المشاهد نت

التفكك الأسري يزيد “العنف الجنسي” ضد الأطفال

مسئولية الأسرة متابعة الأطفال وحمايتهم أين ما كانوا-تصوير تي زاهيف- آي ستوك فوتو

صنعاء – نجوى حسن

“كنت أشتغل مع شخص صاحب باص في منطقة تعز الحوبان، وخدعني بوعود كاذبة بإعطائي سيارة، علمني كل شيء مثل القات وشرب السجائر، وقام باغتصابي، وفر هاربًا إلى عدن”.

هكذا بدأ الطفل فادي (اسم مستعار)، البالغ من العمر 15 سنة، من محافظة إب، الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، حديثه لـ”المشاهد”.

عاش فادي حياة صعبة للغاية، وظل في التنقل بين كل من إب إلى محافظة صنعاء، وصولًا إلى تعز.

فادي يتيم الأب، وأجبرته الظروف على الخروج إلى العمل بعد أن طرده عمه (زوج أمه) من البيت، قبل ثلاث سنوات.

تعرض فادي للاغتصاب تسع مرات قبل سنتين، من رجال في مناطق عدة شملت تعز، صنعاء، ذمار وإب.

“كنت أعيش مع أمي، ولكن عمي طردني، وخرجت أبحث عن العمل في محافظة إب، وتعرضت للاغتصاب في أحد الجبال المجاورة لمنطقتي في محافظة إب، وكذلك في صنعاء وتعز، وذمار”.

حاول فادي الصراخ والاستنجاد بأي أحد لإنقاذه أثناء اغتصابه، لكن دون جدوى، وتعرض لتهديد من قبل المغتصبين بالسجن، وشعر بالألم النفسي والجسدي، وتأثرت حياته بعد كل ما حدث له من اغتصاب وتشريد وحبس في دار الأحداث بمحافظة إب، والعيش بعيدًا عن والدته.

وعبر بصوت حزين: “بلغت أهلي عن أول اغتصاب، لكن عمي طردني مباشرة من المنزل، وبسبب التشرد، تم حبسي في دار الأحداث في محافظة إب، وتم تحويلي إلى دار الأيتام”.

غياب رب الأسرة

يتعرض الكثير من الأطفال إلى الاغتصاب، وتعد هذه الظاهرة منتشرة، خصوصًا في السنوات الأخيرة، ومع غياب الأمن والوعى لدى الأفراد بجرائم الاغتصاب، في ظل انهيار الوضع الاقتصادي المعيشي بسبب الحرب، حسب مسؤول أمني في تعز، طلب عدم نشر اسمه؛ لحساسية الموضوع.

يتحدث الناشط الحقوقي بمحافظة تعز، المحامي نور الدين المنصوري، لـ”المشاهد”، عن أن “الحرب هي التي ساعدت على لنتشار ظاهرة اغتصاب الأطفال الذين أجبرتهم أسرهم على العمل بسبب انقطاع المرتبات، وانعدام فرص العمل، وبخاصة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، والتفكك الأسري يعتبر أحد أسباب تعرضهم للعنف والاغتصاب”.

وفي السياق ذاته، يؤكد مصدر الأمني أن أغلب الحالات التي وصلت إليهم خلال العام الماضي، هي “بسبب التفكك الأسرى، أو غياب رب الأسرة عن مسؤولية متابعة وتقييم أبنائهم، بسبب انشغالاتهم في البحث عن لقمه العيش”.

ويتابع أن “ظاهرة الاغتصاب أغلبها تأتي من أصحاب السوء، أو عن طريق شبكات منظمة ترتكب جرائم اغتصاب الأطفال، والغرض منها بيع الصور والفيديوهات بمبالغ مالية مغرية”.

ويقول: “يتم اغتصاب الأطفال عن طريق إجبارهم بالقوة وليس برضاهم، والبعض الآخر بسبب قلة الوعي، وعدم وجود وازع ديني أن الاغتصاب محرم في الدين الإسلامي”.

ويعتقد المصدر أن “الهواتف الذكية المتداولة بين أيدي الأطفال، هي السبب الرئيسي في قيام البعض باغتصابهم، والبعض الآخر وقع ضحية، بسبب المواقع الإباحية، بالإضافة إلى غياب دور رقابة الأسرة على أبنائهم خارج المنزل وداخله”.

