المشاهد نت

مشقة الحصول على شقة إيجار في تعز

وقفة احتجاجية منددة بإرتفاع إجار المساكن بتعز-يناير 2023-تصوير حمدان البكاري

تعز- حمدان البكاري

محمد عبده، 30 عامًا، معلم تربوي في تعز، يحلم أن يعيش مع أسرته تحت سقف واحد. ولتحقيق هذا الحلم، سعى كثيرًا وحاول مرارًا للحصول على شقة إيجار في مدينة تعز، لكن كل محاولاته باءت بالفشل.

“بحثت عن شقة في العديد من الأحياء لأستأجرها لأسرتي المكونة من خمسة أفراد، منذ أشهر، ولم أحصل على شقة مناسبة”. بهذه الكلمات يشرح عبده لـ”المشاهد” حكاية معاناته في مسيرة البحث عن شقة في مدينة تعز.

يعمل محمد عبده في الصباح معلمًا في مدرسة أهلية بمدينة تعز، ويتقاضى مقابل عمله 40 ألف ريال، ما يعادل 32 دولارًا، وفي المساء ينظم دورات تعليمية مع العديد من المعاهد المتواجدة في المدينة، ويتسلم إزاء ذلك ٢٠ ألف ريال في الدورة التعليمية الواحدة.

استئجار شقة أو بيت ليس أمرًا يسيرًا في مدينة تعز، بل تجربة قاسية يعاني منها الآلاف من السكان في مدينة تعز، في ظل تدني مستوى الدخل، وضآلة فرص العمل، وتدني الأجور وغلاء المعيشة.

بدت ملامح الحسرة على عبده، وهو يقول: “أسرتي تعيش غربي ريف تعز، وأنا أعيش متنقلًا عند بعض الأهالي والأصدقاء في المدينة، ومازلت أبحث عن شقة يكون إيجارها مناسبًا لدخلي لكي أنقل أسرتي للعيش معي في المدينة. لكن للأسف رغم البحث الطويل لم أجد حتى اليوم”.

شروط تعجيزية

منذ بداية الحرب دأب ملاك المنازل على فرض مبلغ يعادل إيجار شهرين تحت ما يسمى مبلغ ضمان سلامة السكن، ويبقى ذلك المبلغ مع مالك المنزل. في حال تم الاتفاق بين المالك والمستأجر، يدفع الأخير إيجار شهرين أو أكثر مقدمًا، وبعض ملاك المنازل يطلبون أيضًا تقديم ضمانة تجارية مقابل السكن.

أركان يوسف، واحد ممن واجهوا شروطًا تعجيزية جعلته يتذمر من تعامل ملاك العمارات، فمنذ خمسة أشهر لم يحصل على شقة بحيث يكون إيجارها يناسب دخله المعيشي.

يتحدث يوسف لـ”المشاهد” قائلًا: “وجدت بعض الشقق بأسعار مرتفعة جدًا ما بين مائة ومائة وخمسين ألف ريال، مع شرط دفع مقابل أربعة أشهر إيجارًا كضمانة، بالإضافة إلى ثلاثة أشهر إيجار مقدمًا”.

تبدو تلك الشروط عادية، ومتعارفًا عليها، لكن الضمانة التجارية كانت شرطًا مزعجًا ومتوقعًا. يقول يوسف: “العجيب جدًا وما جعلني أنصدم هو اشتراط مالك المنزل تقديم ضمانة تجارية، وألا يتجاوز أفراد الأسرة خمسة أشخاص، ويفضل أن تكون الأسرة صغيرة، وعدم كثرة الزيارات من الأهل والأصدقاء”.

النزوح وعودة المغتربين

خلال الأشهر الأخيرة ارتفع أسعار السكن في المدينة إلى حد كبير، إذ وصل سعر استئجار شقة مكونة من ثلاث غرف ومطبخ وحمامين إلى أكثر من ١٢٠ ألف ريال.

وذهب كثير من ملاك المنازل إلى إبلاغ المستأجرين برفع سعر السكن بشكل مضاعف عما كان عليه أو الخروج وإفراغ السكن خلال فترة زمنية محددة. يضطر البعض من المستأجرين إلى الموافقة على السعر الجديد، بينما يضطر البعض للخروج من السكن والذهاب إلى سكن في حي آخر للعثور على شقة تناسب دخلهم المعيشي. في الوقت الحاضر، بعض مالكي المنازل يطلبون الإيجار بالريال السعودي.

