المشاهد نت

صنعاء..انحسار المساعدات الغذائية في رمضان

توزيع مساعدات غذائية في صنعاء-21 مايو 2017-منظمة ساند للإغاثة والتنمية

صنعاء – محمد النمر

تجلس سمر علي، 30 عامًا، على رصيف الشارع في منطقة الدائري بصنعاء، وتقضي ساعات طويلة في ذلك المكان لعلها تجمع القليل من المال. خياطة الأحذية الجلدية هي المهنة التي تعمل بها سمر، لإعالة أطفالها الأربعة.

تعيش سمر حياة قاسية طوال العام، لكن الحياة تبدو أقسى في شهر رمضان في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تشهدها البلاد. تقول لـ”المشاهد”: “كان المنزل فارغًا عند دخول رمضان، ولم يكن لدي أنا وأطفالي سوى الماء، ولم أمتلك حتى كيلو دقيق أو سكر أو أرز في البيت، وكانت وجبة الإفطار تأتيني من الجيران”.

تضاءلت المساعدات الخيرية التي يستفيد منها الفقراء في شهر رمضان، بالتزامن مع ارتفاع عدد المحتاجين، واستمرار القيود التي تفرضها السلطات في صنعاء على موزعي المساعدات الإنسانية. كان شهر رمضان في الماضي فرصة للتخفيف من جوع الفقراء، لكنه اليوم لم يعد كذلك.

تقول سمر: “بعض الأيام في رمضان الحالي، لا أحصل على دخل من هذا العمل (خياطة الأحذية)، ولا يعطيني الجيران وجبة الإفطار، فأضطر للذهاب إلى الجوامع والمحلات التجارية لجلب ما نسد به جوعنا”.

منذ اندلاع الصراع العسكري في اليمن عام 2015، تضاعفت معدلات الفقر، إذ يعاني نحو 80% من السكان للحصول على الغذاء، ومياه الشرب والخدمات الطبية الكافية، بحسب صفحة صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن في فبراير الماضي. تقول الأمم المتحدة أن اليمن ستتحول  إلى بؤرة صراع ومعاناة ممتدة في حال استمرت الحرب في السنوات القادمة.

مواطن في صنعاء، يقول لـ”المشاهد”: “لي أكثر من خمس سنوات قاطن في هذا الحارة، ولم تصلني أية مساعدات. الغلاء والفساد يطحن البلاد، ونحن على حافة الفقر، بينما المساعدات يتم الاستحواذ عليها من قبل المسؤولين، وبعض الأحيان توزع عن طريق المحاصصة والقرابة، لا نعلم إلى أين ذهبت، ولا كيف وُزعت”.

سمر وأطفالها مثال واحد لملايين الأسر التي تعاني من الفقر وارتفاع الأسعار والجوع. في نهار رمضان، تصوم سمر وأطفالها بالرغم من أن الصيام ليس واجبًا على الأطفال في هذه السن. تقول سمر: “هؤلاء الأطفال يصومون مثلي لأنهم لا يجدون ما يسد جوعهم في نهار رمضان”.

أم أمير، 40 عامًا، تعيش في منطقة سعوان بصنعاء، وتسكن مع أطفالها في منزل متهالك وغير آمن. منذ أن أصيب زوجها بحالة نفسية، أصبحت أم أمير مسؤولة عن نفسها وأطفالها، ولاتزال هذه الأسرة تشبع أحيانًا وتجوع مرارًا.

رمضان، بالنسبة لها، كان مناسبة للحصول على المساعدات الإنسانية، لكنها تتحسر أنها لا تحصل هذا العام على المساعدات التي قد تخفف من بؤسها.

تقول أم أمير لـ”المشاهد”: “ننتظر رمضان من السنة إلى السنة، للحصول على سلة غذائية كمساعدة رمضانية، هذا العام انقطعت المساعدة بسبب تدخّل نافذين. في الأعوام السابقة كانت هناك هبات من رجال الخير، لكنها توقفت، وهذا أجبرنا على دفع الأولاد للتسول والعمل في جمع وبيع الكراتين والعلب البلاستيكية”.

تدهورت الحالة المعيشة لملايين اليمنيين، وزادت معدلات الفقر، وتوقفت رواتب الموظفين في القطاع الحكومي بسبب الحرب الدائرة في البلاد، حيث تقول الأمم المتحدة إن 21.6 مليون شخص في اليمن بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية في 2023.

