المشاهد نت

في اليوم العالمي للتعليم ..مقعد “رحمة” لا يجلس فيه أحد

توفيت الطفلة رحمة في أكتوبر 2021 بتعز بلغم أرضي-اليوم العالمي للتعليم

تعز- آية خالد

” أجلس بالكرسي ومخليش حد يجلس مكان رحمة لإني حاسس إنه بيجي يوم وتجي، هي مماتتش(لم تمت)”. لم تستوعب لمياء (سبع سنوات) بعد أن صديقتها رحمة ماتت في أكتوبر 2021 بلُغم أرضي أثناء عودتها من المدرسة.

تسكن لمياء مع أسرتها في أحد أرياف تعز، وتقطع يوميًا مع صديقاتها مسافة طويلة للوصول للمدرسة، بعد أن قُصفت المدرسة الموجودة في قريتهم.

لا تزال لمياء  مهتمة بزميلتها رحمة التي فارقت الحياة بلغم أرضي. ففل كل صباح مدرسي تحضر لمياء أشياء زميلتها  حتى حقيبتها تُحضرها معها يوميًا، وتضعها بالمقعد المجاور لها، وأيام الامتحانات تطلب ورقتين ورقة لها وورقة لرحمة، هكذا أفادت مربية الفصل الذي تدرس فيه لمياء.

لم تتجاوز لمياء صدمة موت صديقتها رغم أنه مر على هذه الحادثة قرابة سنة، إلا أنها تحفظ تفاصيلها بدقة، وما زالت تُجلب معها سندويتشين وتعمل حساب رحمة بكل شيء كما لو أنها ستأتي مرة أخرى، حسب مربية الفصل الذي تدرس فيه لمياء.

لمياء ليست الطفلة الوحيدة التي  تعاني آثار الصدمة بسبب الصراع القائم في اليمن. “فمن الممكن أن يصل عدد الأطفال الذين يعانون من الاضطرابات التي تلحق تعليمهم إلى ستة ملايين طالب وطالبة، وهو ما سيكون له تبعات هائلة عليهم على المدى البعيد.” حسب منظمة اليونيسيف.

الوضع الأمني يقلق كثير من الأهالي، والطلاب، فالقصف العشوائي على بعض المدن كتعز، والاستهداف المباشر للأطفال بشتى الطرق، إما بقصف المدارس أو لحظة خروج الطلاب من المدارس، أثار الهلع في قلوب الطلاب  وعزوف الطلاب عن الذهاب للمدارس خوفًا من القصف.

وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) على موقعها الألكتروني أن “النزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء البلاد وتجزئة نظام التعليم شبه المنهار أصلاً  كان له تأثيراً بالغًا على التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية لكافة الأطفال في سن الدراسة البالغ عددهم 10,6 مليون طالب وطالبة في اليمن.”

فقد دمرت الحرب نحو ثلاثة الآف مدرسة (أي واحدة على الأقل من كل أربع مدارس)، أو تضررت جزئيا أو تم استخدامها لأغراض عير تعليمية، حسب اليونيسف. كما أن نحو ثلثي العاملين في التعليم (نحو 172ألف) لا يتقاضون رواتبهم بشكل منتظم منذ 2016 أو أنهم انقطعوا عن العمل للعمل في مهن أخرى لتأمين معيشتهم، تقول اليونيسف.

تأثير الصراع على التحصيل العلمي

من جهته تحدث عبد الله نعمان للمشاهد، وهو ولي أمر لثلاثة طلاب في مراحل دراسية مختلفة، أن أطفاله حتى اليوم بعد 5 سنوات نزوح من مدينتهم الأساسية لمحافظة أخرى لم يتأقلموا مع المدارس التي انتقلوا إليها، وهذا أثر على مستوى تحصيلهم الدراسي، ونفسيتهم”.

وتقول الإخصائية الاجتماعية ،مريم القباطي في حديث للمشاهد أن النزوح والتنقل للأطفال في المراحل العمرية المتوسطة يسبب لهم مشاكل واضطرابات عديدة، تؤثر سلبًا على استقرارهم النفسي والأسري، والاجتماعي وبتشكيل صداقات جديدة في مدارسهم الجديدة، وهذا يؤثر على مستواهم الدراسي ويدخلهم بأزمات متعددة”.

