المشاهد نت

طباعة العملة القديمة.. هل تنجح في إنهاء الإنقسام المالي في اليمن ؟

وهب الدين العواضي :

يتهاوى الريال اليمني في ظل استمرار الحرب الاقتصادية بين الحكومة المعترف بها دوليًا وجماعة الحوثي، وزيادة حدة الإنقسام المالي للعملة واتساعه بين مناطق سيطرة الطرفين قي الآونة الأخيرة، خصوصًا بعد قيام الحكومة بإعادة طبع فئات من العملة بشكلها القديم، وضخها إلى السوق، قبل أيام.
إذ سارعت جماعة الحوثي بتحذير المواطنين في مناطق سيطرتها، من التعامل مع تلك الفئات التي طبعتها الحكومة، بعد أن جرى تداول صور لفئة 1000 منها، تحمل نفس الشكل القديم الذي تتعامل به الجماعة، ونفس الإصدار الذي يعود لعام 2017، وسط عدم صدور أي رد رسمي من قبل البنك المركزي اليمني فرع عدن، بخصوص طباعته للعملة القديمة.

المزيد من التأزم

قيام الحكومة بطباعة فئات للعملة القديمة وظهورها في مناطق سيطرتها بالعاصمة المؤقتة عدن ومدينة المكلا، أثار جدلًا واسعًا على الصعيد المحلي، وتحركًا سريعًا لجماعة الحوثي دفعها لاتخاذ حزمة من الإجراءات عبر البنك المركزي فرع صنعاء وجمعية الصرافين اليمنيين، تمثلت بمنع عدم تداول تلك الفئات النقدية في مناطقها على أنها مزورة، بالإضافة إلى منع نقل الأموال إلى مناطق سيطرة الحكومة، وفي حال المخالفة ستتم مصادرة تلك الأموال من أصحابها بتهمة الإضرار بالاقتصاد الوطني، كما جاء في بيان الجمعية وقرار البنك، أمس.
وتعليقًا على قيام الحكومة بإعادة طباعة العملة القديمة، يرى رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، أن تلك الخطوة تُسهم بالمزيد من التأزم والحرب الاقتصادية بين الطرفين، وسيدفع ثمنها القطاع المصرفي والمواطن البسيط الذي سيجد صعوبة في التفريق بين العملات.
ويضيف نصر، في منشورٍ نشره على صفحته في “فيسبوك”، أن تلك الخطوة ستتيح لجماعة الحوثي التدخل بصورة أكبر في عمل البنوك وشركات الصرافة، بل والمواطنين العاديين، وبما تملكه من قبضة أمنية، سوف تجد مبررًا لمصادرة الأموال والتدخل في خصوصيات الناس بحثًا عن “العملة المزورة”، كما وصفتها.
ويقول الصحفي الإقتصادي، وفيق صالح، لـ”المشاهد” إن الحكومة من خلال طباعتها لفئات من العملة القديمة، تحاول أن تضغط على جماعة الحوثي بقبول سعر صرف موحد وتوحيد السياسة المالية، ولربما هذا قد يقلص فارق سعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية بين مناطق سيطرة الطرفين.
ويعتقد صالح أن ذلك بالإمكان أن يتحقق إذا كانت الحكومة منسقة مسبقًا مع صندوق النقد الدولي، مشيرًا إلى أنه لن يكون هناك تحسن في قيمة العملة، وإنما تقليص الفارق بين سعر الصرف فقط، أما إذا كانت تلك الخطوة هي حربًا بينيّة بين الطرفين، فسوف ندخل بدوامة جديدة من الحرب الاقتصادية في البلاد أكثر من السابق.

