المشاهد نت

التجارة بآثار اليمن بالجملة والتجزئة

تعز- محمد النمر 

تعرضت الآثار اليمنية منذ اندلاع الحرب قبل تسع سنوات إلى السرقة والنهب والتهريب، وانحسرت الجهود الحكومية في الحفاظ على القطع الأثرية التاريخية في العديد من المحافظات اليمنية.

جاءت الحرب لتعطي البيئة المناسبة لمهربي الآثار الذي استطاعوا بيع العديد من القطع الأثرية خلال السنوات، وأصبحت آثار اليمن تباع بالمزاد في العديد من المدن الأجنبية. 

الباحث في مجال الآثار عبد الله المحسن يعمل منذ سنوات في تتبع وتوثيق القطع الأثرية اليمنية، ويكرس الكثير من وقته في نشر المعلومات وتوعية المجتمع بمخاطر تهريب الآثار، ويؤكد أن تهريب القطع الأثرية هو بمثابة تفريغ البلد من إرثه الثقافي والديني والإنساني. 

في حوار خاص مع «المشاهد»، يتحدث المحسن عن أسباب تزايد تهريب الآثار، والجهات التي تعمل على تسهيل عملية التهريب، والقطع الأثرية اليمنية التي تم بيعها خارج اليمن، والحلول الممكنة للتعامل مع هذه المشكلة. 

في البداية، كيف ترى وضع الآثار منذ بدء الحرب في اليمن؟ 

تعرضت الكثير من المواقع الأثرية والمتاحف للقصف والتخريب والنبش والحفر العشوائي غير القانوني والنهب، وهذا أمر مأساوي.

وقام تجار الحروب وعصابات الآثار بتجميع الآثار في منازل وأحواش وهناجر وبيعها بالجملة والتجزئة، مثل أي سلعة من السلع، وتطور تسويقهم، حيث يطبعون كتيبات، وصورا ترسل إلى الخارج لسماسرة الآثار  للنظر فيها، والعمل على ابتكار طرق لتهريبها إلى الخارج  وبيعها.

أما في الخارج، تكتظ المزادات بالقطع الأثرية اليمنية التي تباع، وبسبب ذلك، نفقد جزءاً غالياً ومهماً من تاريخ اليمن العريق.

ما هي الأسباب التي سهلت تهريب الآثار من اليمن؟ 

الفوضى الناتجة عن الحرب، وغياب الدولة، والاستقطابات السياسية هي من سهلت وضع هذه الآثار كسلعة في أيدي المهربين، أضف إلى ذلك الجشع وتردي الأوضاع الاقتصادية، وانعدام الوعي المجتمعي والحكومي بقيمة الآثار التي تعد جزءا من تاريخ البلد وهويته الوطنية. 

من وجهة نظرك، من المسؤول عن تهريب الآثار اليمنية؟

هي أيادٍ ظاهرة، لكن لا يرغب أحد بالحديث عنها أو إيقافها عند حدها بسبب النفوذ الذي تملكه والسطوة التي تمارسها، والعلاقات التي تحميها في ذات الوقت من أي مساءلة قانونية.

إلى جانب ذلك، لا يوجد قانون آثار حقيقي يضمن حماية هذه الآثار، فالقانون الحالي، من وجهة نظري، هو قانون تشجيع تهريب الآثار، وليس قانوناً لحمايتها.

ما هي المحافظات التي توجد فيها الآثار وكيف يتمكن المهربون من تهريبها إلى خارج اليمن؟

تكون أغلب الآثار المهربة من محافظتي الجوف وشبوة، ثم بقية المحافظات.

وشهدت محافظة صنعاء في العام 2023  أكبر عدد من حالات التعدي على مواقع أثرية أو محتملة. أما فيما يخص طريقة التهريب، في الغالب يكون التهريب عبر البر ثم الجو. أفادتنا مصادر في المنافذ البحرية بأن التهريب عبر الموانئ ازداد في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ.

أما بالنسبة للتهريب عبر المطارات، أكد لي وزير خارجية سابق بأن عددًا من السفراء أبلغوه بعد متابعتهم لقضايا آثار في الخارج بأنهم وجدوا أن الكثير من القطع الأثرية اليمنية قُدمت كهدايا من مسئولين يمنيين لأجانب. وساهم التسيب في إصدار الجوازات الدبلوماسية قبل وبعد الحرب في تسهيل التهريب عبر المطارات، بخاصة مطار عدن.


هل بالإمكان ذكر بعض القطع الأثرية التي تم بيعها في مزادات عالمية حتى اللحظة؟ 

نعم، هناك العديد من الآثار اليمنية المنهوبة لا تزال مقيدة في بعض الدول وهي في طريقها إلى إتمام صفقة البيع مع دول أخرى.

تم بيع مجسم نسائي استثنائي ونادر مع نقش مسند على منصة كاتاويكي للمزادات عبر الإنترنت بمبلغ 900 يورو. المجسم النسائي مصنوع من الفخار مع حروف مسند على كل ساق في الفترة (13-18) أكتوبر 2023. 