وصلت نسبة جرائم اغتصاب الأطفال في محافظة تعز، خلال العام الماضي، إلى 20% من إجمالي الجرائم، أما عن الضحايا فلا توجد إحصائيات رسمية لليمن بشكل عام، بسبب خوف الأهالي من الوصم المجتمعي، بحسب المصدر الأمني.

إقرأ أيضاً  الطاقة الشمسية تعزز صمود مزارعي اليمن

في ديسمبر 2022 قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” إن 11 ألف طفل في اليمن قتلوا أو شوهوا منذ بدء الصراع في مطلع 2015.

وأضافت المنظمة أن 49 طفلًا في اليمن تعرضوا للعنف الجنسي المرتبط بالنزاع، منهم 29 صبيًا و18 فتاة.

وفي هذا الشأن، تقوم منظمة سياج لحماية الطفولة (منظمة محلية غير حكومية) بتلقي البلاغات عن الجرائم الجسيمة بحق الطفولة. ويقول رئيس منظمة سياج أحمد القرشي، لـ”المشاهد”: “نقوم بالتحقق من البلاغات، نرصدها، وندرس احتياجات القضية، بالإضافة إلى تقديم الاستشارات القانونية، وكذلك المناصرة والتنسيق مع المحامين أو المؤسسات الحقوقية في منطقة الضحية إن وجدت، من أجل تقديم الدعم النفسي”.

ويضيف القرشي: “تواجهنا مشاكل عديدة تحد من قدرتنا على الحماية بسبب انعدام التمويل الدولي، وندرة البلاغات نظرًا لخوف المجتمع من الفضيحة نتيجة تدني الوعي، والدور السلبي لكثير من وسائل الإعلام ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي”.

وبحسب القرشي، فإن البلاغات التي تلقتها منظمة سياج تفيد بتعرض الأطفال للعنف والاستغلال، بما في ذلك من المحارم والأقارب للضحايا. مضيفًا أن بعض الضحايا وذويهم تعرضوا للابتزاز على خلفية استغلالهم جنسيًا.

غياب الوعي بالقانون

كثير من مرتكبي جرائم الاغتصاب ضد الأطفال، ليس لديهم الوعي بالعواقب التي تترتب عليهم، البعض منهم ليس لديهم أي حس بالذنب أو الندم، ويتحدثون ببجاحة عما ارتكبوه من جرائم ضد الأطفال، خصوصًا ممن تعرضوا للتفكك الأسري.

“ومتى سقط الحد الشرعي لسبب من الأسباب المقررة، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سبع سنين كل من اعتدى بالاغتصاب على أي شخص ذكرًا كان أو أنثى بدون رضاه”، حسب المادة 269 من قانون الجرائم والعقوبات في اليمن.

“وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على عشر سنين إذا ارتكب الجريمة شخصان فأكثرأو كان الجاني من المتولين الإشراف على المجني عليه أو حمايته أو تربيته أو حراسته أو معالجته أو أصيب المجني عليه بسبب الحادث بضرر جسيم في بدنه أو صحته أو حملت المجني عليها بسبب الجريمة”، حسب المادة نفسها من قانون الجرائم والعقوبات.

“وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تتجاوز خمس عشرة سنة إذا كان سن المجني عليها لم تبلغ الرابعة عشرة أو تسبب عن الفعل انتحار المجني عليها”، حسب المصدر السابق.

كتير من أسر الضحايا ليس لديها الوعي الكافي بالقانون ومعاقبة كل من يقدم على ارتكاب جرائم اغتصاب أطفالهم، فتتم معالجة هذه القضايا بالصمت، أو معالجتها بطريقة سرية، وعدم الإبلاغ عنها خشية الوصم المجتمعي.

يقول المنصوري: “يتم التكتم عن هذه الجرائم خشية تشويه سمعة الطفل المغتصب، وبخاصة في المجتمع اليمني، نتيجة العادات والتقاليد، والوصم بالعار إذا تعرض أي طفل للاغتصاب”.

مقالات مشابهة