فرت العديد من الأسر من المناطق التي تعرضت لمواجهات مسلحة، وتوجهت نحو مدينة تعز، وعاد بعض المغتربين للاستقرار في المدينة، وبدأت العديد من المنظمات العمل من مدينة تعز، الأمر الذي تسبب في زيادة الطلب على المساكن بالتزامن مع قلة العرض.

إقرأ أيضاً  عدن تحتفي بيوم المسرح العالمي

يقول منصور السامعي، مدير مكتب إيجار عقارات في حي المسبح وسط المدينة، إن “سعر أصغر شقة مكونة من غرفتين وحمامين يترواح بين ٨٠ ألفًا و١٠٠ ألف ريال، بينما كان إيجارها قبل الحرب يتراوح ما بين ١٥ و٢٠ ألفًا، ويعتمد مالك المنزل في تحديد سعر الإيجار وفقًا لنظافة الحارة والعمارة وموقع الحي. اليوم هناك أحياء حديثة التأسيس، لكن لا تجد فيها شقة بسبب إقبال الناس عليها، وإن توفرت ستجد سعرها مرتفع جدًا”.

ويضيف السامعي، في حديثه لـ”المشاهد”: “زاد عدد السكان، وتوافد الناس والنازحون إلى المدينة، وباتت الشقق غير متوفرة ومنعدمة في المناطق الآمنة، في ظل الحرب والحصار والدمار في الأحياء، ولهذه الأسباب أصبح الطلب أكثر من العرض”.

مالكو المنازل يبررون أن رفع الإيجار مرتبط بارتفاع تكاليف المعيشة وغلاء الأسعار وتدهور قيمة العملة اليمنية.

قرارات غير مجدية

في يناير الماضي نفّذ عدد من المواطنين وقفات احتجاجية أمام مبنى المحافظة بتعز، للمطالبة بحماية السكان من ظلم مالكي للمنازل. لكن تظل السلطات غير قادرة على إنهاء هذه المأساة أو التخفيف منها.

بالرغم صدور قرارات رسمية للحد من معاناة المستأجرين، إلا أن تطبيق تلك القرارات لم يحدث بعد. في ٢٢ نوفمبر،٢٠٢١، أصدر محافظ تعز قرارًا لضبط مسألة الإيجارات، قضى بإبقاء عقود الإيجار الخاصة بالسكن سارية المفعول كما هي عليه، على أن تمدد تلقائيًا بنفس القيمة بدون أية زيادة في السعر، نظرًا للظروف الاستثنائية التي تعيشها تعز في ظل حصار وحرب الحوثي.

وفي ما يتعلق بالعقود الجديدة للعقار المعد للسكن، قضى القرار بأن يتم تحديد معايير وضوابط للقيمة الإيجارية وإبقاء عملة الإيجار بالريال اليمني.

رئيس محكمة استئناف المحافظة هو الآخر أصدر تعميمًا لرؤساء المحاكم الابتدائية في عام ٢٠٢٠، بعدم قبول دعاوى الإخلاء في قضايا الإيجارات، ووضع نسبة معقولة لرفع الإيجارات بما يتناسب مع الظروف الحالية. لكن كل تلك القرارات لم تلقَ استجابة من ملاك عقارات السكن، ولم تغيّر شيئًا في حياة المستأجرين.

المحامي والمستشار القانوني مبارك بجاش، رئيس مبادرة “اعرف حقك وقانونك”، يقول: “إن قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر النافذ رقم ٢٢ لسنة ٢٠٠٦، لم يحط العلاقة التعاقدية بالضمانة والحماية الكافية، وبالأخص في مثل هذه الظروف الاستثنائية.

ويضيف بجاش لـ”المشاهد”: “لذلك تم تعديل قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر في صنعاء، بينما في تعز نجد أن التعديلات والقرارات والتعميمات التي صدرت من المحافظ ورئيس محكمة الاستئناف ظلت حبرًا على ورق، ولم تحل المشكلة، بل كثرت النزاعات بين المؤجرين والمستأجرين، وارتفعت الإيجارات بشكل مبالغ فيه”.

ويحث بجاش الجهات المعنية على القيام بواجباتها الدستورية والقانونية لإيجاد حلول عادلة ومنصفة للجميع، ويدعو القضاء إلى تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر لكي تُحل الكثير من المنازعات دون ضرر أو ضرار.

مقالات مشابهة