المشاهد نت

التوثيق العقاري..الصراع الحاضر الغائب في حضرموت

مشكلة التوثيق العقاري تعكس سلبا على السكان ومناخ الإستثمار

حضرموتمريم باكحيل

في الوقت الذي كان يدور صراع دامٍ بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، خلال الأعوام الثمانية الماضية، كانت هناك صراعات أخرى ساحتها العقارات والأراضي.

ولطالما شهد البلد، خلال العقود الأربعة الماضية، نزاعات حول الملكية العقارية، إلا أنها تفاقمت خلال سنوات الحرب، لا سيما في ظل انقسام المؤسسات القضائية وظهور أثرياء جدد محسوبين على طرفي الصراع، أسهموا في تغذية هذه النزاعات في أبرز القطاعات الجاذبة للأموال.

محافظة حضرموت الواقعة أقصى شرق اليمن، والتي غالبًا ما توصف بأنها منطقة تحظى باستقرار نسبي، تبرز فيها مشكلة التوثيق العقاري، والازدواجية في إصدار وثائق الملكية، الأمر الذي انعكس سلبًا على حياة السكان ومناخ الاستثمار بشكل عام.

بالنظر إلى مشكلة التوثيق العقاري في حضرموت، نجد أنها “مشكلة ذات جذور تاريخية”، بحسب رئيس غرفة تجارة وصناعة حضرموت عمر عبدالرحمن باجرش، موضحًا أن “الاستثمار والإسكان والزراعة كانت في السابق هي الجهات المسؤولة عن العقارات، لذا صُرفت حينها وثائق من الزراعة وأخرى من الإسكان، وبعد ذلك تم إنشاء العقار، وأصبح الجهة المسؤولة، ومن هنا بدأت الاختلالات”.

في 2019 أحالت الهيئة العامة للأراضي بحضرموت مجموعة متهمين بجرائم تزوير وثائق عقارات واستغلال وظيفة عامة، بينهم أحد موظفيها. وفي أواخر العام ذاته أيضًا، أحيل للنيابة العامة 18 موظفًا ومسؤولًا، وأنهيت عقود سبعة أشخاص في مصلحة العقار والزراعة والسجل العقاري بالمحافظة وفروعها بالمكلا والشحر وبروم ميفع وغيل باوزير، بتهمة تورطهم في قضايا فساد وتزوير.

في 2006 قضى قرار جمهوري بدمج كل من مصلحة المساحة والسجل العقاري، ومصلحة أراضي وعقارات الدولة، وقطاع التخطيط الحضري بوزارة الأشغال العامة والطرق، تحت إطار الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني.

ويشير باجرش إلى أنه في فترة سابقة (لم يحددها) اعتُمد مخطط عمراني لمدينة المكلا، لكنه لم يُنفذ نظرًا لعدم قيام السلطة المحلية بالمتابعة. لافتًا إلى وجود مناطق استثمارية وصناعية لدى وزارة الصناعة، يجب ألا يُسمح لأية جهة بالتصرف فيها.

ويشدد على ضرورة “وجود جهة مستقلة مسؤولة عن إعداد المخططات، وفصل مهامها عن الجهة المسؤولة عن الصرف. فالإشكالية التي نعاني منها هي أن الجهة التي تقوم بإعداد المخططات هي ذات الجهة التي تقوم بالصرف”.

بدوره، رئيس مكتب التوثيق العقاري بحضرموت صبري باهبري، يرجع مشكلة صرف الأراضي وتوثيقها إلى عقب عام 1994، إذ “صُرفت مساحات وأراضٍ شاسعة لأشخاص غالبيتهم ليسوا بمستثمرين. للأسف مصلحة أراضي عقارات الدولة في تلك الفترة لم تؤدِّ دورها من خلال سحب الاستمارات لمن يدعي أنه مستثمر ولم يتواجد مشروعه على الأرض”، كما يقول.

