المشاهد نت

الصمود في وجه الإعاقة

الصمود في وجه الاعاقة -حمزة التويج

 تعز – محمد الحاجبي:

في 2017، داس الشاب حمزة التويج، ٢٢ عامًا، على لغم أرضي أدى لبتر قدمه اليمنى، في منطقة القوز، مديرية جبل حبشي، غرب مدينة تعز. تعرض التويج أيضًا لجروح صغيرة في أغلب أجزاء جسده، كما أصيب بشظايا في جميع أطراف جسده.

رغم الإصابات الخطيرة، لم يستسلم التويج لتلك الحادثة ولا لليأس والانكسار. بعد أن تعافى من تلك الإصابة بإرادة قوية وتحدٍّ لا يعرف الانكسار، بدأ في تحقيق أهدافه بقدم مبتورة، عبر الالتحاق بالتعليم الجامعي، قسم الأطراف الصناعية، وبهمة عالية وتفاؤل غير محدود.

أمر مروع

يقول التويج: “لقد كان الأمر مروعًا وأنا أشاهد الكارثة الأليمة التي حلت بي، وكانت الدماء تنزف من أجزاء جسدي، وما أرعبني كثيرًا رؤية قدمي المبتورة”.

ويضيف: “تم نقلي إلى مستشفى الثورة بالمدينة لتلقي العلاج، وبقيت أكثر من شهر ونصف كي أتلقى الرعاية لتنظيف جروح جسمي، وتصفيتها من الشظايا والأتربة، والأوساخ التي دخلت إلى جسدي لحظة اندفاع الأجزاء الصغيرة من اللغم المنفجر”.

تحدٍّ وإلهام

سعى التويج لإعادة تأهيل نفسه، وتعلم كيفية التعامل مع وضعه الجديد، فتعلم المشي على طرف صناعي، وأصبح قادرًا على المشي، والقيام بالأنشطة اليومية بشكل مستقل، لم يكتفِ بذلك فقط، بل قرر أن يتحدى نفسه أكثر، ويحقق أحلامه.

يقول التويج لـ”المشاهد“: “أقدمت على التسجيل والدراسة في كلية النهضة، وهي كلية خاصة، لإكمال تعليمي في قسم الأطراف الصناعية، لأكون مصدر إلهام للآخرين، ولكي أثبت أنه لا إعاقة إلا في الإرادة والعزيمة والإصرار، وقد سجلت في قسم أطراف صناعية، بهدف تأهيل الأشخاص الذين يعانون من الإعاقة”.

ويضيف: “الإصابة والبتر بالنسبة لي ليست إعاقة، ولن تمنعني من التعليم وممارسة الحياة مثل غيري من الأشخاص طالما إرادتي قوية”.

ويؤكد أن “الإعاقة الحقيقية هي تلك التي تكون في عقولنا ولا تسمح لنا بالتحرك قدمًا، والعزيمة والإرادة القوية، هما مفتاحا النجاح في تحقيق الأهداف، بغض النظر عن الظروف الصعبة التي نواجهها”.

نموذج فريد

يقول مدير مركز الأطراف بتعز، الدكتور منصور الوازعي لـ” المشاهد”، إن “الشاب حمزة هو نموذج فريد يجب أن يدرس في المناهج، فهو مثال للشاب المثابر الذي تحدى كل الحواجز.  نحن نقف ونساند أمثال هذا الشاب،  رغم أنه عانى وبترت رجله من فوق الركبة”.

ويضيف الوازعي: “قمت شخصيًا بمتابعة حالته حتى شفاء الجرح، وتم تدريبه وتركيب طرف صناعي له، وتمكن بعزيمته القوية من العودة لممارسة حياته من جديد، وأعجب بتخصص الأطراف الصناعية،  وهو حاليًا يدرس هذا التخصص من أجل خدمة زملائه المبتورين في المستقبل”.

