المشاهد نت

اليمن ..أضرحة ومساجد صوفية في مرمى الاستهداف 

تعز – محمد فرحان :

في أواسط شهر أغسطس/ آب الماضي، دمرت ألوية العمالقة ضريح عبدالرحمن بن عمر باداس في منطقة عرقة بساحل رضوم، وقبة بن عبدالصمد في منطقة رضوم جنوبي محافظة شبوة، حيث عمدت إلى تفجير المعلمين بشكل كامل وتسويتهما بالأرض.

وقبل ذلك بنحو شهرين، وتحديدا في الحادي عشر من يونيو/ حزيران، دُمّر مسجد النور في منطقة القطابا بمديرية الخوخة التابعة إداريا لمحافظة الحديدة بشكل كامل، ويعد من أقدم المساجد التاريخية في المديرية. وبحسب مصدر في السلطة المحلية بالمديرية، اشترط عدم ذكر اسمه لأسباب بسلامته، فإن قوات عسكرية تتبع لألوية العمالقة دمرت المسجد بشكل كامل بحجة إقامة البدع فيه، على حد تعبيره.

وألوية العمالقة، قوات ذات توجه سلفي، تأسست عام 2015 في منطقة الساحل الغربي باليمن، بدعم من الإمارات، وتشارك في عمليات التحالف العسكري الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين.

اليمن ..أضرحة ومساجد صوفية في مرمى الاستهداف 

ويرى الشيخ الصوفي فؤاد الأديمي أن تدمير الأضرحة أو منع الفعاليات الصوفية هو “موضوع قديم وجديد في نفس الوقت” مع ظهور الاتجاه الوهابي في الإسلام، حسب تعبيره، مضيفا أن بعض الوهابيين ينظرون إلى ما يقام من احتفالات صوفية على أنها مظاهر شركية تتنافى مع التوحيد الإسلامي.

ويشدد الأديمي على أن “الصوفية أكبر من هدم ضريح أو مسجد هنا أو هناك وهي امتداد طبيعي لروحية الإسلام”، مشيراً إلى أن فكر التكفير ضد الآخر يبدأ من خلال هدم الأضرحة والمساجد باعتبار ما يقام فيها شرك، موضحاً ذلك بقوله “إن خميرة فكر التكفير تبدأ من هذه الأعمال”.

من جانبه، ينفي الناطق باسم ألوية العمالقة وضاح الدبيش مسؤولية الألوية عن تدمير أضرحة ومساجد صوفية في منطقتي الخوخة والمخا، مضيفاً أن ما حدث من تدمير لمسجد قديم يتبع الصوفية شمال مدينة الخوخة كان بالخطأ، حسب تعبيره.

سنوات من الاستهداف

وعمليات استهداف الأضرحة والمساجد القديمة التي حدثت الصيف الماضي، ليست الأولى من نوعها، ففي عام 2018 هدمت ألوية العمالقة مسجد الفازة في مدينة زبيد بمحافظة الحديدة، والذي يعتبر واحداً من أهم المعالم التاريخية الدينية في اليمن.

وسبق أن تعرضت أضرحة لأولياء صوفيين أو مساجد تاريخية لاعتداءات مختلفة منذ اندلاع الحرب في اليمن قبل نحو ثماني سنوات، واتهمت الهيئة العامة للآثار والمتاحف في صنعاء التابعة لجماعة الحوثي، في رصد لها، ما أسمته بالجماعات المتشددة بالوقوف خلف هذه الاعتداءات، وحملتها مسؤولية تفجير عدة مساجد وأضرحة في عام 2015.

ففي سبتمبر/ أيلول من ذاك العام، دمر مسلحون سلفيون ضريح الإمام الحبيب محمد بن علوي الشاطري في منطقة المعلا بمدينة عدن.

وفي محافظة تعز، فجر مقاتلون سلفيون ضريح الإمام حاتم الأهدل في مدينة المخا عام 2017، علماً أن مديرية المظفر في المحافظة نفسها شهدت قبل ذلك بسنتين تدمير أجزاء من ضريح ومقام الإمام عبد الهادي السودي في حي الأشرفية، خلال الفترة التي شهدت سيطرة قوات سلفية مدعومة من الإمارات على تلك المنطقة.

