المشاهد نت

اليمن في 2022… آمال بسلام لم تتحقق بعد

انتهى 2022 بانسداد الجهود السياسية باتجاه حلي سلمي للصراع في اليمن

تعز- مازن فارس

شهد العام 2022 جهودًا دبلوماسية غير مسبوقة، تكللت بحدوث اختراق بارز في جدار الأزمة اليمنية المستمرة منذ ثمانية أعوام، على الرغم من التصعيد الذي سيطر على المشهد العام خلال الربع الأول من العام، بين أطراف الصراع.

وبدأ العام بتصعيد عسكري بين القوات الحكومية والتحالف العربي من جهة وجماعة الحوثي (أنصار الله) من جهة أخرى؛ وصل ذروته منتصف يناير/ كانون الثاني وأواخر مارس/ آذار، عندما شنت الجماعة هجمات غير معهودة بالصواريخ والطائرات المُسيرة على الإمارات والسعودية، بالتزامن مع معارك جرت في محافظتي شبوة ومـأرب اليمنيتين.

تمكنت الجهود الدبلوماسية الأممية والدولية والإقليمية من النجاح في الضغط على أطراف الصراع بالتهدئة تمهيدًا لمجريات غيّرت المشهد السياسي للمرة الأولى منذ بدء الأزمة التي تصفها الأمم المتحدة بأنها “الأسواء في العالم حاليًا”.

هدنة مؤقتة

استهل المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، العام، بإطلاق مشاورات متعددة المسارات، ضمن جولة سمّاها “مشاورات إطار العمل“، بدأت في السابع من مارس/ آذار، بمشاركة أكثر من 100 يمني ويمنية من الأحزاب السياسية وقطاعي الأمن والاقتصاد ومنظمات المجتمع المدني، واستمرت ثلاثة أشهر، في العاصمة الأردنية عَمّان.

ركزت المشاورات على تحديد الأولويات العاجلة وطويلة الأجل للمسارات السياسية والأمنية والاقتصادية، بهدف تطوير إطار العمل الخاص بالمبعوث الأممي لتحديد عملية جامعة متعددة المسارات تتعامل مع الاحتياجات العاجلة والقضايا طويلة الأجل المطلوبة لإحراز توصل إلى تسوية سياسية.

فيديوجراف التسلسل الزمني لأبرز التطورات السياسية خلال 2022

بالتوازي مع تلك التحركات، قاد غروندبرغ حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا، وأجرى جولات عديدة في المنطقة، عقد خلالها مباحثات متعددة في صنعاء، عدن، سلطنة عُمان، السعودية، إيران والولايات المتحدة، بهدف خفض التصعيد ودفع الأطراف نحو التسوية الجامعة لإنهاء الحرب.

تكللت جهود المبعوث الأممي بإعلانه، في الأول من أبريل/ نيسان، موافقة الحكومة والحوثيين على هدنة إنسانية لمدة شهرين قابلة للتمديد، وتضمنت الهدنة أربعة بنود: “وقف العمليات العسكرية، والسماح بدخول سفن المشتقات النفطية إلى موانئ الحديدة، وتشغيل رحلتين جويتين تجاريتين أسبوعيًا إلى صنعاء ومنها إلى الأردن ومصر، بالإضافة إلى عقد اجتماعات بين الطرفين للاتفاق على فتح طرق في تعز وغيرها من المحافظات”.

صمدت الهدنة لمدة ستة أشهر بعد أن تمّ تجديدها مرتين، وأسهمت إلى حد كبير في خفض مستويات العنف، وتقليل أعداد الضحايا بين المدنيين، وسهلت إعادة فتح مطار صنعاء، غير أن البند الخاص بفتح طرق مدينة تعز ومحافظات أخرى بقي عالقًا لم يُحل حتى الآن عقب “رفض الحوثيين عدة مقترحات، من بينها مقترح محدثًا للمبعوث الأممي حول فتح الطرق على مراحل”، بحسب إحاطة غروندبرغ لمجلس الأمن.

