المشاهد نت

مبادرة تعليم الرياضيات للطلاب في رمضان

مبادرة معلم رياضيات تقديم دورس مجانية للطلاب في رمضان-تصوير ياسر الجابري

صنعاء – ياسر الجابري

في إحدى زوايا مسجد “عمار بن ياسر” بصنعاء، وقف معلم الرياضيات مشتاق الخولاني أمام سبورة خشبية وحوله 25 إلى 30 طالبًا، لشرح عدد من المسائل وحل بعض التمارين في هذه المادة العلمية.

يستغل الخولاني، 30 عامًا، شهر رمضان لمساعدة الطلاب على فهم واستيعاب هذه المادة التي تشكل كابوسًا لعدد كبير من الطلاب والطالبات في اليمن. يجلس الطلاب ما بين صلاتي الظهر والعصر بجوار الخولاني في أيام رمضان، ويبدون حماسًا كبيرًا في متابعة ما يشرح ويكتب على السبورة، وتصوير ذلك بهواتفهم حتى يسهل لهم المراجعة في منازلهم.

منذ نحو 12 عامًا، يدرّس الخولاني مادة الرياضيات للعشرات من الطلاب في المسجد خلال شهر رمضان، كمبادرة شخصية منه لتأهيل أبناء حارته، بشارع تعز، وسط العاصمة اليمنية صنعاء.

بالرغم من أن الخولاني يحمل بكالوريوس صيدلة، إلا أنه يعمل مدرسًا لمادة الرياضيات في ثانوية الشعب بأمانة العاصمة، منذ 2016، وبدأ تدريس تلك المادة كهواية بعد تخرجه من الثانوية العام 2008/2009، إذ كان حينها أحد أوائل محافظة إب.

زكاة العلم

يقول الخولاني لـ”المشاهد”: “يتم توزيع الطلاب على مجموعتين، تبدأ المجموعة الأولى بعد صلاة الظهر وحتى صلاة العصر، وهي خاصة لطلاب الصف الثالث الثانوي، والمجموعة الثانية مخصصة لطلاب الصف التاسع، وتبدأ من الساعة الرابعة وحتى الخامسة والنصف عصرًا يوميًا”.

قبل الظهر، وتحديدًا الساعة العاشرة والنصف صباحًا، يقوم الخولاني بتدريس عدد من طالبات الصف التاسع والثالث الثانوي، في مجموعتين، خارج المسجد.

يعتقد الخولاني أن هذه المبادرة “زكاة العلم” الذي يحمله، كون زكاة العلم تعليمه، وهذا ما يدفعه للمواظبة على مواصلة تأهيل الطلاب بشكل سنوي. ويشير إلى أحد الطلاب الحاضرين ويقول: “أدرّس هذا الطالب في هذا المسجد منذ كان في الصف السادس، والآن هو في الصف الثالث الثانوي”.

لا يقتصر عمله على الشرح والإلقاء فقط، بل يقوم بتقييم الطلاب، من خلال إعداد التمارين، وحث الطلاب على حلها أثناء الدرس أو في المنزل، ومتابعتها في اليوم التالي لكي يقيس مدى فهم الطلاب واستيعابهم للمادة.

تراجع الإقبال على التخصصات العلمية

تشهد عدد من مدارس أمانة العاصمة صنعاء نقصًا كبيرًا في مدرسي المواد العلمية، خصوصًا مع استمرار الحرب التي تشهدها البلاد منذ ثماني سنوات، وانقطاع مرتبات الموظفين، وتحديدًا في المدارس الحكومية.

العديد من المدارس الحكومية تلجأ إلى الاستعانة بطلاب الجامعات من الجنسين للتدريس، لكن مشكلة أخرى تستمر في الاتساع. إقبال الطلاب اليمنيين على دراسة المواد التربوية في الجامعة، لا سيما المواد العلمية، يتراجع باستمرار، الأمر الذي يشكل تحديًا جديدًا للقطاع التربوي في اليمن. ويعزو الخولاني هذه الظاهرة إلى قلة فرص العمل، وضعف المرتبات.