أما في محافظة حضرموت، فدمر عناصر ينتمون لتنظيم القاعدة أضرحة ومساجد تاريخية مرتبطة بالصوفية، وذلك خلال سيطرة التنظيم على بعض مناطق ساحل حضرموت عام 2015. وشملت قائمة الأماكن المستهدفة ضريح الشيخ الفقيه مزاحم بن أحمد باجابر الأثري في منطقة بروم وقبة المحجوب وقبة مسجد بازرعة في مدينة المكلا.

نجيب درهم :أن هدم الأضرحة والمساجد التاريخية القديمة التي ترتبط بعلماء صوفيين لم يحدث إلا بعد أن ظهرت ما وصفها “بمناهج الدجل”

عناصر تتبع تنظيم القاعدة اتهمت كذلك بالوقوف خلف تدمير عدة مساجد وأضرحة صوفية في محافظة لحج، حيث دّمر عام 2015 في مدينة الحوطة عاصمة المحافظة ضريح الولي سفيان بن عبدالله ونبش قبره، وفي العام نفسه فُجر في مديرية تبن ضريح “ولي الله حسن البحر”، أحد رجال الدين الصوفيين.

ويؤكد نجيب درهم وهو من أتباع إحدى الطرق الصوفية لـ” المشاهد”، أن هدم الأضرحة والمساجد التاريخية القديمة التي ترتبط بعلماء صوفيين لم يحدث إلا بعد أن ظهرت ما وصفها “بمناهج الدجل”، والتي جعلت القباب والأضرحة “مسألة سياسية مغلفة بغطاء مذهبي تم استثمارها. لطمس التراث الإسلامي بشتى أنواعه وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية التي دمرت الواقع الإسلامي ولازالت”، على حد تعبيره.

مواقف رسمية

ويلفت وكيل وزارة الأوقاف في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا ناصر الحظري إلى أن الوزارة أصدرت عدة بيانات تدين تفجير وتدمير المساجد القديمة، مضيفاً أن وزارة الأوقاف تعمل حسب الإمكانيات المتاحة للحفاظ على المساجد التاريخية.

 ويؤكد الحظري في حديثه لـ” المشاهد” أن منع الاعتداءات على المساجد التاريخية القديمة يجب أن تقوم به الجهات الأمنية، في إشارة إلى وزارة الداخلية، من أجل “ضبط من يتسبب في إحداث هذه الاختلالات”، وفق تعبيره، ويردف أن وزارة الأوقاف ليست جهة أمنية تتولى الحماية لهذه الأماكن قبل الاعتداء عليها وضبط المعتدين بعد الاعتداء، معتبرًا أن وقف الاعتداءات على المساجد التاريخية القديمة يحتاج إلى جهود جميع الجهات الحكومية المختصة.

البعض قد يعتدي لباعث حقد على حقبة زمنية تاريخية معينة لما يمثله هذا المكان من رمزية لهذا التاريخ، والبعض يدفعه اعتقاد معين حول هذه الأماكن، والبعض يجهل بأهمية هذه الأماكن فيقوم بتجديدها دون المحافظة على طابعها التراثي،

وعن الأسباب التي جعلت من المساجد التاريخية والأضرحة هدفًا للتدمير والتفجير، يرى الحظري أن لكل اعتداء باعثًا، وأن التفسير الواقعي يحتاج إلى التحقيق في كل حادثة، ويشرح أن “البعض قد يعتدي لباعث حقد على حقبة زمنية تاريخية معينة لما يمثله هذا المكان من رمزية لهذا التاريخ، والبعض يدفعه اعتقاد معين حول هذه الأماكن، والبعض يجهل بأهمية هذه الأماكن فيقوم بتجديدها دون المحافظة على طابعها التراثي، والتحقيق في الدوافع من مهمة القضاء”.

إقرأ أيضاً  وفاة وإصابة 16 شخصًا بحادث مروري في ريمة

ويعرب المسؤول في وزارة الأوقاف عن اعتقاده أن الاعتداءات على المساجد التاريخية ليست استهدافًا للصوفية في اليمن، مستشهداً بحوادث اعتداء على بعض المساجد التي لا تتبع لأي من الطرق الصوفية.

اليمن ..أضرحة ومساجد صوفية في مرمى الاستهداف 

بدوره، يرى الباحث في التاريخ والأستاذ في كلية التربية بجامعة صنعاء أحمد سعيد ناصر في حديثه لـ” المشاهد” أن من يقوم باستهداف المساجد والأضرحة التاريخية “يحاول طمس جزء من التاريخ والتراث الثقافي”، مشدداً على أن ذلك “بالغ الخطورة على الحضارة الإنسانية، وتجريف للموروث الثقافي العربي الإسلامي”، حسب تعبيره. ويضيف أن فكرة تدمير الأضرحة برزت مع ظهور الدعوة الوهابية في شبه الجزيرة العربية.