في سبتمبر/ أيلول، قام المبعوث الأممي بعدة جولات في عدن وصنعاء والرياض ومسقط لحشد الدعم اللازم لإقناع الأطراف بمقترح جديد لتمديد الهدنة مدة ستة أشهر إضافية، وتوسيع نطاقها لدفع رواتب موظفي القطاع العام، وإعادة فتح الطرق، وزيادة عدد وجهات الرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء، والتدفق المنتظم للوقود عبر موانئ الحديدة، والإفراج العاجل عن المحتجزين.

لم تُكلل تلك المساعي بالنجاح بعد أن وصلت إلى طريق مسدود؛ بسبب تقديم جماعة الحوثي مطالب بإدراج الأفراد العسكريين والأمنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم في لائحة الرواتب التي يتعيّن على الحكومة سدادها، في خطوة وصفها مجلس الأمن في بيان له بـ”المطالب المتطرفة”، متهمًا الجماعة بإعاقة “جهود الأمم المتحدة للتوسط في الاتفاق”.

مجلس رئاسي

مثَّل إعلان تشكيل مجلس رئاسي في المعسكر المناهض للحوثيين حدثًا سياسيًا بارزَا في اليمن خلال العام 2022؛ إذ أعلن الرئيس اليمني السابق، عبد ربه منصور هادي، في السابع من أبريل/ نيسان، نقل كافة سلطاته الرئاسية لمجلس قيادة رئاسي جديد برئاسة رشاد العليمي وسبعة أعضاء، جميعهم بصلاحيات نائب الرئيس، حسب بيان إعلان نقل السلطة.

جاء إعلان تشكيل المجلس ضمن مخرجات مشاورات رعاها مجلس التعاون الخليجي في الرياض، حضرتها مكونات يمنية مختلفة، وغاب عنها الحوثيون الذين رفضوا الحضور واشترطوا أن تكون المحادثات في “دولة محايدة”.

ويتولى مجلس القيادة الرئاسي إدارة “الدولة سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا طوال المرحلة الانتقالية”، وفق قرار نقل السلطة الذي نص أيضًا على تكليف المجلس بـ”التفاوض مع الحوثيين لوقف إطلاق نار دائم في كافة أنحاء الجمهورية، والجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي نهائي”.

أفرزت هذه الخطوة، التي جاءت في وقت يشهد البلد وقف إطلاق النار، آمالًا بأن تؤدي إلى مفاوضات لإنهاء النزاع، لكنها تبددت بعد تعثر جهود تمديد الهدنة وبروز مؤشرات سلبية تنذر بالعودة إلى نقطة الصفر.

إقرأ أيضاً  وفاة فتاتين غرقًا في سد مأرب

عودة التصعيد

في أكتوبر/ تشرين الأول، بدأت جماعة الحوثي تنفيذ إجراءات تصعيدية مثلت تحديًا جديدًا لعملية السلام؛ حيث نفذت الجماعة هجمات على موانئ نفطية في محافظتي شبوة وحضرموت الخاضعتين لسيطرة الحكومة ما أدى إلى توقف صادرات النفط؛ بالمقابل ردّ المجلس الرئاسي بتصنيف الحوثيين كمنظمة “إرهابية”.

وقد تؤدي هذه الإجراءات الناتجة عن تلك الخطوات التصعيدية إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والإنساني، وتُهدد الهدوء النسبي الذي شهدته جبهات القتال خلال أشهر سريان الهدنة، بحسب الصحافي هشام المحيا، مضيفًا لـ”المشاهد“: “تلك الإجراءات قد تسهم في تعقيد الجهود المبذولة لتمديد الهدنة، وعرقلة المساعي السياسية لدفع الأطراف للجلوس على طاولة المفاوضات”.

حراك دبلوماسي

خلال الأشهر الثلاثة التي أعقبت انتهاء الهدنة، استمرت الجهود الدبلوماسية الأممية والأمريكية، لكن دون إحراز تقدم يُذكر، حيث قام المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيموثي ليندركينغ، بثلاث جولات في المنطقة شملت سلطنة عُمان، السعودية والإمارات، كلها رمت إلى البحث في سبل حل أزمة اليمن.

