المشاهد نت

مُعنَّفات يمنيات… سجينات الخوف والعيب

تزايد العنف ضد المرأة في اليمن بنحو 63% منذ بدء الصراع في اليمن

عدن-مازن فارس

“منذ سن مبكر وأنا أتعرض لأشكال مختلفة من العنف. مكتوب لنا نحن النساء نعاني ويبدو أن هذا قدرنا”؛ هكذا استهلّت رحمة* حديثها وهي تروي لنا قصّتها.

رحمة، هي فتاة يمنية من محافظة تعز وعمرها 27 عامًا، وهي واحدة من الفتيات اللواتي تعرّضن ويتعرّضن للعنف القائم على النوع الاجتماعي.

تُعرّف الأمم المتحدة العنف القائم على النوع بأنه ممارسات مهددة للحياة، وللصحة، وانتهاك لحقوق الإنسان، تتطلب توفير الحماية العاجلة للمتضررين.

نشأت رحمة في أسرة مُحافظة أقرب إلى التشدد، تحكمها العادات والتقاليد، تنظر للمرأة على أنها “خادمة” يستلزم عليها الطاعة والانقياد للأوامر دون رفض أو معارضة.

تقول رحمة إن معاناتها مع العنف بدأت وهي في سن 16 عامًا حين تلقت أول صفعة على وجهها تلتها ركلتين في الساقين من شقيقها الأكبر عندما رفضت الزواج برجل يكبرها بخمسة عشر عاما. 

“تلفَّظ عليّ بأبشع الألفاظ وضربني أكثر من مرة وهددني بالزواج قسرًا في تلك اليوم والتي تلتها” تتذكر رحمة.

كان لدى الرجل الذي تقدم لخطبتها مال وسيارة فارهة فهو يعمل في إحدى دول الخليج؛ كما تقول، ولهذا السبب كان الأخ الأكبر يضغط على شقيقته للقبول بالزواج، لكن محاولاته باءت بالفشل.

وتابعت حديثها “استمريت على موقفي وأضربت عن الأكل وهددتهم بالانتحار”.

لم يكن لديها وشقيقاتها الثلاث سوى الصمت، وتقبل الوضع، والطاعة خوفًا من تعرضهن للعنف.

توقفت رحمة عن التعليم في المرحلة الأخيرة من الإعدادية بعد أن منعها أخيها من مواصلة ذلك بحجة أنها “صارت شابة ويكفي أنها أصبحت قادرة على القراءة والكتابة”.

في إحدى ثورات غضب الأخ الأكبر أمسك بعصا غليظ. وكاد أن يهوي به على رأسها تستذكر رحمة.  وتقول “صرخت بكل صوتي خوفًا ثم تدخلت أمي فتركني”.

بنبرة حزينة تضيف “تحملتُ قساوة أخي لسنوات حتى تزوجت برجل يحترمني ويقدرني كثيرا”.

  وتشير إلى أن جهلها للثقافة القانونية و “الخوف المسيطر عليها” كما تصف، جعلها تتحمل العنف وتواجهه بالبكاء والبوح لصديقاتها المقربات للتنفيس عمّا بداخلها.

عنف بصور مختلفة

ابداء الرأي والخروج في رحلات مع صديقات الدراسة، مشاهدة المسلسلات، والحصول على هاتف تعد من المحرمات لدى والد هدى* الذي يتعامل مع أسرته بـ”تسلط وأسلوب صارم” كما تقول.

“الذكر في أسرتنا هو محور الارتكاز، فهو المسيطر والناهي ولا مجال لحضور المرأة أو تشجيعها مكانها المطبخ وتربية الأطفال” تضيف هدى البالغة من العمر 29 عامًا.

ذات مساء من صيف 2016 تقدّم لخطبتها رجلا وافق عليه والدها وحدد معه موعد الزفاف دون أن يأخذ مشورتها. تتذكر تلك اللحظات: “شعرت بالصدمة والخيبة حاولت أن أرفض الزواج لكنه تهجم عليّ وكاد يضربني”.

استسلمت هدى للأمر ثم تزوجت أملًا بأن تحظى بحياة خالية من العنف، “فقد كنت أتخيل أن الزواج سيمنحني حياة مختلفة كريمة مليئة بالحب والتقدير”. لكنها وجدت نفسها ضحية لعنف آخر.

بعد زواجها بعام بدأ الزوج بتعنيفها، تقول إن “تعامله معي أصبح حاد، يصرخ عليّ بأعلى صوته لأتفه الأسباب ويسخر مني ويناديني بالقزم عندما كنت أخبر أسرتي بذلك يقولون لي اصبري المرأة ماله الا زوجه”.

