المشاهد نت

شعائر رمضانية من تريم

تتميز تريم بحضور دولي من مسلمي جنوب شرق آسيا وغيرها لكن ذلك يتعذر مع استمرار الصراع في اليمن

حضرموت – علي ناصر

يبدأ رمضان، وتبدأ معه الطقوس الدينية المختلفة. يقبل المصلون على المساجد، وتكثر تلاوة القرآن، ويقيم العديد من المصلين التراويح والقيام.

تختلف الطقوس الدينية من دولة أو منطقة إلى أخرى؛ ففي تريم بمحافظة حضرموت مثلًا، تتنوع الطقوس الدينية خلال شهر رمضان، ولها مسميات مختلفة مثل “المشاهرة والإبراد والروحة والمسامرة والخواتيم”.

تُقام هذه الطقوس الخاصة في الساحات العامة ودور العلم والمنازل والمساجد، ويحضرها العديد من الأهالي في مدينة يريم وغيرهم من المناطق الأخرى. فماذا تعني هذه الممارسات الدينية؟

المشاهرة

عندما يبدأ رمضان، يخرج أهالي المدينة لتهنئة بعضهم البعض بمناسبة حلول الشهر الكريم، وتصدح مآذن المساجد بابتهالات ترحّب برمضان وضيوفه من المقبلين على الصيام.

يُطلق على هذه العادة هناك “المشاهرة”. يتسابق الأهالي على تنظيف مساجد المدينة الغنّاء، البالغ عددها 360 مسجدًا، ويرشونها بالعطور، ويجملون رائحتها بالبخور. يضع الأهالي جدولًا يوميًا طوال أيام شهر رمضان، لضمان تنفيذ ذلك، ويتم توكيل هذه المهمة لأشخاص متطوعين، وبتمويل من تجار المدينة.

محمد العيدروس، مسؤول عن إحدى لجان خدمات مسجد باعلوي في تريم، يقول لـ”المشاهد”: “نتنافس في خدمة بيوت الله بحب، نقصد بذلك التقرب إلى الله، ومثلما نعمل في المساجد هناك آخرون يجهزون الساحات العامة وأماكن العلم لتهيئتها من أجل أن ينعم أهالي تريم وزائروها بممارسة طقوسهم المعتادة بأمان وطمأنينة”.

“الإبراد” هو ممارسة أخرى خلال شهر رمضان في تريم بحضرموت. ويقصد بـ”الإبراد” الوقت الذي تشتد فيه حرارة الطقس بسبب الشمس، وفيه يتوافد الناس إلى المساجد لتأدية صلاة الظهر عند الساعة الواحدة ظهرًا، وفي بعض الأوقات عند الثانية ظهرًا، ومن ثم يؤدون التسبيح والتهليل منفردين.

يقول العيدروس إن أهالي مدينة تريم الصائمين خلال شهر رمضان، يحبون هذا الطقس، وأحيانًا يمارسونه في غير رمضان تنفيذًا لقول النبي محمد: “إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ”.

تبدو المساجد مكتظة بطلاب العلم والمواطنين الراغبين في التزود بمختلف المعارف الدينية بعد صلاة العصر، حيث تُقام محاضرات علمية في الفقه والسيرة النبوية والشعر واللغة العربية، تحت مسمى “الروحة” التي تعني لغويًا “آخر النهار”، وفيها تمنح بعض المساجد شهادات تقدير للمواظبين على الحضور.

التراويح والمسامرة

شعائر رمضانية من تريم
تقام شعائر رمضان في تريم في المساجد والساحات العامة

تُقام صلاة التراويح بمساجد تريم في فترات متباعدة، حيث تبدأ في مسجد المحضار عقب صلاة العشاء، ومن ثم يتم التنسيق بين أئمة المساجد على أن يكون هناك فرق نصف ساعة أو أكثر بين مسجد وآخر، وتستمر الصلوات حتى بعد منتصف الليل.

