المشاهد نت

عندما تتحول النيابة إلى أداة للتنكيل بالصحفيين في صنعاء

تعز-سمير محمد:
دخلت قضية 10 صحفيين معتقلين منذ 4 سنوات لدى جماعة الحوثي بصنعاء، منحىً جديداً، بعدما شرعت النيابة الجزائية المتخصصة بقضايا أمن الدولة، في التحقيق معهم، بعد أكثر من عام على إحالتهم إليها. وأبلغ “المشاهد” محامي الصحفيين عبدالمجيد صبرة، أن نيابة أمن الدولة باشرت، الاثنين الماضي، التحقيق مع 4 صحفيين، هم: عصام بلغيث وتوفيق المنصوري وصلاح القاعدي وهيثم الشهاب.

 

وأجّلت النيابة التحقيق مع 6 صحفيين آخرين، هم: عبدالخالق عمران وحسن عناب وهشام طرموم وهشام اليوسفي وأكرم الوليدي وحارث حميد، إلى أجل غير مسمى. وقال صبرة، في تصريح لـ”المشاهد”، إن النيابة وجهت للصحفيين “تهم إشاعة أخبار ومعلومات كاذبة بغرض إضعاف القوات المسلحة، وتكدير السلم العام، وهي تهم تصل عقوبتها إلى الإعدام”. وهذه هي المرة الأولى التي يمثل فيها بعض الصحفيين للتحقيق أمام نيابة أمن الدولة، رغم مرور 14 شهراً على الإعلان عن إحالتهم إليها.

عندما تتحول النيابة إلى أداة للتنكيل بالصحفيين في صنعاء
وثيقة توضح هزلية اجراءات المحاكمة

ويحدد الدستور اليمني صلاحية الاحتجاز القانونية لدى النيابة بـ24 ساعة على الأكثر قبل الإحالة للقضاء. واطلع محرر “المشاهد” على عريضة قدمها محامي الصحفيين إلى نيابة أمن الدولة، تطلب الإفراج الفوري عنهم، والتحقيق في واقعة اعتقالهم التعسفي، لكن النيابة لم تنظر أو تفصل فيها من حينه. وفقاً للمعطيات، تحضر النيابة في قضية الصحفيين كإحدى المؤسسات الرسمية والأمنية التي تتحكم جماعة الحوثي في وظيفتها ومهمتها، خصوصاً في القضايا محل اهتمامها وتركيزها. وقال لـ”المشاهد” محامٍ ومستشار قانوني بارز، رفض كشف اسمه، إن الإحالة للنيابة تعد إجراءً إيجابياً في أي نظام، بغض النظر عن حجم الانتهاك للقانون وللإنسان قبلها، وهو أفضل من الاستمرار بدونها. وأضاف: لكن في حالة هؤلاء الصحفيين يوجد اسم نيابة ولا توجد وظيفتها.. تعامل النيابة في هذه القضية يؤكد أنها فاقدة السلطة والأهلية والوظيفة.. هذا ليس تعامل النيابات بكل الاختلالات التي عرفناها في وظيفتها منذ عقود. وعبرت أسر الصحفيين، في بيان صدر الاثنين، عن رفضها إحالتهم إلى نيابة أمن الدولة، ووصفت تلك الإجراءات بأنها هزلية وغير قانونية. وسبق لنقابة الصحفيين اليمنيين أن أعلنت، في بيان، رفضها إحالة ملفات الصحفيين المختطفين لدى جماعة الحوثي إلى نيابة أمن الدولة، مؤكدة تمسكها بسرعة إطلاق سراحهم جميعاً. وقالت النقابة: “إن محكمة أمن الدولة تحرم الماثل أمامها من حق الدفاع، ولا توفر أدنى شروط المحاكمة العادلة”.

