

تقطيع للأوصال 

في 2015 بدأ مسلحو جماعة الحوثي نهج إغلاق الطرق ضمن استراتيجيتهم العسكرية التوسعية باتجاه شرق وجنوب اليمن. فعند فشلهم في السيطرة على مأرب، شمال شرق اليمن، قاموا بإعلاق طريق “صنعاء- مأرب” البالغ طوله نحو 190 كم، ومنذ ذلك الحين يلجأ المسافرون المغادرون صنعاء أكانوا مواطنين أو سائقي  شاحنات تجارية، إلى المرور في طريق طوله نحو 800 كم، يضم عدّة مناطق في صنعاء ومحافظتي ذمار والبيضاء، حتى الوصول إلى مأرب.والحال كذلك لمن يريد السفر من صنعاء إلى محافظتي تعز وعدن، إذ عمل مسلحو الحوثي على إغلاق الطرق الرسمية المؤدية إلى تعز وعدن، في سبتمبر 2015.

ومن يريد الوصول من صنعاء والمناطق الشمالية إلى مركز محافظة تعز يجب عليه أن يسلك طرقًا وعره بعد أن يصل إلى منطقة الحوبان، شرق تعز. فعقب وصول المواطن إلى الحوبان يضطر إلى أن يصعد في سيارات خاصة رباعية الدفع تقوم بنقله إلى طريق ترابي ضيق يمر من قرى خدير، الأقروض، المسراخ، نجد قسيم، وادي الضباب، ومن ثم إلى المدينة القديمة في تعز. ومن هذا الطريق البديل تمر أيضًا شاحنات الغذاء والدواء إلى تعز.

أما الطريق الإسفلتي العام الرابط بين محافظات: صنعاء- إب- الضالع، فقد تم إغلاقه لأول مرة في أغسطس 2015، بعد أن أجبرت القوات الحكومية مسلحي الحوثي على مغادرة محافظة الضالع، وتم إغلاقه بشكل نهائي في 2018.

ولم يتبقَّ لمن يرغب السفر إلى عدن سوى طريقين  وحيدين باتجاه محافظة تعز؛ الطريق الأول يبدأ من منطقة الحوبان مرورًا بمنطقة ظمران والقبيطة بمحافظة لحج حتى منطقة الفرشة وصولًا إلى مدينة عدن، ويستغرق خمس ساعات. أما الطريق الثاني فيبدأ من الحوبان، شرق تعز وصولًا إلى مركز محافظة تعز عبر طريق بديل ضيق (طريق الأقروض)، جنوب شرق تعز، ومن ثم إلى طريق هيجة العبد، جنوب تعز، ويستغرق هذا الطريق الطويل والشاق أزيد من 8 ساعات، في حين كان المسافر الذي يرغب السفر من تعز إلى عدن عبر طريق  الراهدة والشريجة وكرش والعند، كان عليه أن يقطع تلك المسافة في أقل من ساعة ونصف.

 قتل بالهوية

رصد معد التقرير وجود 64 نقطة أمنية على امتداد طريق السفر من صنعاء إلى عدن، وبين نقطة وأخرى مسافة مائتي متر، وعادة ما يطلب أفراد تلك النقاط من المسافرين بطائقهم الشخصية أو العائلية في حال وجود نساء مسافرات، كما يقوم أفراد تلك النقاط بتوقيف المسافرين المنتمين للسلك العسكري في وزارتي الدفاع والداخلية في الحكومة الشرعية وحكومة الحوثيين، إضافة إلى توقيف المشبه بانتمائهم العائلية لسياسيين وزعماء قبائل منخرطين في النزاع، أو شخصيات مقربة من صحفيين وناشطين حقوقيين، وقد يؤدي ذلك التوقيف في بعض الأحيان إلى الاعتقال.

 كما أن المسافرين الذين لا صلة لهم بأي طرف من أطراف النزاع قد يكونون عرضة للابتزاز والتوقيف. 

