المشاهد نت

حضرموت.. الصيادون يومًا بالبحر وآخر في محطات الوقود

صورة تعبيرية عن الصيادين اليمنيين

حضرموت – إكرام فرج

تعد الثروة السمكية موردًا طبيعيًا ورافدًا اقتصاديًا، إذ كانت تأتي إيرادات الصادرات السمكية في اليمن في المرتبة الثانية بعد الصادرات النفطية، حسب مرصد التعقيدات الاقتصادية. لكن هذا القطاع يعاني العديد من التحديات التي فاقمتها الحرب المستمرة منذ نحو 8 سنوات.

وحسب ورقة بحثية لمركز صنعاء للدراسات، نشرت في مارس 2020، فإن الإنتاج السمكي يشهد انخفاضًا حادًا نتيجة نزوح الصيادين، وإيقاف الإنتاج في مصانع الأسماك، وانخفاض الطلب المحلي على الأسماك نتيجة تدهور المستوى المعيشي للسكان وارتفاع سعر الوقود.

يناقش هذا التقرير تأثير ارتفاع سعر الوقود على نشاط الصيادين في ساحل حضرموت، شرق اليمن. فقد التقت معدة التقرير الصيادين وخرجت بهذه النتائج.

رواد البحر يعانون انعدام الأمن الغذائي

مثل الصيد مصدر الدخل الوحيد لأكثر من 70 ألفًا من صغار الصيادين في المجتمعات الساحلية من خليج عدن حتى حدود عمان في البحر العربي، حسب تقرير للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية نشر في 2019.

لكن الوضع الآن تغير. فبحسب النزول الميداني والحديث مع الصيادين اتضح أن أسر الصيادين تعاني مستويات شديدة من انعدام الأمن الغذائي بفعل اضطراب سعر الوقود.

يقول أبو بكر أنور، أحد صيادي منطقة الشرج بمدينة المكلا، في حديثه لـ”المشاهد”: “أصبحنا غير قادرين على توفير الوجبات الرئيسية لأسرنا”. موضحًا أن معاناتهم تزداد يوميًا بسبب الارتفاع في سعر البترول الذي يحتاجونه لتشغيل قوارب صيدهم.

وقررت شركة النفط في حضرموت، في أكتوبر من العام الماضي، رفع سعر مادتي البترول والديزل 200% نتيجة انهيار سعر العملة الوطنية، لتصل الصفيحة 20 لترًا من البترول إلى 19000 ريال حينها، أي 950 ريالًا للتر الواحد. وبعد تحسن سعر العملة الوطنية زاد سعر اللتر البترول ليصل في أبريل 2022، إلى 1350 ريالًا، أي 27 ألف ريال للصفيحة 20 لترًا.

كان اليمن يقدم دعمًا حكوميًا لاستيراد الوقود حتى منتصف 2015، مما يسهل نشاط الصيادين. لكن توقف الدعم الحكومي للوقود أربك الصيادين وأسرهم.

وبحسب أنور “لا يوجد أي تدخل من قبل السلطات للخروج بحل جذري ومعالج لهذا الارتفاع، وإذا استمر الوضع لفترة طويلة سوف نفقد أعمالنا مثلما فقدها الكثيرون من صيادي ساحل حضرموت”.

يومًا في البحر وآخر في محطة الوقود

لقد اختلت سلاسل إمداد الوقود في اليمن بفعل الصراع الحالي، وتتصارع الحكومة المعترف بها دوليًا مع جماعة الحوثي على استيراد هذه السلعة. لكن هذا الصراع تسبب في ارتفاع سعر الوقود، الذي فاق السعر العالمي بأضعاف كبيرة، مما أرهق الصيادين.

وكشف تحقيق لـ”المشاهد” نشر في فبراير هذا العام، أن استيراد الوقود في اليمن أصبح مصدر ثراء لعصابات في جماعة الحوثي التي تحكم صنعاء، والحكومة المعترف بها دوليًا والتي تسيطر على بعض من أجزاء الشمال، والمحافظات الشرقية بما فيها حضرموت، والمحافظات الجنوبية. وبحسب التقرير فإن جماعة الحوثي تدير سوقًا سوداء للمشتقات النفطية في مناطق سيطرتها، وتغذي السوق السوداء من حصص الوقود للمناطق الخاضعة للقوات الحكومية.