وبحسب المادة 66 من قانون الاستثمار لسنة 2002، تمنح الهيئة العامة للاستثمار، المُستثمر المسجل لديها، مدة معينة للبدء في تنفيذ المشروع، وفي حال انتهت المدة المحددة له توجه له الهيئة إنذارًا بإلغاء تسجيله.

ويضيف باهبري أن “مكاتب بيع العقارات تعمل خارج السلطة القضائية، وهي ليست قانونية، فهي تقوم بإجراء عقود بيع صورية، ويدفع مقابلها مبالغ مالية كبيرة”.

ومنذ عام 2011 تم إيقاف التوثيق العقاري أكثر من مرة، وذلك لأسباب مرتبطة بالوضع السياسي العام في البلد، والاعتداءات التي طالت الجهات المعنية بالتوثيق.

ومع اندلاع الحرب في البلد ودخول ما يُعرف بتنظيم “القاعدة” إلى مدينة المكلا (2015-2016)، وسيطرتهم على مكتب المالية بالمحافظة، “تعرضت المستندات الخاصة بالعقارات للنهب، ما أدى لتزايد التزوير”، بحسب باهبري، مضيفًا: “عندما تذهب لمراجعة المالية يكون جوابهم لا نستطيع تأكيد صحتها لأن الوثائق الأصلية قد سُرقت”.

ومع زيادة طلبات التوثيق والتصديق المقدمة إلى المحاكم بشأن المحررات الرسمية القديمة والعرفية للأراضي والعقارات، برزت تحركات رسمية لحلحلة هذا الملف. ففي يوليو 2017، شكلت الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني في ساحل حضرموت، لجنة لفصل المنازعات والشكاوى والخلافات القائمة بين المواطنين بشأن الأراضي. وكان من مهام اللجنة وضع الحلول والمعالجات للمخططات ووحدات الجوار التي أدت إلى بروز نزاعات بشأن الأراضي التي  صرفها سابقا للمواطنين بعقود رسمية من قبل الهيئة.

وفي يونيو 2020 وجهت محكمة استئناف حضرموت رؤساء وقضاة المحاكم الابتدائية بضبط هذه الإشكالية لحماية الملكية الشخصية والخاصة، وحماية المال العام من العبث؛ لكن هذا التوجيه لم يوقف مشكلة ازدواجية وثائق ملكية الأراضي، بحسب شهادات مواطنين.

إقرأ أيضاً  آخر تحديث لأسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني

ورغم صدور توجيهات بعدم التعامل مع الاستمارات والوثائق القديمة غير القانونية، إلا أن “البعض مازال يتعامل بهذه الوثائق مع المستثمرين أو المغتربين، وهذه الاستمارات لا علاقة لمكتب العقار بها. فكل ورقة تصدر من العقار يكون هناك مرجع لها”، كما يقول نائب مدير عام العقار للشؤون القانونية عبدالرحمن بامزاحم.

ويشير بامزاحم إلى وجود إشكالية في عملية التوثيق، تتمثل في عدم “وجود وثائق خاصة، وإن وجدت لا تتوثق لدى السجل العقاري، وهناك مخططات لا تُعتمد من قبل الهيئة العامة للأراضي، وفي حال الصرف لا يجوز قانونًا التوثيق بالمحاكم الابتدائية والمصادقة على محررات تم شراؤها بغرض الاستثمار، ولا يتم توثيقها، لكون قانون التوثيق لا يجيز توثيق المحررات إلا إذا كانت موثقة لدى السجل العقاري”.

ولا يوجد في قانون الاستثمار مواد “تتيح لأقلام التوثيق أو جهات أخرى فرض الاستثمار”، بحسب رئيس مكتب التوثيق بمحكمة غرب المكلا عمر باقحوم، لافتًا إلى أن “غالبية الوثائق لا يوجد بها سجل عقاري، مع هذا قد ينصدم المستثمر مع من يدعي أحقيته للأرض عن طريق الملك القبلي أو الأسري”.

