المشاهد نت

أبعاد وتداعيات هجمات الحوثيين على إسرائيل

عدن-مازن فارس

مجددًا، هددت جماعة الحوثي (أنصار الله) بتنفيذ المزيد من الهجمات ضد إسرائيل بالتزامن مع استمرار الحرب في مدينة غزة الفلسطينية.

في خطاب حماسي، ظهر زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، متوعدًا باستهداف السفن الإسرائيلية التي قد تمرّ في البحر الأحمر. وهذا أحدث تهديد للحوثي منذ انخراط جماعته في المعركة إلى جانب حماس وفصائل فلسطينية ضد إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وقال الحوثي – الذي ارتدى كعادته الزي التقليدي اليمني – في كلمة ألقاها خلال إحياء ما تسميه الجماعة ـ”يوم الشهيد”، إن “عيوننا مفتوحة للرصد الدائم والبحث عن أي سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر وباب المندب تحديدًا وما يحاذي المياه الإقليمية اليمنية”.

بلهجة تحمل نبرة تحد، أضاف: “سنظفر بسفن العدو الإسرائيلي في البحر الأحمر وسننكل بهم، وفي أي مستوى تناله أيدينا لن نتردد في استهدافه وليعرف بهذا كل العالم”.

في أعقاب هذا الخطاب، أعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع في ببان، عن إطلاق صواريخ وطائرات نحو جنوب إسرائيل. وهذا هو الإعلان الخامس للحوثيين الشهر الماضي؛ بشأن استهدافهم إسرائيل التي تبعد عن اليمن حوالي ألفي كيلومتر.

وتوعد سريع، بالمزيد من هذه الهجمات في المستقبل “حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي في غزة”، حد تعبيره.

وبعد هذا التهديد بيوم واحد؛ قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في بيان إن طاقم السفينة يو إس إس توماس هادنر أسقط طائرة مسيرة كانت قادمة من اليمن ومتجهة نحو السفينة في مياه البحر الأحمر.

كانت هجمات الحوثيين بدأت بعد أيام على اندلاع الحرب في غزة، وكانت أهمها في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما أعلن البنتاغون أن المدمرة الصاروخية الأمريكية (يو إس إس كارني) الموجودة في البحر الأحمر، اعترضت صواريخ كروز وطائرات مسيّرة، أُطلقت من اليمن يحتمل أنها كانت موجهة إلى “أهداف في إسرائيل”.

وفي جميع المرات تقريبًا، اعترضت إسرائيل والمدمرة الأمريكية في البحر الأحمر عدة طائرات انتحارية وصواريخ باليستية أطلقها الحوثيون باتجاه إسرائيل. كان آخرها في التاسع من الشهر الحالي، عندما أعلن الجيش الإسرائيلي أن منظومة “آرو” الدفاعية اعترضت صاروخ “أرض-أرض” أطلق “على ما يبدو” من اليمن تجاه مدينة إيلات على ساحل البحر الأحمر. وهذه المنظومة مخصصة لاعتراض الصواريخ الباليستية طويلة المدى خارج الغلاف الجوي، وللمرة الثالثة يستخدمها الجيش الإسرائيلي لاعتراض صواريخ قال إنها أطلقت من البحر الأحمر.

إبراهيم جلال، الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط، أربعة دوافع داخلية وراء هذه الهجمات تتمثل في “صرف الاستياء المتزايد من حكمهم والاستفادة من التصعيد المستمر لتعزيز دعمهم الشعبي الضعيف في اليمن وخارجه ورفع الروح المعنوية بين مقاتليهم والمتعاطفين معهم على المدى القصير وزيادة النفوذ في محادثات مع السعودية”.

وانضم الحوثيون إلى هذه الحرب عقب تحذيرات أطلقتها إيران بأن حرب غزة قد تؤدي إلى “فتح جبهات جديدة” ويبدو أن هذا ما حدث بالفعل، وبرهنته هجمات ما يسمى بـ”محور المقاومة” على إسرائيل. ويضم المحور الذي يُطلق عليه أيضًا تسمية “محور الممانعة” كلًا من حزب الله جنوب لبنان وجماعة الحوثي في اليمن إلى جانب فصائل أخرى في سوريا والعراق، وجميعها تحظى بدعم من طهران.

