المشاهد نت

اليمن: مبادرات فنية تتحدى الحرب

صنعاء – أصيل ساريه :

في الوقت الذي انخرط فيه جزء كبير من الشباب في جبهات القتال مع مختلف الأطراف المتصارعة على الارض اليمنية؛ اتجه شباب آخرون نحو انشاء مبادرات فنية، ثقافية، للتخفيف من وطأة الحرب وآثارها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية.

شهد المجتمع اليمني، إطلاق العديد من المبادرات الفنية والاجتماعية والثقافية خلال السنوات الماضية، في محاولة للحفاظ على ما تبقى من تراث اليمن الاصيل. كانت واحدة من هذه المبادرات: “مشاقر تعز” (المشاقر نوع من أنواع نبات الريحان). وهي مبادرة فنية قام بإنشائها مجموعة الشباب في مدينة تعز جنوب غرب اليمن؛ بهدف إحياء الاغنية اليمنية والتعزية بشكل خاص.

في مطلع العام 2017. كانت البداية لهذه المبادرة مع إعادة غناء أغنية “بكر غبش” التي قام بغنائها الفنان اليمني أيوب طارش، وهو الذي ذاع صيته بعد تلحين النشيد الوطني لليمن في العام 1990.

الناشطة الشبابية في مدينة تعز، حنين الاغواني (22 عاماً) ومعها مجموعة من الشباب والشابات في مبادرة مشاقر تعز، قرروا تحدي الظروف والحصار المفروض على المدينة، التي تشتهر بأنها عاصمة الثقافة اليمنية، وأن يتجاوزوا الخطابات الدينية المتشددة في المدينة، من أجل تشكيل فرقة غنائية بسيطة وبإمكانيات محدودة.

تقول حنين الاغواني لمنصة (صوت إنسان): “الحرب التي اندلعت في اليمن كان لها أثر سيء على اليمنيين على كل المستويات، ومن بينها التراث والغناء اليمني الذي بات يتراجع ويندثر ويتعرض للنهب والتشويه ولم يهتم به أحد. بسبب تصدر الحرب لأولويات الناس والدولة.”

وتضيف حنين: “في ظل هذه الأوضاع، كان لا بد من وجود مبادرات تعمل على الحفاظ على هذا التراث العريق وتجديده وتقديمه بطريقة عصرية تناسب الفئة الشبابية والوسائل الإعلامية الجديدة، وهو ما سعت إليه فرقة مشاقر تعز منذ تأسيسها. لقد تفاعل اليمنيين معنا، في كل أرجاء اليمن وخارجها، وأصبح الجميع يغني “بكر غبش.”

وتؤكد حنين بأن الدعم المقدم لهم معدوم حتى هذه اللحظة وأنهم يعتمدون على أنفسهم، خاصة أن الجمهور يطالبهم بتقديم عمل جديد. “نجاح العمل الأول لنا، فرض علينا تحديات كبيرة في إشباع رغبات الجمهور.”، قالت حنين.

كذا كان اليمن

“كنا قبل الحرب كذا، وكان لدينا كذا”، يردد الكثير من اليمنيين هذه العبارة، في اشارة إلى ما سلبته الحرب منهم، وهذا ما يؤكد عليه، أحمد الهجري، وهو صانع أفلام يدرس في ماليزيا. ومؤسس مبادرة (كذا كان اليمن Yemen Used to be). وهي مبادرة فنية تهدف إلى تصحيح الصورة النمطية عن اليمن.

يقول أحمد لمنصة صوت انسان: “نحن كطلاب يمنيين ندرس خارج اليمن دائما عن التعريف بأنه يمني يحدثونه عن بلاد كدولة بها حرب ما اثر فيهم نفسيا بل جعل تفكيرهم ينصب في تغيير هذه الصورة”.

ويضيف أحمد: “في العام 2018 كان هناك مهرجان ثقافي يقام سنويا في الجامعة التي يدرس بها في ماليزيا قام بعمل فيلم قصير يتحدث عن اهم الاسماء المؤثرة في التاريخ اليمني وان الحرب هي ضيف ثقيل مصيره إلى الرحيل”.