وتخشى النقابة أن يواجه الصحفيون محاكمة شبيهة بمحاكمة الصحفي يحيى الجبيحي الذي قضت المحكمة بإعدامه في أبريل 2017، بتهمة التخابر مع السعودية، في جلسة محاكمة مستعجلة افتقرت لأدنى معايير المحاكمة العادلة، بعد 8 أشهر من الاعتقال. وأُفرج عن الجبيحي بقرار عفو أصدره القيادي الحوثي الراحل صالح الصماد، بعد موجة إدانات واسعة قوبل بها الحكم من منظمات حقوقية محلية ودولية. وأشار المحامي والمستشار القانوني الذي كان يعلق على القضية، في حديثه لـ”المشاهد”، إلى أن قضية الصحفيين ومحاكمة الجبيحي تكشف أن الحوثيين ينظرون إلى النيابات والمحاكم كجهات ملحقة بلجانهم الأمنية، وظيفتها إصدار مراسيم مختومة بالعقوبات والنتائج التي يقررونها متى أرادوا ذلك، فهم لا يحتاجون للنيابة ولا للمحكمة لقتل أو اعتقال من يشاؤون متى أرادوا. وأضاف: “يتعاملون مع وظيفة النيابة بطريقة مزاجية، كما يتعاملون مع أجهزة الأمن الأخرى بخبرتها المتراكمة في القمع والانتهاكات، غير مدركين حساسية وظيفتها المقيدة كلياً بنصوص الدستور والقانون، ولا تصبح نيابة بدونها”. واعتبر أن الإحالة إليها هي “مجرد إجراء قد لا يختلف عن نقل الصحفيين من سجن إلى آخر، ومن قسم شرطة إلى الأمن السياسي، وكما أن الهدف منه التنكيل بالصحفيين، فإنه يهدف لتدمير وظيفة النيابة والقضاء، وإفقاد الناس الثقة فيهما”. لكنه لفت، في الوقت ذاته، إلى أن قبول التعاطي مع قضايا ونيابات بهذا الشكل أو رفضه، يخضع لتقديرات الصحفيين أنفسهم، والجهات والأشخاص الذين يدافعون عنهم.

إقرأ أيضاً  مرصد الحريات يصدر تقرير الحريات الإعلامية السنوي ٢٠٢٣

 

ويعتقد محامي الصحفيين عبدالمجيد صبرة، بضرورة التعاطي القانوني مع إجراءات النيابة كأمر واقع لابد منه، وتقديم الدفوع القانونية عن الصحفيين، وحضور جلسات التحقيق، توازياً مع التمسك بطلب الإفراج المقدم للنيابة، والدفع بعدم اختصاص نيابة أمن الدولة في النظر في القضية. واعتقل الحوثيون 9 صحفيين من أحد فنادق صنعاء، في 9 يونيو 2015، وألحقت بهم صحفياً عاشراً، هو صلاح القاعدي، في 28 أغسطس 2015. ووثقت منظمات حقوقية محلية ودولية تعرض الصحفيين لانتهاكات مختلفة شملت التعذيب النفسي والجسدي، وسوء المعاملة، ومنع الزيارة، وحرمانهم من الدواء والتطبيب من مضاعفات أمراض خطيرة سابقة، وأخرى طارئة أحدثتها ظروف الاعتقال. وتعرض الصحفيون لإخفاء قسري، وجرى نقلهم بين عدة سجون ومعتقلات، أبرزها سجنا هبرة والثورة، وأخيراً إلى سجن الأمن السياسي الذي يقبعون فيه حتى بعد إحالتهم إلى النيابة المتخصصة في يوليو 2017. وعلى مدى سنوات اعتقالهم، طالبت نقابات ومنظمات واتحادات مهنية وحقوقية محلية ودولية، جماعة الحوثي بالإفراج الفوري عن الصحفيين، لكن الجماعة ترفض الاستجابة لتلك المطالب.

 

وعام 2016، صنفت منظمة مراسلون بلا حدود جماعة الحوثي ثانية كبرى الجماعات انتهاكاً لحق الصحفيين، بعد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وتراجع تصنيف اليمن إلى المرتبة 167 (من أصل 170) في مؤشر التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2018 الذي أصدرته منظمة مراسلون بلا حدود هذا العام.

مقالات مشابهة