حجم التهديد على إسرائيل 

عند مناقشة حجم التهديد الذي يشكله الحوثيين على تل أبيب، يمكننا أن نتطرق إلى القدرات العسكرية التي يمتلكونها ونوعيتها ومداها وما إذا هي فعلًا تشكل تهديدًا حقيقًا لإسرائيل. ويزعم الحوثيون أنهم يمتلكون صواريخ وطائرات تكفي لوضع إسرائيل في نطاق الاستهداف. وتبلغ المسافة بين اليمن وإسرائيل، التي تفصلهما السعودية، ما يزيد عن ألفي كيلومترًا.

وبالنظر إلى الهجمات الأخيرة للحوثيين نجد أن غالبيتها وصلت إلى ميناء إيلات جنوبي إسرائيل، وتتطلب هذه الهجمات أن تقطع الصواريخ والطائرات المُسيرة مسافة تزيد عن 1600 كيلو متر شمالاً من اليمن، وهذا يعتمد على موقع الهدف.

خريطة جوجل إيرث تظهر المسافة بين اليمن وإسرائيل – إعداد: مازن فارس

يشير “مركز المعلومات حول الاستخبارات والإرهاب على اسم اللواء مئير عميت” إلى أن الحوثيين يمتلكون صواريخ كروز بعيدة المدى من طراز “قدس” وتتوافر أربع نسخ من هذه الصواريخ. ويتراوح مدى صواريخ “قدس 3″ و”قدس 4” من 1300كيلومتر إلى ألفي كيلومتر- ويمكنها بشكل فعال إصابة أهداف في إسرائيل. 

كما يمتلك الحوثيون صواريخ من طراز “طوفان” و”ذو الفقار” ويتجاوز مداهما 1900 كيلو متر، بالإضافة طائرات دون طيار قد تكون فعالة وتصل إلى إسرائيل، مثل: صماد 3 وصماد 4 التي يصل مداهما إلى ألفي كيلومتر، وطائرة وعيد2 التي يصل مداها إلى 2500 كيلومتر.

إقرأ أيضاً  مطالبات بإخراج مخازن الأسلحة من المناطق السكنية بمأرب

وسبق أن أعلن الحوثيون استخدام طائرة صماد 3 وصاروخ ذو الفقار لاستهداف العاصمة الإماراتية أبوظبي في يناير/كانون الثاني 2022. وآنذاك، أصاب الهجوم منشأة نفطية في منطقة المصفح بأبوظبي وأسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ستة آخرين.

أما صاروخ طوفان فتم الكشف عنه للمرة الأولى في عرض عسكري للحوثيين أواخر سبتمبر/أيلول الماضي. ويعمل الصاروخ بالوقود السائل ويبلغ طوله نحو 16 مترا وعرضه نحو متر ونصف؛ كما يشبه في تصميمه صواريخ “قدر” الإيرانية، بحسب المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية.

انفوجرافيك يوضح قدرات الحوثيين الهجومية لاستهداف إسرائيل – إعداد مازن فارس

دلالات وأبعاد

لهجمات الحوثيين على إسرائيل دلالات “وأبعاد سياسية أكثر من كونها ذات جدوى عسكرية”، بحسب الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، علي الذهب، الذي يصف الهجمات بأنها “تصعيد خطير وقد بدأت ملامح انعكاساته على اليمن تتشكل بتزايد نشاط البحرية الإسرائيلية في البحر الأحمر وقبالة سواحل البلاد”.

وتَعتبر تل أبيب البحر الأحمر جبهة جديدة لحربها مع حماس وفصائل فلسطينية أخرى، إذ نشرت في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، سفينة صواريخ من طراز “سار” في ميناء إيلات.

باعتقاد الذهب فإن “الحوثيين لو كانوا جادين في مواجهة إسرائيل لبادروا إلى مواجهة هذه السفن التي هي تمثل لهم هدفًا مشروعًا وفي نفس الوقت هدفًا قريبًا عوضًا عن أن يذهبوا بصواريخ بعيدة أو متوسطة المدى تسقط قبل الوصول إلى أهدافها”.

