المشاهد نت

المهمشون… عبودية غير معلنة

تعز – رانيا عبدالله:

“ينظر لنا القبائل كأننا لسنا من البشر ومن لحم ودم، فهم لا يجلسون ولا يأكلون معنا، وكأنهم خُلقوا من نور وخُلقنا من طين”؛ بهذه الكلمات تصف ريم عبده (30 عاماً) حالها وذويها المهمشين حيال العنصرية التي تُمارس ضدهم منذ عقود، مضيفة: “نعيش في محاوٍ خاصة بنا، ولا نختلط ببقية الناس، فنحن منبوذون من المجتمع، ويعتقد القبائل أننا لم نخلق إلا لخدمتهم، فالعمل الوحيد المسموح لنا به هو تنظيف قاذوراتهم”.
ويجري التعامل مع أصحاب البشرة السوداء (الأخدام) في اليمن، على أنهم أقل طبقة في المجتمع، ولا يجوز الزواج منهم، بحسب يحيى صالح، رئيس المنظمة اليمنية لمناهضة التمييز، مؤكداً أن البعض يعتبرون هذه الفئة في محافظتي الحديدة وحجة (غرب البلاد) ومحافظة الجوف (شرق) ضمن ممتلكاتهم، فيبيعون ويشترون بهم.
ويقول صالح لـ”المشاهد”: “العبودية مازالت موجودة في بعض مناطق اليمن، لكننا عندما نبحث عنهم نجدهم بالظاهر عمالاً عند أشخاص معينين، وهم في الحقيقة عبيد، لكنهم لا يستطيعون التحدث لأية جهة أو أية وسيلة، خوفاً من أسيادهم”.
ويقول عبده سعيد، رئيس مؤسسة المستقبل للتنمية وبناء السلام: “إننا نعاني التهميش والتمييز العنصري القائم على اللون، وحرماننا من تقلد المناصب في الوظيفة العامة للدولة، كما أنه لا يحق للمهمشين إلا ممارسة الأعمال المتدنية والمحتقرة”، مضيفاً: “يتم استغلال هذه الفئة في أعمال شاقة، وبأوقات طويله جداً، خارج قانون العمل، وبأجور زهيدة جداً”.
ولا يحق للمهمشين امتلاك الأرض أو المسكن الآمن في بعض المناطق، بحسب سعيد.

عمل السخرة

تعمل ريم بأجر يومي زهيد في صندوق النظافة، منذ 4 سنوات، لتنفق على أطفالها، فهي كل يوم تعمل منذ الصباح الباكر في تنظيف 3 حارات، وترفع مخلفات السكان، لتحصل على أجرة 1000 ريال يمني (12 دولاراً أمريكياً) أسبوعياً، وهو مبلغ لا يكفي لشراء علبة حليب لصغيرها.
ويرى صالح أن العمل في النظافة بالأجر اليومي يعتبر من ضمن الأعمال العبودية الرسمية ضد هذه الفئة.
ويقول: “يعمل الكثير من المهمشين في أعمال النظافة، والتي يُسمح لهم فيها بمؤسسات الدولة وبالأجر اليومي، ويعد هذا العمل استعباداً، كما أن العامل يعمل لخدمة المجتمع والبلد لمدة 30 عاماً، ومن ثم لا يجد نفسه إلا متسولاً في الشوارع، بدلاً من أن ينتقل للتقاعد كأي موظف”.

تمليك غير معلن

وفي بعض المناطق الريفية من محافظة تعز، لا يُسمح للكثير من هذه الفئة العمل إلا مع أسيادهم، ووفق أوامرهم، حيث يؤكد ذلك صالح قائلاً: “يعمل كثير من المهمشين في بعض أرياف محافظة تعز، مع شخص معين، ويوفر له السكن والمأكل، ليصبح هو وزوجته وأولاده تحت خدمته طول العمر، وهذا تمليك غير معلن، وإذا خالف يطرد من القرية، فهو لا يملك المسكن أو مصدر دخل، فلذلك لا يمتلك الحماية والقرار”.

يُعامل “المهمشون” بعنصرية، حيث لا يُسمح لهم بدفن موتاهم في المقابر، في كثير من المناطق الريفية، لذا تخصص لهم مقبرة وتسمى “مقبرة الأخدام”، في تمايز طبقي ترفضه كل الشرائع السماوية والقوانين الدولية.


