المشاهد نت

الولادة المنزلية… لماذا تضطر بعض النساء للمخاطرة بحياتهن؟

الولادة دون رعاية طبية... معاناة تتفاقم _ المشاهد

الحديدة- نسرين عباد : 

في المناطق الريفية والبعيدة في اليمن، تضطر بعض النساء للولادة في المنزل لأن السفر والتنقل إلى أقرب مركز طبي يتطلب الوقت والمال. هذا الأمر يفرض على النساء تقبل الألم والمضاعفات الناجمة عن الولادة في ظل غياب الرعاية الصحية المباشرة. 

النساء في المدن تبدو أفضل حالا لقربهن من الخدمات الصحية، لكن الكثير منهن يعزفن عن المرافق الصحية أثناء الولادة، ويقررن الولادة في البيت لأسباب مالية، وفي أحسن الأحوال تأتي قابلة إلى المنزل لتقديم الرعاية للأم والمولود.  

تجهل بعض النساء المضاعفات التي قد يتعرضن لها أثناء الولادة في المنزل، ويخاطرن بحياتهن وحياة المواليد، ويعد الهروب من التكاليف المادية في المستشفيات السبب الأول الذي يدفع النساء إلى تجنب الذهاب إلى المراكز الصحية للحصول على الرعاية أثناء الولادة. 

إحصائيات سابقة لمنظمة اليونسيف أشارت إلى أن امرأة واحدة تموت من بين 260 امرأة أثناء الحمل والولادة، وسجلت 3 ولادات فقط من بين كل 10 ولادات تتم في المرافق الصحية، ويموت طفل واحد من بين 37 مولودا في الشهر الأول من الحياة. 

تجارب مؤلمة

سماح محمد، 25 عاما من مدينة الحديدة، تقول لـ “المشاهد”: “كدت أن أفقد حياتي بعد أن قررت الولادة في المنزل لطفلي الثاني. وضعت مولودي الأول في المستشفى، وكلفني ذلك الكثير من المال، وعندما اقتربت من ولادة الطفل الثاني، قررت الولادة في المنزل لتوفير المبلغ المالي، لكني كدت أن أفقد حياتي بسبب ألم الولادة ومضاعفاتها”. 

الهروب من التكاليف المادية في المستشفيات السبب الأول الذي يدفع النساء إلى تجنب الذهاب إلى المراكز الصحية للحصول على الرعاية أثناء الولادة. 

لم تدرك سماح أن القابلة التي جاءت لمساعدتها أثناء الولادة لا تملك الكثير من الخبرة والكفاءة، ما أجبرها لاحقا على الذهاب إلى المستشفى بشكل طارئ. 

تضيف: “تم إجراء تصفية ما بعد الولادة في المستشفى وإخراج المشيمة التي لم تتمكن القابلة من إخراجها، وكانت ستتسبب لي بمضاعفات خطيرة، وربما الوفاة”. 

نجلاء يحيى، 34 عاما من صنعاء، تقول لـ “المشاهد” إن ظروفها وظروف زوجها المالية أجبرتها على اتخاذ قرار الولادة في البيت حتى تتجنب العبء المالي الذي تتسبب به الولادة في المركز الصحي. 

لكنها أدركت لاحقا أن قرارها كان خاطئا. تضيف: ” لم أدرك أنني سأواجه صعوبات ومضاعفات قاسية أثناء الولادة، فقد تأثرت طفلتي بسبب نقص الأكسجين، ما أدى إلى ضمور في الدماغ، وهذا آلمني كثيراً. أحياناً التساهل بأمور بسيطة يكلفنا ثمنًا باهظًا”. 

مخاطر الولادة دون رعاية طبية 

أشارت منظمة الصحة العالمية في شباط /فبراير 2023 أن 46 في المئة من جميع المرافق الصحية اليمنية كانت تعمل جزئيًا أو خارج الخدمة تمامًا بسبب نقص الموظفين والأموال والكهرباء والأدوية والإمدادات والمعدات. ووفقا للمنظمة الأممية، ما يقارب 10 ملايين شخص في اليمن لا يحصلون على خدمات الرعاية الصحية.

إقرأ أيضاً  بعد عودة الاستقرار.. مشاريع تنموية غرب لحج

 سحر الجوفي، إخصائية نساء وتوليد، تؤكد أن العجز المالي للأسر والتكاليف الباهظة، وخاصة في المستشفيات الخاصة، هو السبب الرئيس لعزوف النساء عن الولادة في المراكز الصحية. 

تشير الجوفي إلى أن هناك الكثير من المعتقدات الخاطئة لدى النساء بأن التعامل في المستشفيات أثناء الولادة يتم بطرق سيئة وقد تتعرض الفتاة أو الأم لمعاملة مؤذية من قبل الطبيبة أو الممرضة التي ستقوم بتوليدها، وهذا يجعل النساء في تخوف دائم. 

نشر الوعي والعمل على تثقيف الأمهات والمتابعة المستمرة أثناء الحمل، وكذلك تثقيف الأمهات بالمخاطر الناجمة عن الولادة في المنزل دون رعاية

تقول الجوفي إن النساء قد يتعرضن لمضاعفات جراء الولادة في المنزل، مثل  انفجار الرحم أو تورم أعضاء المريضة  نتيجة المحاولات العديدة للولادة، وأحيانا تصل المريضة إلى المستشفى ووضعها الصحي سيء جدا. 

تضيف: “تتعرض الأم لنزيف ما بعد الولادة، وهو أمر خطير إذا لم يتم علاجه، وقد يحدث للطفل اضطرابات عصبية أو نقص إمداده بالأكسجين، و قد تتعرض الأم لتشوهات قد تحتاج للإصلاح عن طريق عملية جراحية بعد الولادة”. 

تدعو الجوفي إلى نشر الوعي والعمل على تثقيف الأمهات والمتابعة المستمرة أثناء الحمل، وكذلك تثقيف الأمهات بالمخاطر الناجمة عن الولادة في المنزل دون رعاية.

تدني الدخل والحصول على الرعاية الصحية

يقول الخبير الاقتصادي أحمد شماخ لـ “المشاهد” إن استثمار القطاع الخاص في الجانب الصحي في ظل غياب الرقابة الصحية من قبل الجهات المعنية الرسمية أدى إلى ارتفاع أسعار الخدمات الصحية، وهذا أثر على المواطن الذي لا يقدر على دفع سعر الخدمة الطبية. 

يشير شماخ إلى أن الظروف الاقتصادية للكثير من العائلات اليمنية في ظل غياب المرتبات للموظفين الحكوميين وتضاؤل الرواتب في القطاع الخاص من ضمن الأسباب التي أدت إلى عزوف النساء عن الولادة في المستشفيات.

يضيف: ” يجب على الجهات الرقابية والحكومية والمنظمات العاملة في اليمن أن تضاعف من خدماتها في المناطق البعيدة وخاصة الأرياف التي لا تصل لها الخدمات المتعلقة بالصحة والإنجاب”. 

 يختم شماخ حديثه، ويقول: “هناك ضرورة لإعادة النظر في السياسات الصحية القائمة وإيجاد مراكز متخصصة تتبع الحكومة أو المنظمات، وتمول من أي جهات محلية أو دولية لإنقاذ المرأة والطفل في اليمن، وتخفف من الأعباء المادية على الأسر”.

مقالات مشابهة