إقرأ أيضاً  أكرم عبدالله.. عدسة أوصلت اليمن للعالمية

يقول مروان عمر، صياد من أبناء حي السلام بمدينة المكلا، لـ”المشاهد”: “إننا ننتظر في طوابير طويلة من أجل الحصول على البترول، لكي نؤمن عملنا لليوم الثاني. عند انتهائنا من عملية الاصطياد بأي وقت في اليوم، نتجه إلى المحطات لتعبئة النسبة المحددة لنا من قبل الشركة”.

وبمرارة يقول عمر: “ما يتم كسبه في اليوم يتم إنفاقه على البترول، وذلك بفعل الزيادة اليومية في الأسعار، وعند عدم توافره نتجه للسوق السوداء لكي لا نقف أو ننقطع عن عملنا”.

عزوف الصيادين

الخبير الاقتصادي محمد الكسادي يقول إن الزيادة المرتفعة في أسعار المشتقات النفطية أدت إلى عزوف صيادي الأسماك عن العمل. موضحًا: “يفقد الصيادون الكثير من اللترات من البترول أثناء البحث عن الأسماك، مما يزيد من تكلفة الصيد”.

لا توجد إحصائية بعدد من تركوا مهنة الصيد في ساحل حضرموت، إلا أن الظاهرة في ازدياد نتيجة ارتفاع سعر الوقود واختلال سلاسل الإمداد.

تراجع الطلب على الأسماك

حضرموت.. الصيادون يومًا بالبحر وآخر في محطات الوقود
الطلب المحلي على الأسماك في تراجع نتيجة تدني المستوى المعيشي

بالتزامن مع ارتفاع أسعار المحروقات الذي أثر بشكل كبير على أجور النقل والسلع ونشاط الصيادين، يقول محمد سالم، سائق سيارة أجرة بالمكلا: “بالرغم من وجود البحر على أرضنا، إلا أننا توقفنا عن تناول الأسماك، لأن أسعارها مرتفعة”.

ويضيف سالم أن معظم المواطنين يتجهون إلى نقاط البيع المدعومة “المفارش”، لأنها خففت العبء قليلًا.

خديجة سالم، اسم مستعار لمواطنة في المكلا، تقول إن دخلها من عملها في القطاع الخاص لم يعد يكفي لتأمين الوجبات الرئيسية في المنزل، إلى جانب المتطلبات الأخرى من إيجار وأسطوانات غاز وغيرها، التي تعد أساسية.

وتضيف: “تحيط بنا المنغصات، ولا يوجد من يردع أو يقوم بمحاسبة المتسببين في كل ما من شأنه أن ينغص على المواطن عيشه الكريم، والذي جعل الكثيرين من المواطنين يقفون على أبواب المنظمات بسبب عدم قدرتهم على شراء وجباتهم الرئيسية”.

ويشير الكسادي إلى أن انهيار العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية وارتفاع سعر البترول في الأسواق العالمية الذي وصل إلى ذروته بداية هذا العام، أثر سلبًا على حياة المواطن.

إلى جانب ثبات دخل الفرد سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، هذا كله ضاعف معاناة شريحة الدخل اليومي في ظل استمرار التدهور في قيمة الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية.

قبل اندلاع الصراع في اليمن، كان إنتاج اليمن من الأسماك والأحياء البحرية يبلغ سنويًا حوالي 200 ألف طن، وكان يتم تصدير ما بين 40% إلى 50% من هذا الإنتاج، ما أدر عائدات تقدر بحوالي 300 مليون دولار، حسب دراسة مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. لكن الحرب الدائرة قد خفضت حج الإنتاج السمكي قرابة النصف، بينما تراجعت الصادرات إلى أقل من 70 ألف طن سنويًا منذ اندلاع الحرب، حسب الدراسة نفسها.

وتقول الدراسة إن “نقص الوقود الذي عانى منه البلد بشكل منتظم، قد أثر على عمل الصيادين، إذ أدى إلى ارتفاع التكاليف اللازمة لتشغيل قواربهم”.

مقالات مشابهة