المشاهد نت

تعز: العيد دون زيارات في ظل الحصار

للعام التاسع يحرم السكان في تعز من حرية التنقل نتيجة الحصار المفروض على المدينة

تعز- مازن فارس

في مساء ثاني أيام عيد الفطر، كتب وضاح الحميدي (28 عاما) حالة على تطبيق المراسلات الشهير واكتساب ، قائلا: “فكوا الحصار عن تعز لتكتمل فرحة العيد ويلتقي الأهل والأحباب” سارع شقيقه الأكبر جسار بالرد عليه برمز تعبيري حزين 😢، متبوعا برسالة كان نصها: “فعلا، لكن ماذا نعمل. رغم قرب المسافة إلا أن الحصار باعد بيننا. ستفرج -إن شاء الله-. وعيدك مبارك”.

هذه المحادثة القصيرة تلخص حالة الفراق الإجباري الناتجة عن إغلاق المنافذ الرئيسة لمدينة تعز (جنوب غرب اليمن)، وتوضح صعوبة السفر من منطقة إلى أخرى في نفس المحافظة حتى في أيام العيد.

A screenshot of a chat

Description automatically generated

منذ عام 2015، تسيطر جماعة أنصار الله ( الحوثيين ) على الضواحي الشرقية والشمالية لمدينة تعز بما في ذلك المنافذ الرئيسية التي تربط المدينة ببقية محافظات البلاد.

وتعد تعز من أكثر المحافظات كثافة في السكان، وتخضع 60 في المئة من مساحتها الإجمالية- المقدرة ب 12 ألف كم²- لسيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، بما في ذلك مركز المحافظة، فيما تسيطر جماعة الحوثي على 40 في المئة من بقية المساحة.

خلال تسع سنوات من الحرب، اختفت العديد من مظاهر الاحتفال بالعيد لدى اليمنيين، لا سيما في ظل تدهور الوضع المعيشي، والانقسام المالي، وإغلاق بعض الطرق الرئيسية، بالإضافة إلى ارتفاع أجور النقل.

يقول الحميدي: “عندما أتذكر أجواء العيد وطقوسه التي اعتدنا عليها قبل الحرب، وقبل إغلاق الطرقات، أشعر بحزن شديد”.

يعيش وضاح في مركز مدينة تعز، بينما عدد من أفراد أسرته يقيمون في منطقة الحوبان (شرق المدينة) الخاضعة لسيطرة الحوثيين ، ولم يلقهم منذ خمسة أعوام.

تبلغ المسافة الواصلة بين جولة القصر كأقرب نقطة في الحوبان باتجاه المدينة، وبين شارع جمال عبد الناصر مركز المدينة 3.8 كم، وكانت تستغرق الرحلة في السابق من 5 إلى 15 دقيقة بالسيارة، أما الآن أصبحت تستغرق من 5 إلى 6 ساعات. وفي بعض الأحيان، تتضاعف المدة جراء توقف حركة السير نتيجة إغلاق الطريق إثر وقوع حادث مروري، أو بسبب تدفق سيول الأمطار.

A screenshot of a map

Description automatically generated

خريطة توضح المسافة بين منطقة الحوبان (شرق مدينة تعز) ومركز المدينة قبل وبعد الحصار

هناك الكثير ممن تبادلوا التهاني مع أقاربهم وأصدقائهم بمناسبة عيد الفطر على هيئة رسائل بنفس المعنى، وبكلمات مختلفة لا تخلو من تعبيرات توحي بالتذمر والحزن بسبب الظروف الصعبة الناتجة عن إغلاق الطرقات، وتسبب ذلك في حرمانهم من اللقاء بأهلهم والاحتفال معا بأجواء العيد.