حتى في الموت يُعامل “المهمشون” بعنصرية، حيث لا يُسمح لهم بدفن موتاهم في المقابر، في كثير من المناطق الريفية، لذا تخصص لهم مقبرة وتسمى “مقبرة الأخدام”، في تمايز طبقي ترفضه كل الشرائع السماوية والقوانين الدولية.

إقرأ أيضاً  تأثير الحرب على دور العبادة في صنعاء

190 حالة رق

وقد وثقت مؤسسة وثاق للتوجه المدني، في العام 2012، 190 حالة رق في محافظة حجة، وتمكنت من تحرير اثنين من العبيد، بعد مفاوضات مع المستعبدين. ويجرم الرق والعبودية في القانون اليمني بموجب المادة 248 من قانون العقوبات والجرائم، حيث تنص على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن 10 سنوات كل من باع أو اشترى أو تصرف أي تصرف بإنسان”.
وترى المحامية ميمونة الحسني أن المهمشين مواطنون يمنيون لهم كافة الحقوق وعليهم كافة الواجبات كبقية المواطنين، مطالبة بتضافر الجهود لإدماج فئة المهمشين في جميع المجالات الأساسية، ونبذ العنصرية، وأن يحاول المهمشون تغيير النظرة النمطية تجاههم، وإلحاق أولادهم بالتعليم.

المهمشون… عبودية غير معلنة
المهمشون في اليمن


وبمرور 57 عاماً على ثورة الـ26 من سبتمبر، التي جاء من أهدافها إزالة الفوارق والامتيازات الطبقية، وإلغاء العبودية التي سادت مع الأنظمة الاستبدادية في اليمن، إلا أن الطبقية والممارسات العنصرية مازالت حاضرة. وبحسب الدكتور محمود البكاري، أستاذ علم الاجتماع المساعد بجامعة تعز، فإن استغلال حاجة الناس لفئة المهمشين من قبل البعض، يعتبر سلوكاً اجتماعياً غير مقبول ومرفوض، وعلى الجميع أن يعي خطورة مثل هذه التصرفات التي تؤدي إلى حرمان الناس من حقوقهم، مضيفاً: “على الحكومة أن تقوم بتطبيق القوانين والتشريعات التي تؤكد على المساواة بين جميع المواطنين، ومعاقبة كل من يسيء إلى أي مواطن سواء مهمش أو غير مهمش، وأن تعمل على رفع المستوى المعيشي لكافة أفراد المجتمع، بحيث لا نرى جماعات تحت الحاجة تدخل بمظاهر العبودية أو الأعمال المحتقرة”.

استغلال من قبل أطراف الصراع

يعتبر المهمشون من أكثر الفئات المتضررة من الحرب، نتيجة سوء الأوضاع التي يعانون منها في السلم، بحسب نعمان الحذيفي، رئيس الاتحاد الوطني للفئات المهمشة، موضحاً بالقول: “تم استغلال المهمشين من قبل أطراف الصراع السياسي، إلى جانب استغلال المنظمات لمعاناتهم”، مضيفاً: “وجد المهمشون أنفسهم بين كماشة استغلال المنظمات في ما يتعلق بالجوانب الإنسانية، واستغلال أطراف الصراع في الدفع بهم إلى جبهات الموت”.
ومثل مؤتمر الحوار الوطني فرصة تاريخية لمشاركة المهمشين لأول مرة في تاريخ اليمن، في المشاركة وتحديد الاختيارات الشعبية.
ويقول الحذيفي: “من خلال مشاركتي في مؤتمر الحوار الوطني كممثل للمهمشين، ونائب لرئيس فريق الحقوق والحريات بمؤتمر الحوار الوطني، كنا قد سعينا لوضع مجموعة من الأسس الدستورية والقانونية والتخطيطية والتنموية لإدماج المهمشين في المجتمع”، مؤكداً أنه إذا تحققت مخرجات وثيقة الحوار الوطني، فسوف تعمل على إحداث نقلة نوعية في حياة المهمشين في المستقبل.
وتضمنت مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي رعته الأمم المتحدة، نصاً يلغي الرق والعبودية الموجودة في بعض المناطق اليمنية، غير أن الحرب الدائرة في البلاد حالت دون تنفيذ تلك المخرجات.

مقالات مشابهة