كثيرًا ما تهدد جماعة الحوثي في شعاراتها وخطابات زعيمها عبدالملك الحوثي، بمهاجمة إسرائيل، لكنها في الواقع بدت غير مهتمة بهذا الأمر؛ إذ ركزت خلال ما يزيد عن عقد ونصف على حربها مع الحكومة اليمنية التي انتهت في 2010 قبل أن تعلن انقلابها على سلطة الرئيس السابق عبدربه منصور هادي أواخر 2014 وسيطرتها على أجزاء واسعة من البلاد. 

وعلى إثر هذه الخطوة اندلعت الحرب بين الجماعة والحكومة المعترف بها دوليًا مدعومة بتحالف عربي بقيادة السعودية. وتوقف القتال بشكل نسبي بفعل هدنة أممية توصل لها أطراف الحرب العام المنصرم.

من منظورٍ عسكري، لا يمكن اعتبار أيَ من الهجمات التي شنّها الحوثيون على إسرائيل “ذات أثر فعّال” وفق الذهب، الذي يشير إلى أن تأثير هذا التصعيد مرهون بطبيعة الاستجابة الإسرائيلية وحدودها مع مستوى الأحداث في غزة.

ويوضح “إذا توقفت الأحداث في غزة فإن ردود الأفعال لن تزيد عما هو الآن بوصول السفن إلى البحر الأحمر وإذا تصاعدت الأحداث أكثر من اللازم فإن العملية ستطول وستتعرض هذه السفن لهجمات وستتعدد مصادر التهديد التي تثير العنف والشواغل الأمنية في البحر الأحمر ولن يقتصر ذلك على الحوثيين”.

ومع الأحداث الأخيرة أصبح البحر الأحمر محط أنظار العالم، وسط مخاوف من تأثر هذا الممر المائي والدولي من الحرب الدائرة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية؛ لا سيما في ظل استمرار تهديدات الحوثيين باستهداف السفن الإسرائيلية في البحر.

وتطل ثمان دول على البحر الأحمر، هي: مصر واليمن والسعودية والأردن والصومال والسودان وجيبوتي وفلسطين المحتلة  التي تديرها إسرائيل. ويعد من أهم الممرات البحرية الحيوية في العالم اقتصاديًا وعسكريًا وأمنيًا نظرًا لموقعه الجغرافي الاستراتيجي الذي يمثل حلقة وصل بين الشرق والغرب.

تبعات داخلية

أما بالنسبة للانعكاسات الداخلية لهجمات جماعة الحوثي، يرى الذهب في سياق حديثه لـ”المشاهد”، أن الجماعة ستجد من هذه الأحداث بابًا للتنصل من اتفاق الهدنة لأنها “إذا عاودت هذه الهجمات وأطلقت هذه الصواريخ ربما قد تسقط في أرض سعودية وتمثل خرقا للهدنة”.

كما رجّح عودة الصراع محليًا، ويُفسر ذلك بأنه “في حال تعرضت مناطق نفوذ الحوثيين لهجمات عنيفة ستفسر أنها ليست أمريكية أو إسرائيلية وقد تكون من مصادر محلية داخلية وبالتالي سيقوم الحوثيون وفق هذا التفسير بإطلاق صواريخ أو طائرات مسيرة  غير مأهولة على مناطق تابعة للحكومة المعترف بها دوليا وهنا قد يقوم الصراع الداخلي”.

وفي هذا الجانب، يطرح إبراهيم جلال، الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط، أربعة دوافع داخلية وراء هذه الهجمات تتمثل في “صرف الاستياء المتزايد من حكمهم والاستفادة من التصعيد المستمر لتعزيز دعمهم الشعبي الضعيف في اليمن وخارجه ورفع الروح المعنوية بين مقاتليهم والمتعاطفين معهم على المدى القصير وزيادة النفوذ في محادثات مع السعودية”.

ومنذ أبريل/نيسان 2022 يشهد اليمن هدوءً هو الأطول منذ بدء الحرب قبل ثمانية أعوام، بعد توصل أطراف الصراع إلى هدنة مؤقتة برعاية أممية؛ تلتها مساعي سياسية بوساطة عُمانية تكللت في سبتمبر/أيلول الماضي بعقد مفاوضات علنية مباشرة لأول مرة بين الحوثيين ومسؤولين سعوديين في الرياض.

مقالات مشابهة