 ومن مهام أفراد النقاط الأمنية تفتيش حقائب المسافرين، وفي بعض الأحيان تفتيش جيوبهم وهواتفهم المحمولة، إضافة إلى مهامهم الرئيسية في جمع جبايات من المسافرين وسائقي الحافلات والناقلات التجارية تحت مسميات “الضرائب، الجمارك، حق الصبوح، حق القات”.

وقالت منظمة “سام” للحقوق والحريات، في تقرير صدر عنها مطلع العام الجاري -2022، إن جماعة الحوثي عبر 38 حاجزًا أمنيًا مستحدثًا في سبع محافظات، تمارس الإخفاء القسري خارج إطار القانون والتعذيب وتلفيق اتهامات ومنع إدخال الإمدادات الحيوية وانتهاكات يصاحبها تدليس إعلامي.

وتشير المنظمة إلى أنها “حققت في 52 واقعة مُورست خلال الفترة من يناير 2015 وحتى ديسمبر 2021، تنوع ضحاياها بين تربويين وتجار وموظفين حكوميين ومواطنين ومغتربين وإعلاميين وحقوقيين وسياسيين ومشائخ وعسكريين وضحايا استهداف النوع الاجتماعي كالنساء والأطفال”. 

وبجانب جماعة الحوثي، تمارس بعض الفصائل المحسوبة على الحكومة الشرعية، وكذلك المحسوبة على المجلس الانتقالي الجنوبي، العديد من الانتهاكات.

وعلى الرغم من أن تلك الانتهاكات التي تُمارسها كافة أطراف النزاع الحالي في اليمن، تبدو مزعجة، لكن جرائم القتل تبقى الأشد إيلامًا، ومن أبرز جرائم القتل التي وقعت في النقاط التابعة لمسلحي أطراف النزاع جريمة مقتل شاب رفض دفع إتاوات مالية في نقطة أمنية في لحج في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2018. ومقتل الشاب محمد الملجمي في نقطة تفتيش بمديرية الحد بيافع في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، ومقتل الشاب عبدالملك السنباني في شهر سبتمبر/ أيلول 2021، في منطقة طور الباحة، ومقتل الطبيب عاطف الحرازي في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 في نقطة رشاش بلحج، ومقتل الشاب بشار البعداني في نقطة بمنطقة الحوبان في  ٠٩ أكتوبر/ تشرين الأول 2022، آخر تلك الجرائم كانت في إحدى النقاط الأمنية عند مداخل صنعاء حينها قُتل الشاب أيمن عبدالله المجاهد في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. 

إقرأ أيضاً  قتلى مدنيون بمسيرة حوثية بتعز

هذا من غير وفيات الحوادث المرورية التي تتسبب بها الطرق الضيقة والوعرة، كان آخر ضحايا تلك الحوادث الشاب محمد الشويع الذي توفي في يوليو الماضي جراء انقلاب شاحنته المحملة ببضائع تجارية كان يقودها في طريق الأقروض الرابط بين الحوبان وتعز.

وفي الضفة الأخرى وبالتحديد في محافظة لحج، توفي 42 شخصًا، وأصيب 151 آخرون جراء 22 حادث سير وقعت في طريق هيجة العبد خلال الأعوام 2017-2021، بحسب إحصائية صادرة عن الإدارة العامة لشرطة المرور في مديرية المقاطرة بالمحافظة.

فيما تغيب الإحصائيات الرسمية عن حوادث السير الواقعة في عدد من الطرق البديلة التي تم استحداثها خلال فترة الحرب في المناطق المتنازع عليها بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي.

ضحايا دون إنصاف

تتبادل جماعة الحوثي والمجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية الشرعية الاتهامات حول مسؤولة إغلاق وتقطيع أوصال الطرقات في اليمن، لكن المواطن ماجد القيسي يرى أن تلك الاتهامات والتراشقات لا تعنيه ما لم يتم استرداد حقه من قبل أفراد إحدى النقاط الأمنية في محافظة لحج، حيث يستذكر ماجد خلال حديثه لـ”المشاهد”، كيف تعرض للسرقة من قبل مسلحين يُعتقد بأنهم تابعون للمجلس الانتقالي الجنوبي، بُحجة أنه مشتبه به، حيث عاد إلى مدينة إب التي ينتمي لها مفزوعًا من هول ما حدث له ولعائلته الذين عادوا من رحلة علاجية عبر مطار عدن الدولي. 