تضرر الاستثمار

وانعكست فوضى التوثيق العقاري سلبًا على قطاع الاستثمار، وشكلت بيئة طاردة لكثير من التجار، لا سيما في ظل البيع المزدوج للأراضي، وغياب دور الجهات المعنية في حل نزاعات الملكية.

بحسب تقديرات مكاتب قانونية مختصة بالقضايا العقارية، فإن أكثر من 75% من القضايا المرفوعة في المحاكم بعد عام 2010، تختص بالصراع على ملكية الأراضي سكنية كانت أم استثمارية، وأن 80% من أسباب توقف وتعثر المشاريع الناشئة حديثًا يرجع إلى أسباب متعلقة بالنزاع على ملكية الأراضي التي قامت عليها تلك المشاريع، وفق دراسة لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.

في هذا الشأن، يقول الخبير الاقتصادي محمد الكسادي إنه “في ظل هذه الفوضى والفساد الواضح، لن يخاطر المستثمرون بأموالهم في ظل الصراع الاستثماري الموجود، فالعديد من الاستثمارات قدمت إلى بلادنا، ثم عادت مرة أخرى لدول أخرى، لأن بيئتنا طاردة للاستثمار بسبب الضعف في التوثيق العقاري”.

ويضيف الكسادي أن “كثيرًا من المستثمرين قرروا استثمار أموالهم في بلدان أخرى تضمن حقوق المستثمر من قوانين وتشريعات كمصر وتركيا ودبي وصلالة”.

وسبق أن وُجهت اتهامات لعدة مسؤولين في الهيئة العامة للأراضي والتخطيط العمراني في حضرموت، باستغلال وظائفهم الحكومية لارتكاب مخالفات إدارية، وتورطهم في تزوير مخططات ووثائق رسمية واستمارات صرف أراضٍ.

ففي 2019 أحالت الهيئة العامة للأراضي بحضرموت مجموعة متهمين بجرائم تزوير وثائق عقارات واستغلال وظيفة عامة، بينهم أحد موظفيها. وفي أواخر العام ذاته أيضًا، أحيل للنيابة العامة 18 موظفًا ومسؤولًا، وأنهيت عقود سبعة أشخاص في مصلحة العقار والزراعة والسجل العقاري بالمحافظة وفروعها بالمكلا والشحر وبروم ميفع وغيل باوزير، بتهمة تورطهم في قضايا فساد وتزوير.

والفساد الإداري ليس هو السبب الوحيد لمشكلة ملكية الأراضي، بل هناك سبب آخر يتمثل في عدم تحديث التشريعات اليمنية التي لم تشهد أي تغيير منذ فترة التسعينيات، ولم تواكب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، بحسب الكسادي، الذي يقترح لحل هذه المشكلة “التوثيق الآلي لأي عقارات، وتنظيم المخططات، وتحديد المناطق الاستثمارية في حضرموت سواء صناعية أو بناء منتجعات سياحية أو بناء مناطق سكنية مخصصة للاستثمار، لتجنب الصراع”.

ومن ضمن الحلول أيضًا “القضاء على الفساد في التوثيق العقاري، إلى جانب تحديث القوانين والتشريعية ذات الصلة”.

واقترح الإعلام الاقتصادي في دراسته حلولًا لمشكلة التوثيق العقاري، تضمنت تشكيل وحدة قضائية مختصة بحل النزاعات العقارية، بالإضافة إلى “تأسيس نظام أرشفة للوثائق والمستندات العقارية وأرشفة الوثائق المعتمدة إلكترونيًا وفقًا للسجل العقاري لكل مدينة، وذلك وفق مكونين أساسيين؛ الأول: نظام فحص وتوثيق للتحقق من مدى صحة الوثائق العقارية واعتماد الصحيح منها. والثاني: نظام أرشفة إلكتروني للوثائق المعتمدة لتسهيل عملية التحقق من قبل المواطنين”.

مقالات مشابهة