المشاهد نت

الحرب تفاقم الاضطرابات النفسية لليمنيين

صورة تعبيرية

تعز – فخر العزب:

بعد أشهر من معاناته مع أعراض الاكتئاب، تحدث الصحفي وسام محمد، مع صديق، عن عدم قدرته على القيام بأبسط الأشياء والمهام المنزلية، وميله إلى العزلة والسهر ليلًا والنوم نهارًا، وانخفاض قدرته على القراءة أو الكتابة، وانعزاله وعدم رغبته بالخروج من البيت أو الاختلاط بالآخرين، كما لاحظ أنه بدأ يعاني من التشتت الذهني بشكل كبير، وينزعج من أتفه الأشياء، ثم أصبح يفكر بالموت أكثر من أي شيء آخر، لأن الحياة أصبحت بالتدريج تفقد معناها لديه.

قراءة وسام لكتاب من إصدارات عالم المعرفة عن الاكتئاب، زادته يقينًا بأن ما يعانيه هو اضطرابات نفسية تستدعي العلاج. الكتاب حدد عددًا من النقاط لأعراض الاكتئاب. لكن وسام تجاوز تلك النقاط بخمس أخرى.

وتسببت الحرب التي تدور رحاها في اليمن منذ مارس 2015، بمعاناة اليمنيين اقتصاديًا ونفسيًا. إذ يعاني 1 من 5 أشخاص من اضطرابات نفسية نتيجة الحرب، وفق صندوق الأمم المتحدة للسكان باليمن.

ووفق الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة، فإن 22%، ممن يعيشون في منطقة متأثرة بالنزاع، يعانون من الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة والاضطراب الثنائي القطب أو الفصام،

ويقول الأخصائي النفسي، مالك عبده أحمد ناجي لـ”المشاهد” الذي عمل في عدة منظمات إن من الأمور المسلَّم بها والبديهية التي يمكن أن نجزم بها، هي تزايد حالات الاكتئاب بشكل ملفت للنظر في أوساط المجتمع اليمني، بخاصة في الوقت الراهن، وما تمر به اليمن من صراع وحرب، فإذا ما تم النظر إلى الانتحار والعدوانية التي تعتبر من الأعراض المباشرة للاكتئاب، فهي خير دليل على زيادة نسبته في المجتمع، خصوصًا في أوساط الشباب والأطفال.

وتشير الدراسات إلى زيادة نسبة الاكتئاب كلما تقدم العمر، نتيجة التوتر بسبب الإجهاد النفسي والعضوي المؤثر على الجهاز العصبي بشكل مباشر، وما نلاحظه من انتشار حالات ضغط الدم وأمراض القلب والذبحات الصدرية المنتشرة، نتيجة لزيادة الاكتئاب، بالإضافة إلى أن حالة العنف التي يعاني منها المجتمع، والمنتشرة بشكل كبير، دليل واضح وانعكاس مباشر لزيادة حالات الاكتئاب في المجتمع، فإذا ما تم النظر إلى حالات العنف الجنسي أو العنف الاجتماعي في المجتمع، فإن أحد الأسباب الرئيسية لها هو الاكتئاب.

الاكتئاب والحرب

أصبح الاكتئاب الشبح الذي يؤرق حياة المجتمع اليمني، وخطره لا يقل عن الحرب التي تهدم الأخضر واليابس، وكذا خطر الاكتئاب الذي يهدم ويدمر الأجيال، ويقتل الأمل في النفوس، ويزرع الشك والحقد والحسد، هذا إذا ما عرفنا أن الحرب هي أحد الأسباب الرئيسية لزيادة الاكتئاب.

بحسب وسام، فللحرب دور كبير في تزايد الاكتئاب في أوساط اليمنيين، فهناك الكثير من المآسي والصدمات التي حدثت خلال فترة الحرب، منها على سبيل المثال اغتيال أصدقاء مقربين، واختطاف آخرين وإخفاؤهم قسريًا، ثم اعتداءات تعرض لها من قبل مسلحين، إلى جانب أنه سكن لمدة عام كامل في منطقة قريبة من جبهات الحرب، وكانت تسقط القذائف إلى جوار المنزل، وذات مرة اخترقت إحدى الرصاصات شباك إحدى الغرف والستارة، وارتطمت في جدار الغرفة، هذا على الصعيد الشخصي. وهناك المآسي على الصعيد العام، والتي كان يتابعها بحكم عمله كصحفي، وكانت تؤثر على نفسيته.