ويؤكد أن دلالة قصة نجاح التويج توحي أن هذا الشاب يمتلك عزيمة تفوق الخيال، وأكبر مما نتصور، ولا تستطيع الأقلام الكتابة عنها.  نحييه ونحيي شجاعته وروحه التواقة إلى مستقبل أفضل”.

إقرأ أيضاً  حرمان المرأة من الميراث بسبب هشاشة القضاء في اليمن 

تأهيل ورعاية

يقول الوازعي إن الآلية التي يقوم من خلالها المركز بدمج وتأهيل المبتورين “تبدأ بتركيب أطراف صناعية،  وإعادة تأهيل المبتورين من خلال تقديم جلسات العلاج الطبيعي والتأهيل النفسي الاجتماعي ومتابعة حالاتهم، وأيضًا نقوم بالتنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتقديم مشاريع مستدامه تمكن المبتورين من الاعتماد على أنفسهم،  وبهذا يتم دمجهم في المجتمع”.

وعن الاحتياج الذي يحتاجه المبتور لاستعادة ثقته، يقول الوازعي: “هي العزيمة بدرجة أساسية،  وبقية الاحتياجات كالطرف الصناعي وغيرها، نحن نقدمها بشكل مجاني”.

انتهاك جسيم

جرائم الحرب بحق سكان تعز مستمر ة منذ اندلاع الصراع مطلع 2015. القذائف والألغام والعبوات تخطف حياة وأرواح الكثير ممن اقتربت أقدامهم من لغم مبهم تحت الأرض، ومن نجا منهم أصيب بعاهات مستدامة، علاوة على إصابة النساء والأطفال،  حيث سلبتهم حياتهم أو أقعدتهم عن الحركة.

عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، القاضية إشراق المقطري، تقول لـ”المشاهد” إن “الانتهاكات المتكررة المتمثلة في انفجار الألغام بين المدنيين وحتى غير المدنيين، هي جرائم وانتهاكات محظورة تمامًا في القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك اتفاقيات جنيف واتفاقية أوتاوا الخاصة بالألغام الفردية. مؤكدة أن هذا التصرف يتعارض مع المبادئ الأساسية لأخلاقيات الحرب والقانون الدولي الإنساني.

ودعت المقطري، إلى تحقيق العدالة ومحاسبة جماعة الحوثي عن زراعة الألغام، حيث أكدت أن هناك أكثر من 700 ضحية في محافظة تعز، منذ بداية الحرب حتى منتصف العام الجاري 2023م، مضيفة: “ولكن هذا ليس العدد النهائي، إذ لايزال هناك مديريات أخرى لم يتم الوصول إليها، بسبب تقطع الطرق وصعوبة الوصول إلى بعض المناطق المتضررة”.

واختتمت القاضية المقطري حديثها لـ”المشاهد” بالقول: “من المؤسف أن الأرياف، التي كنا نعتقد أنها ستكون بعيدة عن متناول هذا الانتهاك، أصبحت هدفًا رئيسيًا لزراعة الألغام الفردية بأشكالها المختلفة، متسببة في تشويه وبتر أعضاء الجسم، وقتل الآلاف من المدنيين”.

إحصائيات

التويج واحد من عشرات الشباب الذين لم يسمحوا للإعاقة أن تحدد مصيرهم، وأثبتوا للمجتمع أنهم قادرون على النجاح والإنتاج مثل غيرهم من أفراد المجتمع، إذ  وثّق المركز الأمريكي للعدالة في تقريره بين يونيو 2014 وفبراير 2022،  بعنوان “الألغام القاتل الأعمى”، مقتل 429 طفلًا وإصابة 723 آخرين في 17 محافظة يمنية، بسبب الألغام. بحسب التقرير، فإن 75% من المصابين فقدوا أطرافهم أو إحداها، وأصبحوا معاقين أو مشوهين،  بسبب انفجار الألغام الأرضية الفردية، أو المضادة للمركبات، أو الألغام البحرية والعبوات الناسفة.

مقالات مشابهة