استمر زواجهما عامين ثم انفصلا عن بعضهما لا سيما عندما تطور “العنف اللفظي إلى عنف جنسي” حد تعبيرها، مشيرة إلى أن خوفها من الوصم المجتمعي وتقيّدها بالعادات الاجتماعية وعدم معرفتها بالسبل القانونية لإنصاف الضحايا جعلها عرضة للعنف أكثر من مرة وبصور مختلفة.

ولا يوجد تشريع خاص لمكافحة العنف الأسري أو الاغتصاب الزوجي في القانون اليمني.

في عام 2014 تم تحضير مشروع قانون خاص بمناهضة العنف ضد النساء والفتيات من قبل وزارة حقوق الإنسان اليمنية بالشراكة مع اللجنة الوطنية للمرأة وتم ورفعه إلى البرلمان، لكنه توقف العمل فيه بسبب الحرب.

زيادة أعداد الضحايا

منذ اندلاع الصراع في اليمن تزايد حالات الاغتصاب، والعنف المنزلي، والزواج القسري وزواج الأطفال، والإيذاء البدني والنفسي والصدمة، والكثير من أعمال العنف ضد النساء والفتيات مقارنة بما كان عليه الحال قبل الحرب.

تشير التقارير إلى أن العنف ضد المرأة في اليمن ازداد بنحو 63% منذ تصاعد الصراع، مما عرَّض 2.6 مليون امرأة لخطر العنف القائم على نوع الجنس.

يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان على تمكين النساء والفتيات من خلال مساحات آمنة وعيادات متنقلة في المناطق المتضررة، للوصول إلى خدمات الدعم النفسي والاجتماعي، وخلال 2019 قدّم الدعم في مجال الصحة العقلية لأكثر من 7 آلاف ناجية من العنف القائم على النوع الاجتماعي.

اجراءات حماية

ولحماية ضحايا العنف القائم على النوع يُقدّم اتحاد نساء اليمن (مؤسسة غير حكومية) الدعم القانوني والنفسي والصحي وخدمة الإيواء، بحسب ما أفادته مسؤولة دائرة التدريب والمشاريع بالاتحاد كريمة صالح. مؤكدة تزايد قضايا العنف القائم على النوع بسبب الوضع الحالي الذي تشهده البلاد.

وتشير صالح إلى أنه “في الشهر الواحد يتلقى الاتحاد ما بين 12 ـ 15 بلاغًا لحالات تعرضت للعنف الأسري فقط، ناهيك عن حالات العنف الجسدي والحرمان من الموارد والفرص”.

وذكرت أن لاتحاد نساء اليمن (تأسس عام 1990) دور إيواء في محافظات صنعاء وعدن وتعز وإب.

وتقسِّم أدبيات صندوق الأمم المتحدة للسكّان العنفَ القائم على النوع الاجتماعي إلى خمس فئات العنف الجسدي والجنسي والاقتصادي والنفسي/العاطفي بالإضافة إلى المُمارسات التقليديّة المؤذية مثل: الزواج المبكّر/زواج القاصرات، جرائم الشرف، الزواج الإجباري.

حلول مقترحة

في اليمن؛ يتم التعامل مع معظم حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي داخل نطاق الأسرة وحسب العرف، بدلاً من اللجوء إلى الجهات القضائية.

ويعزي المحامي صلاح أحمد غالب أسباب ذلك إلى “إجراءات التقاضي الطويلة بالإضافة إلى أن معظم الناس يرون أن عملية التقاضي في المحاكم مُعيبة. فيما بعض الأسر تتحفظ عن مثل هذه القضايا المتعلقة بالعنف القائم على النوع ولا تريد خروجها إلى العلن لاعتبارات تتعلق بالأعراف والتقاليد”.

ويرى غالب العنف القائم على النوع الاجتماعي بأنه “نتاج ثقافة دينية عرفيه تستحقر بعض الفئات من حيث الجنس أو المهنة أو المنطقة أو غيره واستمرار هذه الثقافة نتيجة غياب الوعي القانوني والانساني بشكل عام”.

كما يؤكد أن ثقافة المجتمع والسلطة تلعب دورًا أساسيًا في انتشار هذا العنف. مشيرًا إلى أن الدعم المناسب الذي تقدمه المنظمات لضحايا هذا النوع من العنف يتمثل بـ”توفر دعم بسيط عبارة عن برامج وقتيه غير مستدامة”.

ويضيف أن هناك منظمات محلية كاتحاد نساء اليمن يوفر دعم بشكل محدود في تقديم عون قانوني. ويقترح لهذه المشكلة حلًا مستقبليًا وهو قيام الدولة والمهتمين بإنشاء مراكز حماية قانونية لحماية هذه الفئات وانتاج ثقافة مغايرة.

*تنويه: أسماء الضحايا الواردة في المادة مستعارة للحماية

تم نشر هذه المادة بدعم من JDH/JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا

مقالات مشابهة