وتم بيع شاهدة نادرة لقبر (أوس) في كندا في تورونتو عاصمة مقاطعة أونتاريو باتحاد كندا ، عَرض للبيع (أ.ه. ويلكنز) للمزادات والتقييمات، يوم  17 نوفمبر 2023، شاهدة مستطيلة نادرة لقبر (أوس) من الحجر الجيري، من القرن (الرابع إلى الأول) قبل الميلاد، من آثار اليمن، من سبأ أو قتبان، محفورا في منتصفها كلمة (أوس) وهو من الأسماء الشائعة في حضارات اليمن القديم.

إقرأ أيضاً  آخر تحديث لأسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني

ويذكر المزاد أنه تم شراؤها من معرض دونالد إليس، نيويورك ، الولايات المتحدة، في 15 مايو 2008 بمبلغ (40) ألف دولار، بينما قدر ثمنها في المزاد الحالي ما بين (8) و(12) ألف دولار، الأمر الذي يثير الشك حول مصدرها. 

هناك ثلاثة عروش أثرية اختفت من محافظة الجوف منذ 2010، وبصورة مفاجئة ظهرت قبل شهر. اثنان من هذه العروش ظهرت في مدينة  جنيف السويسرية، فيما الثالث لا يزال مجهولا، وقد كتبت مراراً عن هذه العروش وحاولت تتبع خطوط تهريبها.

وقبل أيام، تلقيت بلاغاً من مصدر يقدم خدمات بحثية بشكل رسمي لجهات شرطية وقضائية مختصة بجرائم الآثار في أوروبا، وأبلغني  بمصادرة القضاء السويسري (جنيف) للعرشين الأثريين اللذين نشرت عنهما، وأن التحقيقات مستمرة في مكتب المدعي العام، وإن العرشين من مقتنيات هشام وعلي أبو طعام المالكين لشركة فينيكس للفن القديم الشهيرة والتي تلاحقها الاتهامات بالاتجار بالآثار العراقية والمصرية وغيرها. 

ويعد العرش الأول عرش الملك “لبأن يدع بن يدع أب”، ومصدر العرش (نشّان) مدينة السوداء في محافظة الجوف ، وبحسب مدونة النقوش “العرش مصنوع من كرسي ضخم، بظهر مرتفع.

ويزين الظهر سلسلة من الوعول موضوعة على شكل مرآة، اثنتان لكل جانب؛ وتقف الحيوانات المصممة على أقواس بارزة، ولها قرون كبيرة منحنية، وآذان طويلة، ولحى مستطيلة، وأرجل وحوافر مميزة. 

فيما العرش الثاني (المكسور) عرش الملك “ملك وقه ريد بن عم علي”، ومصدر العرش (نشّان) مدينة السوداء في محافظة الجوف، وبحسب مدونة النقوش “العرش مصنوع من كرسي ضخم، بظهر مرتفع، مكسور إلى جزأين. ويزين الظهر سلسلة من الوعول موضوعة على شكل مرآة، اثنتان لكل جانب؛ وتقف الحيوانات المصممة على أقواس بارزة، ولها قرون كبيرة منحنية، وآذان طويلة، ولحى مستطيلة، وأرجل وحوافر مميزة. 

أما العرش الثالث المفقود حتى اللحظة، عرش الملك “عم وتر يسرن لبو بن عم علي”، شقيق الملك وقه ريد بن عم علي.

يرى البعض أنه ليس من المحتمل أن يكون “عم وتر يسرن” ملكاً، لكن وجود العرش يؤكد أنه كان ملكاً وربما كان وصياً على أخيه.

ومصدر العرش (نشّان) مدينة السوداء في محافظة الجوف، وربما تعرض العرش للكسر، ولم أتمكن من الحصول على صورة له.

هل هناك دول معينة أو منظمات خارجية متورطة في نهب الآثار اليمنية والاتجار بها؟

الدول والمنظمات كيانات اعتبارية؛ توجيه الاتهام المباشر لها يترتب عليه مسؤولية قانونية.

لكن يمكن القول إن هناك دولاً تتساهل في مسألة نقل الآثار عن طريقها وبيعها في أسواقها.

وتجارة الآثار بالنسبة لبعض الدول هي جزء من غسيل الأموال الذي يمثل مكوناً من مكونات اقتصادها.

وهناك حالات بيع آثار خارج المزادات في مثل هذه الدول. وهناك منظمات يتم استخدامها كغطاء للتهريب. 

من وجهة نطرك، ما هي الحلول للحد من هذه الظاهرة؟

للحد من هذه المشكلة يجب معالجتها على أكثر من مستوى: المستوى القانوني، ويتطلب ذلك تغيير قانون الآثار وإنشاء هيئة وطنية من الوزارات المعنية لاسترداد الآثار المنهوبة من الداخل والمهربة إلى الخارج وتفعيل دور قطاع قضايا الدولة في وزارة الشؤون القانونية في متابعة قضايا الاسترداد. المستوى الأمني، ويتطلب توفير الحماية العسكرية وتفعيل تحريات الآثار في إدارة المباحث وأجهزة المخابرات وتأهيل ضباط الجمارك في المنافذ، وتوفير آلية فاعلة وآمنة للبلاغات. والمستوى الدبلوماسي، ويقصد به فتح قنوات دبلوماسية تسهم في منع استيراد الآثار اليمنية وتشديد القوانين الخارجية للحد من هذه المشكلة.

مقالات مشابهة