وترى دنيا الهلالي،  وكيلة مدرسة الميثاق في مديرية المظفر بتعز “أن ظروف الحرب أثرت سلبًا على العملية التعليمية، ولطالما واجهتنا مشكلات ومعضلات منذ بدء الحرب وهذه اللحظة، ثمة أطفال انقطعوا عن التعليم بسبب أن المدرسة تبعد عن السكن وعامل الخوف من أي طارئ يستجد الموقف وبسبب النزوح إلى الريف وبعد المدارس أيضًا عن قراهم التي نزحوا إليها”.

إقرأ أيضاً  خلال أبريل.. 370 شخصًا ضحايا الحوادث المرورية

التعليم في خطوط التماس

وتضيف الهلالي: ” هناك أيضًا مدارس ما تزال تعمل في خطوط التماس أو بالقرب منها كالمدرسة التي أعمل فيها أنا ولطالما واجهتنا لحظات عصيبة إذا ما حدثت أي اشتباكات أو تبادل للنار بالأسلحة الثقيلة أحيانًا كثيرة”.

” نخاف نروح المدرسة ليحصل ضرب ما نقدرش نروح البيوت” هكذا بررت سالي مروان (13 عام) في مديرية المظفر بتعز) الوضع بعد أن فضلت أسرتها إبقاءها  في البيت والدراسة عن بعد؛ نتيجة للوضع الأمني غير المستقر في تعز، فتقول ” تحصل اشتباكات ولا قذيفة تجي، والله لنموت خوف ويموتوا أمي وأبي علينا من الرعب”.

وتروي موقف تعرضت له هي وأخواتها قبل عام حينما كان هناك اشتباكات وتم قطع الطريق ولم تستطع العودة لمنزلهن، وذهبن لمنزل صديقتهن، ارتفع ضغط والدتها وظلت طريحة الفراش لأسابيع طويلة بعدها، وبعدها قرروا ألا يذهبن للمدرسة مجددًا، حسب قولها.

التعليم أساس السلام

تقول منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) أن” التعليم حق من حقوقو الإنسان، منفعة عامة ومسئولية عامة.” وقد قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان 24 يناير/كانون الثاني يوما دوليا للتعليم “احتفاءا بدور التعليم في تحقيق السلام والتنمية.”

وتقول اليونسكو بهذه المناسبة لهذا العام “لن تنجح البلدان في تحقيق المساواة بين الجنسين وكسر دائرة الفقر التي تتسبب في تخلُّف ملايين الأطفال والشباب والكبار عن الركْب، من دون ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع،”

ونقل موقع الأمم المتحدة عن الأمين العام للمنظمة، أنطونيو غوتيريش “يدعو يوم هذا العام إلى الحفاظ على تعبئة سياسية قوية حول التعليم ورسم الطريق لترجمة الالتزامات والمبادرات العالمية إلى أفعال. يجب إعطاء الأولوية للتعليم لتسريع التقدم نحو تحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة على خلفية الركود العالمي وتزايد عدم المساواة وأزمة المناخ.”

ظروف قاهرة

تقول  غدير طيرة ، وهي صحفية ومنتجة حملات تأثير، ,وأحد منظمي حملة “التعليم أولا” التي يقودها شباب على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن” الحرب جعلت العديد من الأسر تتعايش مع استمرار الأوضاع السيئة التي يحملونها على عاتقهم بالإضافة للأضرار التي ألحقتها الحرب بالطلاب و عزوف الأطفال عن الذهاب الى المدرسة “.

وتُرجح طيرة هذا العزوف إلى أسباب عديدة تُلخصهن قائلة ” خوف أهالي الاطفال على أطفالهم من الأوضاع الامنية ومنهم أيضًا من تركوا مقاعدهم الدراسية بسبب تدني الوضع الإقتصادي لأسرهم لينتقلوا من أروقة المدرسة إلى أرصفة الشوارع وهذه أمثلة قليلة فقط بخلاف الأسباب الأخرى مثل النزوح، والطرق المغلقة التي تجعل الطلبة في اليمن يتحملون أعباء أوضاع لا يستحقون أن يعيشونها “.

وتشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إلى أن نحو مليوني طفل في اليمن خارج المدارس وأن النزوح  المتكرر،والسلامة والأمن، بما في ذلك مخاطر المتفجرات تحد من فرص التعليم للأطفال.

مقالات مشابهة