تضخم مالي يفاقم الوضع

تواصل الحكومة في عملية طباعة فئات نقدية جديدة للعملة، والتي بدأتها قبل عامين، وترتب عليها انقسام مالي للعملة اليمنية بين مناطق سيطرة الحكومة وجماعة الحوثي في الشمال؛ بسبب رفض الجماعة التعامل مع تلك الفئات الجديدة، ومنعها المواطنين في مناطقها من تداولها، باستخدام قوة السلاح، والبقاء على الفئات القديمة من العملة.
وفي هذا الصدد، يرى الخبير الاقتصادي وعضو مجلس الشورى بالعاصمة صنعاء، أحمد سعيد شماخ، أن الاستمرار في طباعة العملة وضخها إلى خارج القطاع المصرفي بطُرق غير منظمة ومدروسة ومتعارف عليها دوليًا، يؤدي إلى إضعاف الاقتصاد.
ويضيف شماخ، في حديثه لـ”المشاهد”، أنه في الوقت الحالي يجب ألا يتم طبع أية عملة إلا وفقًا لقواعد النقد، ويفترض أن تكون بتوافق الاقتصاد الوطني مع توفر احتياطي نقدي للعملات الأجنبية، والإنتاج المحلي والتصدير.
الاستمرار في طباعة العملة، وإنزال كميات جديدة من الفئات النقدية المطبوعة من قبل المركزي اليمني فرع عدن، يفاقم المشكلة من حيث التضخم، .

إقرأ أيضاً  ضياع حق المرأة في التعليم والعمل بسبب الحرب 

ويحمل رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي ، الحكومة مسؤولية هذه التبعات، وأيضًا البنك المركزي الذي يغطي نفقاته من مصدر تضخمي عبر طباعة مزيد من النقود بدلًا من حشد الموارد واستغلال كافة الإمكانات للحصول على النقد الأجنبي لتلبية احتياجات السوق.
ويؤكد نصر أن تراجع سعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية في مناطق سيطرة الحكومة، هو في الأساس ناجم عن مضاربة بالعملة وفساد، وليس طلبًا حقيقيًا لها، وبالتالي فإن الحكومة تتحمل بدرجة رئيسية هذا الوضع المختل، وهي مطالبة بأن تعمل على إعادة سعر الريال إلى ما دون 600 ريال للدولار الواحد كأقل تقدير.

كيف يبرر الحوثيون موقفهم؟!

يبرر الحوثيون موقفهم بعدم التعامل مع الفئات الجديدة للعملة التي طبعتها حكومة صنعاء، منذ عامين وحتى الوقت الحالي، بأنهم يسعون للحفاظ على استقرار سعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية في مناطق سيطرتهم، والذي تتأرجح قيمته بين 550 و600 ريال يمني مقابل الدولار الأمركي الواحد.
وبهذا الخصوص، يقول شماخ إن الإجراءات التي يتخذها البنك المركزي في صنعاء هي إجراءات حمائية للحفاظ على العملة وقيمتها في مناطق سيطرة الحوثيين، وله الحق في ذلك، لأن قيمة الريال هناك تشهد نوعًا من الاستقرار، بعكس الحال في مناطق الحكومة، والتي وصلت قيمته فيها إلى 900 ريال للدولار الأمريكي الواحد.
أما نصر فيرى أن الجماعة تزايد في حديثها حول الحفاظ على سعر العملة “بالقوة القاهرة”، كما وصف، من خلال رفضها الفئات الجديدة، لاسيما وأن المواطنين تحت سيطرتها يعانون من غلاء في الأسعار وعدم استلام المرتبات والجبايات وفقدان أبسط الحقوق والحريات.
وحول معالجة الانقسام المالي الحاصل، يقترح شماخ أنه يفترض على السلطات النقدية في صنعاء وعدن، أن تقوم بإجراءات حمائية للعملة من الانهيار والتراجع، والعمل على تحييد البنك المركزي من الصراعات السياسية، وتوحيد البنك، ووضع لجنة مستقلة تربطه بين عدن وصنعاء.
استمرار الحرب الاقتصادية والانقسام المالي المتواصل منذ عامين، بين مناطق سيطرة الحكومة ومناطق سيطرة الحوثيين، تسبب في ارتفاع رسوم الحوالات النقدية بين مناطق الطرفين، بواقع 50% من أصل المبلغ المحول، الأمر الذي يفاقم من الأوضاع المعيشية للمواطن اليمني المُثقل كاهله، بالإضافة إلى الانهيار الحاد للعملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، خصوصًا في مناطق سيطرة الحكومة التي وصل سعر صرف الريال فيها إلى أكثر من 900 ريال للدولار الأمريكي الواحد، ويرافق ذلك غلاء فاحش في الأسعار.

مقالات مشابهة