إقرأ أيضاً  رمضان.. شهر الخير والمبادرات الإنسانية بحضرموت

ويرى مالك أن معظم اليمنيين يعانون من حالات نفسية ناجمة عن الظروف الصعبة التي يمرون بها، لعل من أهمها وأخطرها القلق والاكتئاب الذي يأتي في المرحلة الأولى باعتباره اضطرابًا نفسيًا مزاجيًا يؤثر على كافة النواحي النفسية الأخرى، وقد يتطور إلى هوس وهلوسة تكون سببًا مؤثرًا في التفكير السلبي.

يقول مالك “نلاحظ أن معظم الأفراد في المجتمع اليمني قد يفقد أعصابه على أشياء تافهة، وهذا بدوره يوضح مدى تأثير الاكتئاب على العمليات العقلية.”

 مشيرًا إلى انتشار الاكتئاب في أوساط العديد من الأطفال الذين تم تجنيدهم والزج بهم إلى أرض المعركة دون مراعاة لسنهم وحالتهم النفسية والقانونية، إضافة إلى عمليات الاعتقالات التي تمارس من أطراف النزاع، والأساليب التي تمارس في التحقيق مع من يتم اعتقالهم، تترك حالة نفسية لدى هؤلاء الأفراد، من قلق واكتئاب يتطور إلى حالة من الهوس والهلوسة، تلاحظ على سلوكهم وأسلوبهم بعد خروجهم من المعتقلات، الأمر الذي يؤكد فرضية تزايد حالات الاكتئاب في المجتمع اليمني.

رؤية قاصرة

لايزال الذهاب إلى الطبيب النفسي معيبًا لدى معظم أبناء المجتمع اليمني، وهو ما يسبب إحجام المصابين بالأمراض النفسية، وفي مقدمتها الاكتئاب، عن الذهاب للطبيب، وهو ما يفاقم حالتهم المرضية، التي تتضاعف، وقد تؤدي للانتحار.

يرى وسام أن الاكتئاب مرض خطير. وعدم الذهاب إلى الطبيب قد يجعله يتفاقم ويخرج عن حدود السيطرة، لذا علينا الذهاب إلى الطبيب النفسي ما بين وقت وآخر، هذا في الأوقات العادية، وعلى نحو مضاعف في زمن الحرب، فالمرض النفسي مثله مثل المرض العضوي، بل إن عدم علاجه قد يحوله إلى أمراض عضوية فتاكة، ومن المهم تجاوز النظرة القاصرة عند المجتمع لمن يذهبون إلى الطبيب النفسي.

“لا عيب في زيارة طبيب نفسي، سواء كنا نعاني من الاكتئاب أو من أي مرض نفسي آخر”، يقول وسام، مضيفًا “أن نظرة المجتمع للذهاب إلى الطبيب النفسي تكاد تكون قاصرة، لأسباب عديدة، منها الوضع المادي الصعب للغاية، بالإضافة إلى انخفاض مستوى الوعي المجتمعي، وغياب مراكز الدعم النفسي والاجتماعي التي لا تقوم بدورها إطلاقًا، وكذا سلوك المجتمع بعدم الاهتمام بالصحة النفسية التي قد ينظر إليها البعض أنها شيء محرج، أو قد تترك لهم وصمة عار، حسب وجهة نظر البعض، بالإضافة إلى غياب دور وسائل الإعلام في خلق وعي لدى الكثير من الأفراد بأهمية الاهتمام بالصحة النفسية.”

وسام كغيره ظل يمانع من الذهاب لدكتور أمراض نفسية، خوفًا من أن يقال عليه مجنون، لكن صديق له أقنعه بالذهاب لأخصائي أمراض نفسية، وهو ما فعله، كما يقول، مضيفا أنه يتلقى العلاج النفسي حاليا، ويشعر بتحسن.

مقالات مشابهة