بعد أن عرض احمد هذا الفيلم، قرر إطلاق مبادرة شاملة لتحسين صورة اليمن. يقول احمد انه “بعد التفاعل الذي تم عرضه في الجامعة وردود الفعل التي كانت عظيمة، وانه يتذكر جيدا خروج بعض الناس تبكي من قاعة عرض الفيلم”.

اليمن: مبادرات فنية تتحدى الحرب

“ان ما حدث بعد الفيلم جعلني أفكر بأن اوسع الفكرة واجعلها أكبر من مجرد فيلم، ولماذا لا استثمر منصات التواصل الاجتماعي الذي صار تأثيرها اكبر واسرع”. قال أحمد.

مع انطلاقة العام 2019 بدأ أحمد بتجميع فريق عمل تطوعي، للعمل على تطوير الفكرة وتنفيذها، وركز احمد على صناع المحتوى الرقمي القادرين على إيصال رسالة المبادرة وتحقيق هدفها وإيجاد مترجمين يمتلكون المهارة في اللغة.

يقول أحمد: “ان الاجانب لا يعرفون عن اليمن إلا ما تنقله وسائل الإعلام عن اليمن التي لا تنقل إلا كل ما هو سيئ عن اليمن ولذلك فإن ترجمة هذه النصوص إلى اللغة الانجليزية كان شيئا اساسيا في المنصة”.

بدأت هذه المنصة على صفحات التواصل الاجتماعي (فيسبوك، انستجرام، تويتر) بالظهور للجمهور، بقوالب متنوعة حتى تتناسب مع جمهور الشبكات الاجتماعية ميديا على حد تعبير أحمد. حيث كان لا بد من وجود فيديو وصوت مع كل نصوص مكتوبة حتى تكون لطيفة وغير مملة للجمهور المستهدف وينقل صورة موجزة عن شخصية يمنية او مكان ما في اليمن او حرفة يمنية او أي شيء يظهر الصورة الجميلة لليمن.

إقرأ أيضاً  اليمن في انتظار اتفاقية تقديم خدمة الإنترنت الفضائي

كما ان منصة (كذا كان اليمن) كان لديها فريق بحث مهمته الوحيدة البحث في المصادر المتنوعة وخصوصا القديمة منها وكانت هذه المهمة هي الاصعب نظرا لشحة تلك المصادر التي تتطلب جمعها وارشفتها من جديد، حتى يتم اعادة نشرها بقوالب مختلفة. دعم محدود وتفاعل إيجابي.

قال أحمد لمنصة (صوت إنسان): “المبادرة مكونة من 15 فرد ويعملون حتى الآن بشكل تطوعي ويتواجدون في ماليزيا ومصر واليمن، وحتى اللحظة وبعد سنة من الانطلاقة لم نتلقى أي دعم بأي شكل من الأشكال ونطمح بأن يكون هناك داعم للمبادرة خصوصا اننا نخطط للمشاركة في معارض دولية تقام في عدة دول ومنها اليمن حيث اقمنا في صنعاء معرض خاص بالمبادرة منتصف العام 2019 وكانت بدعم ذاتي منا ونحن في الاخير ما زلنا طلاب؛ اضافة إلى الدعم الذي يعيق تنفيذ العديد من الافكار المحدودة لدى اعضاء المبادرة فإن شحة المصادر ما تزال عقبة أمامنا خصوصا ان الجهات الحكومية خصوصا وزارة الثقافة لم تعمل على ارشفة كل ما يتعلق بالفنون والثقافة والتراث”.

ويقول أحمد: “تفاعل الناس مع المبادرة جدا كبير حيث ان عدد المشاركين في معرض صنعاء تجاوز ال 400 شخص، ولم نكن نتوقع هذا الدعم حتى الرسائل التي تصل إلى صفحة المبادرة كانت محفزة خصوصا من اليمنيين الذين لا يعرفون شيئا عن اليمن وقضوا حياتهم كلها خارج اليمن لا يعرفون عن اليمن إلا الحرب فقط.”.