فرحة ناقصة

يشكو الكثير من المواطنين بتعز من تردي الوضع المادي الذي تفاقم بشكل لافت جراء استمرار الحصار وعدم القدرة على تحمل تكاليف السفر، هذا ما تكشفه رسائل عيدية متبادلة بين أم محمد التي تعيش وسط المدينة، وصديقتها التي تسميها في الهاتف “أم جبران”، المقيمة في مديرية التعزية بريف تعز.

إقرأ أيضاً  ضياع حق المرأة في التعليم والعمل بسبب الحرب 
A screenshot of a phone

Description automatically generated

لقطة شاشة لمحادثة بين أم محمد وصديقتها أم جبران

تقول أم محمد: “الوضع الاقتصادي المتردي وارتفاع أسعار السلع التي يبرر التجار أسبابها لإغلاق الطرقات استهلك كل مدخراتنا المالية في شراء الاحتياجات الأساسية الخاصة بالعيد”.

في العامين الأخيرين، امتنعت أم محمد عن قضاء إجازة العيد مع ذويها القاطنين في مديرية ماوية الواقعة شرق محافظة تعز، وعزت السبب إلى “ارتفاع تكاليف النقل، ووعورة الطريق، وزيادة ساعات السفر”. وترى أن العيد “وسط الأهل له طعم مختلف، حيث يجتمع جميع أفراد الأسرة لتبادل التهاني والزيارات والهدايا، ويلعب الأطفال بحرية مطلقة. أما في ظل الوضع الحالي، فالفرحة تبدو ناقصة”.

أجور باهظة ومخاوف

يجد السكان الذين يعيشون في المدينة صعوبة في الوصول إلى المتنزهات والحدائق، لا سيما أن غالبيتها تقع في منطقة الحوبان التي تسيطر عليها جماعة الحوثي.

في السابق كان تكلفة أجرة النقل إلى إحدى الحدائق شرق المدينة بقيمة 100 ريال، لكن حاليا أصبح الأمر صعبا، لأن الشخص الواحد يحتاج أن يدفع نحو 30 ألف ريال ذهابا وإيابا، وفق مدير مكتب شؤون الحصار بمحافظة تعز، ماهر العبسي.

وهناك مخاطر أخرى تحيط بالمسافرين خلال توجههم لقضاء إجازة العيد في الريف أو الجزء الشرقي للمدينة، تتمثل أبرزها في “تعرضهم للاعتقال في النقاط الأمنية التابعة للحوثيين سواء كانوا مدنيين أو ممن ينتمون للقوات الحكومية”، بحسب العبسي.

وعلى طول الطرق الواصلة بين مدن ومحافظات البلاد هناك ما لا يقل عن 59 نقطة وحاجزا أمنيا استحدثها أطراف الحرب، وأصبحت هذه الحواجز تشكل قلقا كبيرا للكثير ممن يعتزمون التنقل عبرها. وتتهم منظمات حقوقية القائمين على تلك النقاط والحواجز بتقييد حرية الحركة والتنقل للمدنيين، واستخدامها وسيلة للاعتقال.

أشار بيان صادر عن رابطة أمهات المختطفين (منظمة حقوقية غير حكومية) في يونيو/ حزيران 2022 إلى رصد 401 واقعة اختطاف تعرض لها مدنيون في نقاط التفتيش التابعة لجماعة الحوثي بمحافظة تعز.

يقول العبسي ل “المشاهد”: “إن الحصار المفروض على مدينة تعز حرم الكثير من الناس فرحة العيد ومنعهم من زيارة أسرهم والذهاب إلى المتنزهات”.

وقد فشلت سلسلة من المبادرات المحلية والدولية في فتح الطرق المؤدية إلى مدينة تعز وسط اتهامات متبادلة بين الحكومة والحوثيين بمسؤولية فشل تلك المساعي. يحل عيد تلو آخر بتعز بينما الأصدقاء والأقارب لا يستطيعون رؤية بعضهم وجها لوجه، أو قضاء أيام العيد سويا. وقد تستمر هذه المعاناة لسنوات قادمة طالما استمرت الحرب في البلاد.

مقالات مشابهة