إقرأ أيضاً  ما حقيقة صور تشييع جنازة الزنداني في تركيا؟

طالب وزير التعليم العالي في حكومة “أنصار الله” (الحوثيين)، السبت الماضي، الجامعات الحكومية بإعداد دراسات حول أسباب عزوف الطلاب عن الالتحاق في برامج الرياضيات والفيزياء والكيمياء والزراعة، ووضع حلول ومعالجات محفزة للطلاب للالتحاق بهذه البرامج العلمية، وفقا لوكالة سبأ (صنعاء).

لم يعد العزوف عن تخصصات علمية كالرياضيات ظاهرة يمنية فقط، بل أصبحت العديد من الدول العربية تعاني من المشكلة ذاتها. تتشابه الأسباب وراء هذا العزوف عن الالتحاق بهذه التخصصات رغم أهميتها.

العزوف عن المواد العلمية

صعوبة المنهج وغياب أو ضعف المكافآت، هي الأسباب التي تدفع الطلاب للعزوف عن الالتحاق بالتخصصات العلمية مثل الرياضيات وغيرها، بحسب الباحث التربوي فيصل الرعيني.

يضيف الرعيني لـ”المشاهد”: “هنالك ندرة في الوسائل التعليمية الحديثة، وقلة في البرامج الإرشادية لتعريف الطلبة باحتياجات المجتمع اليمني للتخصصات العلمية، ناهيك عن عدم وجود معامل مدرسية مُجهّزة بشكل جيد؛ لجذب اهتمام الطلبة بهذه التخصصات”.

يرى الطالب محمد عبدالله، 20 عامًا، سنة أولى جامعة، تخصص علوم حاسوب، أن عزوف الطلاب عن الالتحاق في التخصصات العلمية يعود لسببين، أحدهما متعلق بالطالب، والآخر بالمعلم.

ويوضح عبدالله لـ”المشاهد” أن لدى الكثير من الطلاب والطالبات اليمنيين تصورًا مسبقًا أن مادة الرياضيات والمواد العلمية صعبة، وليست مفهومة، فتظل هذه الصورة مرسومة في أذهان الطالب من الصفوف الابتدائية وحتى الثانوية والجامعة، وهذا هو السبب الأول.

السبب الثاني يعود لمعلمي الرياضيات وبقية المواد العلمية، إذ لا يوظف المعلمون أية وسائل تربوية تسهم في تبسيط المادة العلمية للطالب، فيعزز هذا الأمر الصورة الذهنية لدى الطلاب أن هذه المواد صعبة الفهم، الأمر الذي يخلق فجوة بين المعلم والطالب، وبين الطالب والمادة.

الأستاذ ريدان، معلم رياضيات في العاصمة صنعاء، يرى أن ضعف التدريس والاستيعاب لمادة الرياضيات في الصفوف المدرسية الأولى، هو السبب وراء عزوف الطلاب عن هذه المادة.

يقول ريدان لـ”المشاهد” إن معلمي الرياضيات في المراحل للدراسة يفشلون في التواصل مع الطلاب في الصفوف الأولى، ولا يختارون الاستراتيجيات المناسبة لهذه السن، ولهذا تتطور الصعوبة من مرحلة إلى مرحلة، ثم يصل الطالب إلى الجامعة وهو غير راغب بهذه المادة تحديدًا.

لا يريد الخولاني أن تستمر ظاهرة عزوف الطلاب عن مادة الرياضيات، ويعمل بحماس على تبسيط هذه المادة للعشرات من الطلاب في أمانة العاصمة، ويتخذ من شهر رمضان والإجازة الصيفية فرصة لتحقيق ذلك في ظل الحرب التي سلبت المدرسين الرغبة في التدريس، وسلبت الطلاب الرغبة في التعلم.

مقالات مشابهة