ويضيف أحمد: “الجمهور في اليمن وماليزيا وامريكا وبعض الدول العربية متفاعلين بشكل كبير وفقا لإحصائيات صفحات المبادرة”.

مبادرة قمرة اليمن

عمل اربعة من الشباب اليمنيين، على إنتاج العديد الافلام الوثائقية عن اليمن خلال سنوات الحرب، مع مؤسسة دعم اليمن والمدعومة من المجلس الثقافي البريطاني، ولم يكن عملهم مقتصرا على إنتاج الأفلام بل تدريب الشباب اليمنيين على صناعة الأفلام. وقرر هؤلاء بأن تكون هناك مؤسسة افلام مستقلة لإنتاج الأفلام لتوحيد جهودهم التي بدلا من العمل بالقطعة تحت اسم (قمرة).

تقول الشابة المنتجة وصانعة الأفلام،يسرى إسحاق، وهي المدير التنفيذي لمؤسسة قمرة للأفلام،: “كان هدف قمرة في البداية هو إنتاج أفلام وثائقية ترتكز على الإبداع، ونجحنا في البداية إلا أنه لظروف ما غادر جزء من فريق المؤسسة إلى خارج اليمن ولم يكن في اليمن فريق مؤهل ومدرب بشكل كبير.”

وتضيف يسرى: “كان هذا يشكل تهديد للمؤسسة فبدأنا بتدريب الشباب في اليمن على صناعة الأفلام ليكون جزء من فريق المؤسسة ويعمل على انتاج الافلام سواء لنا او لغيرنا خارج قمرة فوضعنا معايير متقدمة في التدريبات، وبدأنا بالفعل في تدريب العديد من الشباب والشابات، بما يحقق هدفنا الأساسي في المؤسسة. نحن نؤمن بأن صناعة الافلام جزء أساسي من أساسيات التعبير عن الرأي وتستطيع إيصال رسالة الناس بأسرع صورة حيث أنها تصل إلى العين مباشرة وبالتالي تؤثر في القلب”.

تعمل مؤسسة أفلام قمرة على إدماج الشباب الهادف لصناعة الأفلام ضمن فريق عمل المؤسسة كجزء من المسؤولية الاجتماعية لهم.

وتقول يسرى: “الحرب في اليمن اصبحت جزء اصيل من حياتنا اليومية كيمنيين لا يمكن ان نستأصلها أو نتجاهلها ولأن قمرة نشأت في زمن الحرب كان لابد ان تكون الرسالة تعبر عن حال اليمنيين وما ساعدنا في ذلك ان رسائلنا كانت انسانية عبر الوثائقيات او الدراما القصيرة.

أما في خارج اليمن، قالت يسرى: “وجودنا في الخارج أصبح أكثر فعالية وصية افلام قمرة في الشرق الاوسط واوروبا بدأ يوصل بسبب افلام قمرة وعلاقاتنا الشخصية مع العديد من المنظمات، ومن أراد ان يعرف أي شئ عن اليمن وصناعة الأفلام في اليمن يبدأ من مؤسسة قمرة خصوصا اننا يوم بعد يوم تكبر شيئا فشيئا.”.

“اننا كنا محظوظين بفريق العمل المؤمن برسالة قمرة ما جعله يفكر بشكل إيجابي وخارج الصندوق بتفاعلية كبيرة خصوصا اننا لا نقدم لهم إلا نصائح محدودة لينطلقوا بعدها نحو الابداع”، قالت يسرى.

تنهي يسرى حديثها بالقول: “نرى قمرة بعد عشر سنوات بأنها أول مجتمع لصناعة الأفلام وثائقية ودرامية، والتي من الممكن تصل إلى العالمية وتحاكي الأفلام العالمية مثلها مثل أي صناعة أفلام عالمية لها صدى في الشرق الأوسط ونطمح لأن تكون قمرة اكاديمية في صناعة الأفلام لها حضورها في اليمن والشرق الأوسط”.

تنشر هذه القصة بالتزامن مع نشرها في منصة ” صوت إنسان “ “وفقا لإتفاق بين المشاهد والوكالة الفرنسية لتنمية الاعلام CFI

مقالات مشابهة