إقرأ أيضاً  شركات ترفض البطاقة الشخصية "الذكية" في مناطق سيطرة الحكومة

استحواذ على المساعدات 

توزيع التمور والمواد الغذائية من قِبل التجار في رمضان بصنعاء، ظل أمرًا مألوفًا في السنوات الماضية، وبدأ في التلاشي مؤخرًا.

سامي ناجي، مواطن في صنعاء، يقول لـ”المشاهد”: “لي أكثر من خمس سنوات قاطن في هذا الحارة، ولم تصلني أية مساعدات. الغلاء والفساد يطحن البلاد، ونحن على حافة الفقر، بينما المساعدات يتم الاستحواذ عليها من قبل المسؤولين، وبعض الأحيان توزع عن طريق المحاصصة والقرابة، لا نعلم إلى أين ذهبت، ولا كيف وُزعت”.

يزداد جشع التجار لحصد أرباح كبيرة في شهر رمضان من كل عام، وترتفع الأسعار، لا سيما أسعار المواد الغذائية والملابس، الأمر الذي يفاقم معاناة المواطنين المعيشية.

أم أحمد، 40 عامًا، تقول لـ”المشاهد”: جئت هنا لأشتري احتياجات رمضان، ووجدت أن الأسعار مرتفعة. سعر الدقيق الأبيض، 50 كيلو، يصل إلى 17 ألفًا، و5 لترات من زيت الطبخ يصل سعره إلى 5 آلاف ريال”.

تضيف أم أحمد: “الحياة صعبة جدًا في هذه الظروف، وبالكاد الشخص يقدر يوفر قيمة لقمته. دائمًا نصطدم بجنون الأسعار بحلول رمضان، وتضيع علينا الفرحة باستقبال هذا الشهر”.

عبدالله الضاعني، مدير عام حماية المستهلك في وزارة التجارة والصناعة في صنعاء، يقول لـ”المشاهد”: لايزال هناك تلاعب داخل الأسواق المحلية، حيث إن بعض التجار الخارجين عن نطاق القانون التجاري يعتبرون شهر رمضان فرصة مناسبة لزيادة أرباحهم.

تقوم وزارة التجارة في صنعاء بمراقبة الأسواق والمحلات التجارية لمواجهة المتلاعبين بالأسعار، خصوصًا في شهر رمضان، بحسب الضاعني. ويضيف أن الحرب واحدة من المعضلات الكبيرة التي تسببت بهذا العبء الكبير على المواطن، الذي يعاني من معيشة مضطربة وتدهور اقتصادي مستمر.

تدهور اقتصادي

ثمان سنوات من الحرب أغرقت اليمن في أزمات متعددة، بما في ذلك الأزمة الاقتصادية المتمثلة في انحسار الناتج المحلي وزيادة البطالة، وارتفاع الأسعار، وتدهور العملة الوطنية.

فارس النجار، خبير اقتصادي يمني، يقول لـ”المشاهد” إن التدهور الاقتصادي تسبب بحياة صعبة للمواطنين في اليمن، حيث ارتفع معدل التضخم السنوي في اليمن إلى 45% في نهاية عام 2021 مقابل 35% في 2020.

فقدت العملة الوطنية قيمتها طوال سنوات الحرب، إذ كان سعر الدولار الواحد 215 ريالًا قبل اندلاع الحرب، بينما يصل سعر الدولار اليوم إلى 550 ريالًا في صنعاء و1100 ريالا في عدن. انعكس تدهور العملة سلبًا على حياة المواطن، وتدهورت القوة الشرائية، وزادت حدة الفقر، بحسب النجار.

ويرى النجار أن الصراعات السياسية والعسكرية في البلاد شلّت الاقتصاد اليمني، وخلقت معاناة قاسية للمواطنين طوال السنين الماضية، لا سيما في شهر رمضان الذي تزيد فيه الأسعار بسبب طمع التجار في تحقيق الأرباح.

لاتزال سمر تذهب كل يوم في رمضان إلى الرصيف في صنعاء، وتنتظر الزبائن الذين يريدون إصلاح أحذيتهم. تكافح بلا كلل من أجل توفير أساسيات العيش لها ولاطفالها، ويبدو أنها لا تجد الرحمة في “شهر الرحمة”.

مقالات مشابهة