ويصف ناصر ما يحصل من تدمير للأضرحة والمساجد التي ترتبط بالصوفية بالبلاد على “تدمير حضاري للمجتمع”، مشدداً على ضرورة “توعية المجتمع بشأن الأفكار المغلوطة، التي تحولت إلى أدوات للتدمير واستسهال الهدم”.

ويتهم الأستاذ الجامعي بعض الفرق الدينية السلفية بالتحامل على الدور الحضاري والدعوي لأهل التصوف في اليمن، وطالبها بإجراء “مراجعة فكرية” وإيقاف ما تقوم به من تدمير لأماكن ترتبط بالدور الحقيقي للصوفية في اليمن في الجانب العلمي والعمراني حيث تمثل بعض الأماكن التي تم تدميرها إرثًا حضاريًا يوضح تطور الفن المعماري، مضيفاً أنها “ملك للمجتمع والتعدي عليها يعد طمسًا لمعالم حضارية مهمة”.

انتهاكات أخرى

استهداف الوجود الصوفي في الفضاء العام لم يقتصر على العمران، إذ اختفت إلى حد كبير

 مظاهر الاحتفال بعدد من المناسبات الدينية التي اعتاد الصوفيون إحياءها، وخصوصاً في المناطق التي يوجد فيها سيطرة أو نفوذ للسلفيين في عدة محافظات ومناطق مثل تعز وعدن ولحج والضالع، والأجزاء الجنوبية من محافظة الحديدة كمديريتي حيس والخوخة.

 ومن الطقوس والمناسبات التي تراجع الاحتفاء بها “الرجبية”، وتقام بتاريخ 27 رجب وفق التقويم الهجري الإسلامي للاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، والاحتفال بالمولد النبوي في الثاني عشر من ربيع الأول، وما يسمى “بالشعبانية” وتقام في 15 من شهر شعبان من كل عام ويعتبره الصوفيون يوماً مباركاً، وكذلك الاحتفال بأول جمعة في شهر رجب وهو ما يعتبر تقليدياً تاريخ دخول الإسلام إلى اليمن، حيث كان من المعتاد إقامة الاحتفال في مسجد معاذ بن جبل في منطقة الجند شرق مدينة تعز.

ومن الاحتفالات الصوفية الأخرى، ما درج على إقامته سنوياً في منطقة يفرس بمديرية المعافر غرب مدينة تعز، وهو موقع مسجد وضريح أحد أشهر علماء الصوفية في اليمن الشيخ الشاعر والعالم الصوفي أحمد بن علوان، ويتم الاحتفال بما يسمى “الجماعي” حيث يحتشد المئات سنوياً في الثالث والعشرين من شهر رجب، لإحياء ذكرى مولد بن علوان ويؤدون المدائح ويتزينون بأفضل الملابس وتجهز موائد الطعام.

اليمن ..أضرحة ومساجد صوفية في مرمى الاستهداف 

ويؤكد سكان محليون أن كل الاحتفالات التي كان تقام في مساجد مرتبطة بالطرق الصوفية اختفت في المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات العمالقة، وتحديداً في مناطق الساحل الغربي لمحافظة تعز، بما يشمل المخا والوزاعية وباب المندب وموزع، بالإضافة إلى مديريتي الخوخة وحيس جنوبي محافظة الحديدة.

 الباحث في رابطة التربية الإسلامية، وهي مؤسسة ذات توجه صوفي في مدينة عدن، صافي العيدروس يعرب عن اعتقاده أن “ما تقوم به الجماعات السلفية من تفجير المقامات وأضرحة علماء الصوفية والأولياء ومنع الاحتفالات بالمناسبات الدينية ليس بالجديد إذ يُعد ذلك من أساسيات منهجهم وهو نبذ الآخر”، ويشدد في حديثه لـ” المشاهد” على ضرورة “إيقاف تلك الجماعات المتطرفة عند حدها، وتصحيح المفاهيم المغلوطة حول أتباع الصوفية في اليمن والذين ينأون عن الفتن والصراعات المذهبية المقيتة”.

مقالات مشابهة