وفي أيام العشر الأخيرة في رمضان، لا تخلو المساجد من المصلين حتى الثالثة فجرًا. الشيخ محمد مولى الدويلة، واعظ ديني في تريم، يقول إن الهدف من التنسيق بين المساجد لإقامة صلاة التراويح في تريم، هو من أجل التيسير على الناس، وترك فرصة لمن هم منشغلون في التجارة أو بأعمال أخرى.

إقرأ أيضاً  آخر تحديث لأسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني

ويضيف الدويلة لـ”المشاهد”: “في تريم يتم تجسيد التسامح واليُسر من خلال العبادات والمعاملات، وهو الأمر الذي أتى به النبي محمد ومن بعده أصحابه وتابعوه إلى يومنا هذا”.

تُقام “المسامرة” في بعض ساحات وميادين مدينة تريم، ويُقصد بها أمسيات وحفلات تُنظم فيها فعاليات للإنشاد والتواشيح الدينية الصوفية، والمسرحيات التي تُجسد الشخصيات الإسلامية ومآثرها.

الخواتيم

يجتمع بعض المصلين والصائمين في تريم لتلاوة القرآن الكريم، وتكون التلاوة جماعية. يتفقون على ختم القرآن في أربعة أيام مثلًا أو ستة أيام، وعقب قراءتهم المصحف كاملًا، تُقام خطبة يجتمع فيها الناس، ومن أشهر الخطب التي يُكثر فيها الحضور هي الخطب التي تُقام في مسجد المحضار، ومسجد السقاف، ومسجد الحداد.

بعد قراءة القرآن كاملًا، يحتفي أهالي من شاركوا من خلال إقامة وجبات الإفطار والعشاء بالساحات القريبة من المسجد الذي تمت فيه قراءة القرآن كاملًا، وتتم دعوة جيران وأقارب الأشخاص الذين شاركوا في تلك الممارسة الدينية.

حضور دولي في تريم

اعتاد العديد من طلاب العلم وتابعي الطائفة الصوفية من ماليزيا وإندونيسيا وتنزانيا وغانا ومصر ودول أجنبية أخرى، السفر إلى مدينة تريم، كل رمضان، من أجل ممارسة الطقوس الدينية هناك. وبعد أن نشبت الحرب في اليمن عام 2015، لم يعد ذلك ممكنًا.

علي فدار، طالب من إندونيسيا، كان يتردد مع عائلته على زيارة تريم، لكنه توقف عن فعل ذلك نظرًا لاستمرار الحرب في اليمن.

يقول فدار لـ”المشاهد”: “صحيح أن لا معارك مسلحة في مدينة تريم، وهي بعيدة عن مناطق الصراع في اليمن، إلا أن السفر إلى هناك أصبح ذا مشقة”.

عمر مختار، شاب ثلاثيني من ماليزيا، كان يأتي إلى تريم قبل الحرب، وكان يقضي الكثير من الوقت في دار المصطفى. يقول مختار لـ”المشاهد” إنه اليوم غير قادر على السفر إلى تريم بسبب تردي الأوضاع الأمنية الناتجة عن الحرب في اليمن، وارتفاع الأسعار فيها أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب. مضيفًا: “لقد تغيرت الأوضاع في تريم واليمن بشكل عام إلى الأسوأ بسبب هذه الحرب”.

يرى محمد راشيد، طالب علم في تريم، أنه لا توجد موانع رسمية من زيارة أي أجنبي إلى تريم في أي وقت، ولكن البعض يتخوف من تداعيات الحرب هناك. ويقول راشيد لـ”المشاهد”: “تريم تنعم بالأمن والأمان على عكس باقي المحافظات اليمنية، وماتزال دروس العلم تُقام فيها”.

لم تستطع الحرب إيقاف الطقوس الدينية في تريم بحضرموت، ومازالت تقام كما كانت في الماضي، لكن مختار وأمثاله يتمنون أن تنتهي الحرب في اليمن، وأن يعم السلام حتى يتمكن هو وأمثاله من زيارة تريم، وممارسة الطقوس الرمضانية في تلك المدينة.

مقالات مشابهة