المبعوث الأممي هو الآخر قام بزيارات متعددة إلى الرياض ومسقط، عقد فيها اجتماعات وصفها بـ”البنّاءة” مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، ومسؤولين عُمانيين وسعوديين، بالإضافة إلى دبلوماسيين من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وركّزت تلك الاجتماعات على سُبل تجديد الهدنة، والعمل على إحراز تقدم للعملية السياسية في اليمن على وجه السرعة.

ومنذ مطلع ديسمبر/ كانون الأول، توقفت مساعي المبعوثين الأمريكي والأممي، فيما تواصلت الجهود الإقليمية بهدف الدفع باتجاه العودة إلى المسار السياسي وحل مشكلة الخلاف بشأن المرتبات. ففي الـ21 من الشهر ذاته، وصل وفد عُماني إلى صنعاء برفقة رئيس الوفد المفاوض في جماعة الحوثي وناطقها الرسمي، محمد عبدالسلام، والتقى خلالها زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي ومسؤولين آخرين.

غادر الوفد بعد أربعة أيام، عقد خلالها لقاءات وصفها عبدالسلام بأنها “مثمرة”، وقُدم فيها “تصورات للأفكار المطروحة في المفاوضات”، مؤكدًا، في تصريح نقله موقع “المسيرة نت” التابع للجماعة، أن وفد جماعته المفاوض أجرى منذ انتهاء الهدنة “لقاءات مباشرة” مع السعوديين والأمم المتحدة في مسقط.

تأتي التحركات العُمانية مع تداول تقارير تتحدث عن وجود محادثات بين السعودية والحوثيين عبر قنوات تواصل سرية.

وكانت جماعة الحوثي كشفت، في وقت سابق من الشهر، عن وجود اتصالات مع التحالف من أجل “وقف العدوان ورفع الحصار”، بحسب بيان للمجلس السياسي الأعلى للجماعة، نشر في 19 ديسمبر، دون أن يتطرق إلى تفاصيل تلك الاتصالات وطبيعتها.

وفي الأيام الأخيرة من العام 2022، دخلت إيران على خط الحراك الدبلوماسي بشأن تمديد الهدنة في اليمن؛ إذ وصل وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، إلى سلطنة عُمان، لبحث العديد من القضايا الدولية والإقليمية بينها اليمن، والتقى عبداللهيان رئيس وفد الحوثيين الذي يقيم في مسقط منذ سنوات، وقال إن بلاده “تؤكد دائمًا على ضرورة التوصل إلى حل سلمي للأزمة اليمنية، وتعتبر الحوار السياسي بين اليمنيين شأنًا داخليًا لهذا البلد”.

سيناريوهات محتملة

يرى الباحث عبدالسلام محمد، رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث (يمني غير حكومي)، أن عام 2022 شهد “حالة مُرَاوحة ما بين الحرب والهدنة، وهذا أثار كثيرًا من الإشكاليات لدى الحكومة والحوثيين”.

ويتوقع محمد، في سياق حديثه لـ”المشاهد“، استمرار سيناريو الحرب خلال العام المقبل 2023، و”حدوث حالة ثورة شعبية على كل الاتجاهات تذهب باليمن ربما إلى تعقيدات أكثر”.

ويقول إن “الحوثي وإيران سيندفعان لتفجير الوضع لأسباب داخلية”، مُوضحًا أن وضع الثورة والانتفاضات الداخلية في إيران “قد يدفعها لتفجير الوضع العسكري في المنطقة، وتجد اليمن الورقة الرابحة بالنسبة لها لتهديد السعودية والخليج التي تتهمها بالوقوف وراء هذه الانتفاضة”.

بحسب الباحث عبدالسلام، فإن “الحوثيين وجدوا في الهدنة حالة تفرغ من قبل اليمنيين لنقد فسادهم، لذلك سيهربون لحالة الحرب هروبًا من الغليان الشعبي الذي قد يؤدي إلى ثورة، ويقمعون المخالفين لهم تحت إطار الحرب”.

وينتهي العام 2022 بمشهد قاتم وانسداد الأفق بتحقيق السلام وسط تساؤلات عن مدى إمكانية الجهود الدولية والإقليمية في التوصل إلى حل سياسي قريب خلال العام المقبل.

مقالات مشابهة