مثله، يلفت الشاب “ج.ح”، إلى ما حصل له في نقطة أمنية تابعة لجماعة الحوثي في منطقة الرضمة المحاذية لمحافظة الضالع، حيث تعرض لإخفاء قسري خلال شهرين من قبل مسلحين تابعين لجماعة الحوثي، بسبب رغبته السفر إلى مدينة عدن بهدف قطع جواز سفر، يقول “ج.ج”: “لقد منع الحوثيون عني الاتصالات، وصادروا هاتفي المحمول، وحاولوا إجباري على الاعتراف بأني أعمل لصالح الحكومة الشرعية، وهي التهمة التي لا تمت لي بصلة”.

ويضيف: “كنت أحاول إقناعهم أنني عاطل عن العمل، وأرغب في قطع جواز من أجل السفر إلى السعودية كي أعمل لأعول عائلتي الفقيرة، ولكن دون جدوى”.

حينما يئس الحوثيون من “ج.ح”، أخرجوه من المعتقل السري في منطقة الرضمة، وأجبروه على توقيع تعهد بعدم الالتحاق بصفوف المرتزقة، وهي الصفة التي يُطلقها الحوثيون على مقاتلي الحكومة الشرعية في اليمن.

أداة انتقام

في العام 2018، دشن وسطاء محليون في محافظة تعز نقاشات تمهد لمفاوضات فتح الطرقات والمعابر المغلقة، واستمرت تلك المفاضات حتى العام 2022، ولكن دون جدوى، الأمر ذاته حدث في محافظتي إب والضالع، حيث كثف مسؤولون ونشطاء المبادرات من أجل فتح الطريق الرابط بين المحافظتين للمرور إلى مدينة عدن، كانت آخر تلك المبادرات التي عمل عليها التحالف المدني للسلم والمصالحة الوطنية، لكن مساعيه تعثرت، ونجحت في فتح طريق أخرى فرعية هي طريق “قعطبة – الفاخر- إب”، عن ذلك يقول عبدالمجيد الربادي، وهو عضو في تحالف السلم، إنهم كانوا يتلقون وعودًا من أطراف النزاع بفتح الطريق مراعاة لظروف المواطنين الذين يلاقون الويلات جراء غلاء الأسعار، ويضيف لـ”المشاهد”: “أدركنا بعد جهود حثيثة أن الساسة يستخدمون الطريق كأداة انتقامية للنزاع المسلح تنفيذًا للرغبة في إذلال الطرف الذي تعتقد أنه عدو لها”. 

وفي تعز فشلت كل الوساطات المحلية وتدخلات مسؤولين ووسطاء دوليين وفي الأمم المتحدة من أجل فتح الطرقات والمعابر.

 في 25 مايو/ أيار الفائت شاركت معين العبيدي، وهي ناشطة وتعمل عضوة في المكتب الاستشاري لمبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، في مفاوضات الاتفاق على فتح الطرق في تعز تحت رعاية الأمم المتحدة، لكن تلك المفاوضات تعثرت. وتقول معين متحدثة لـ”المشاهد”: “لا يراعي الساسة الجوانب الإنسانية التي لا تهمهم، حيث إن الناس العاديين والفقراء وعمال المصانع هم الأكثر تضررًا  من استمرار إغلاق الطرقات الرئيسية التي كانت مفتوحة قبيل الحرب في تعز”.

وتختتم حديثها قائلة: “كنا نطالب بفتح الطرقات مرات عديدة، لكننا اكتشفنا أن ملف الطرق مرتبط بجانب سياسي أكثر مما هو جانب إنساني”.

مقالات مشابهة