المشاهد نت

«أنيس».. أقدام مرتعشة على طريق محفوف بالمخاطر

الشاب أنيس يواجه بإرادته وأقدامه المرتعشة أعباء الحياة ومخاطر الطريق - تصوير مراسل المشاهد

لحج – رِيَــا المزاحمي

لم يكن مرورنا على الخط العام الواصل بين مدينتي يافع وعدن، بقصد الوقوف لالتقاط الصور، لكن تأثير المشهد هناك محزن لمن يراه للمرة الأولى.

فالأقدام المرتعشة المُجبرة على الوقوف على ذلك الخط الإسفلتي الذي لا يتجاوز ثلاثة أمتار والذي تظهر عليه آثار الدمار لكثرة المارة، يدعو إلى الوقوف والتفكير بالمعاناة التي أجبرت شابًا بأقدام مرتعشة على الوقوف هنا.

طريق ضيق، وسيارات كثيرة، أشعة شمس حارقة، ورياح محملة بالغبار والأتربة من جميع الاتجاهات، ووجه أسمر يتصبب عرقًا ينظر إلى المارة بدهشة، وأقدام بالكاد واقفة.

«أنيس».. أقدام مرتعشة على طريق محفوف بالمخاطر

الحركة البطيئة تجاه السيارات المضطرة لتهدئة سرعتها بسبب المطب الموجود في منتصف الطريق، وثقل اللسان عند التحدث مع المارة، الأيدي المرتعشة وعينان غائرتان تتوارى خلفها كسور لم تجبر لمن ينظر إليها عن قرب.

الوقوف في منتصف الخط العام المحفوف بالمخاطرِ يتطلب قوة وجرأة، فهو خط مشترك للسيارات الذاهبة والعائدة من وإلى عدن، بالإضافة إلى أنه خط لمرور القواطر والشاحنات الكبيرة.

تبدو حاجة هذا الشاب أكبر من المخاطرة بالوقوف في منتصف الطريق العام، اقتربنا منه وأخبرنا بأن اسمه “أنيس”، وهو يعيل أسره كاملة، إخوة وأخوات وأب وأم، ويسكن معهم في بيت شعبي بالقرب من الخط العام.

«أنيس».. أقدام مرتعشة على طريق محفوف بالمخاطر

أثناء مرورك على الخط العام لا يلفت انتباهك سوى أصوات بعيدة لنهاق الحمير من أطراف القرية، وأقدام “أنيس” تقرع الخط بخطوات بطيئة، متحركة طولًا وعرضًا، ويتلفت يمينًا ويسارًا.

لم يشعر أنيس بسكينة المنطقة الممتدة على أطراف الخط العام، والتي ينعم أهلها بسبات النوم العميق وسط نهار رمضان، حتى بدت لمن لا يعرفها كمقبرة موتى.

في قرية “أنيس” التابعة لمديرية حبيل جبر، يأخذ الناس أقساطًا من الراحة عقب صلاة الفجر في رمضان، ويظل “أنيس” الشاب البالغ من العمر (26 ربيعًا) الوحيد الذي يخالفهم بالخروج باكرًا حاملًا أكياسًا ممتلئةً بثمار السدر (الدوم) ساعيًا في طلب الرزق الحلال.

إقرأ أيضاً  تهريب القات إلى السعودية... خطوة نحو المال والموت
«أنيس».. أقدام مرتعشة على طريق محفوف بالمخاطر

13 فردًا هم أفراد عائلته، من ينتظرون أنيس بعد عودته في منتصف النهار؛ ليعود إليهم بأجر ما حصل عليه من الوقوف على الخط، فجميعهم عالة على هذه الشاب المعاق.

لا يحصل “أنيس” على مبلغ محترم من المال، فدائمًا ما يعود بالأكياس مرة أخرى إلى المنزل.

في عصرِ كل يوم يذهب “أنيس” إلى السوقِ الشعبي الذي يبعد ربع ساعة من منزله؛ ليجلب لعائلته ما يحتاجه الصائم، ويبقى غلاء الأسعار التحدي الأكبر أمام “أنيس” وعائلته كعبء إضافي.

«أنيس».. أقدام مرتعشة على طريق محفوف بالمخاطر

يوجد لـ “أنيس” أخ مصاب بمىض التوحد، وأخت أخرى معاقة، ويتطلب علاج الأخ المصاب بمرض التوحد مبلغًا كبيرًا من المال، بينما تحتاج الأخت المعاقة أضعاف ذلك المبلغ، وجميعهم يتلقون العلاج من عائد الوقوف على الخط العام.

الحصول على ثمار السدر

تنبت شجرة السدر في الوديان والمناطق الجبيلة، وبعد هطول الأمطار على مناطق كثيرة في اليمن تظهر ثمرة السدر على الأغصان.

يجمع أنيس ثمار السدر من الوديان المتباعدة، بعد أن يقوم بخبط شجرة السدر بعصا طويل أو رجمها بالحجارة؛ حتى تتساقط الثمار.

يعود بالثمار إلى منزله، ثم يقوم بتجفيفها والاحتفاظ بها حتى موسم اختفاء الثمرة؛ ليقوم بعرضها للبيع على المارة.

العيد معاناة لا فرح

يختلف التحدي بقدوم عيد الفطر بين الأسر التي يجمعها “الفقر” كقاسم مشترك، ويبقى “أنيس” الحالة الاستثنائية المختلفة عن الجميع بكل ظروفه وحاجته، وعجزه على توفير مصاريف أسرته الكبيرة.

بقدوم عيد الفطر لا ينوي “أنيس” أن يغيب عن الخط خلال أيام العيد، فربما تكون زحمة العيد مصدرًا لعائد مالي جيد، حسب تعبيره.

أو ربما أصبحت الإجازة لأيام محددة من المستحيلات في ظل دخل لا يوفر مصاريف يوم من أيام الإجازة، فالدخل الشخصي السنوي أول عامل من عوامل تحديد مستوى الفقر.

بعد رحيلنا من المكان، ظلت الوقفة المرتعشة عالقة في ذاكرتنا، عاصمة لمساحة الفقراء الشاسعة في هذا البلد.

مقالات مشابهة