المشاهد نت

الالتحاق بالتعليم الجامعي… تراجع مخيف

تراجع الإلتحاق بجامعة صنعاء العام الجامعي الحالي 15% عن العام السابق

صنعاء – فائز عبده

يشهد الإقبال على التعليم الجامعي في اليمن، في السنوات الأخيرة، تراجعًا ملحوظًا، ويقل عدد الطلبة الملتحقين بالجامعات، الحكومية والخاصة، كل عام عن الذي سبقه.

وتتفاوت نسب التدني في الإقبال على التسجيل في الجامعات، بين الأقسام والتخصصات والكليات، تبعًا لمتطلبات الدراسة، ومخرجاتها، علاوة على النظام الدراسي. فيما تتباين أسباب التراجع بين الأوضاع الأمنية، والظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، وتضاؤل استجابة سوق العمل لمخرجات التعليم الجامعي، فضلًا عن عزوف الشباب عن مواصلة التعليم، وتفضيلهم الانخراط في قوام القوى العاملة لإعالة أنفسهم وذويهم.

ويتزامن ذلك مع تزايد عدد الجامعات الخاصة التي تستقطب أبناء الأسر الميسورة، بالإضافة إلى من لم يتمكنوا من الالتحاق بالجامعات الحكومية نتيجة تدني المعدلات التي حصلوا عليها في امتحانات الشهادة الثانوية العامة.

جامعة صنعاء قد تغلق بعض التخصصات

يؤكد مصدر مسؤول في جامعة صنعاء، أن هناك تراجعًا في إقبال الطلاب على الكليات الهندسية والإنسانية والإدارية، بينما عدد الملتحقين في الكليات الطبية في السنوات الماضية، “متقارب”.

ويقول المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ”المشاهد” إن عدد المتقدمين في النظام الموازي لم يصل إلى القدرة الاستيعابية لبعض الكليات، وإن الكليات النظرية والهندسية استقبلت نصف طاقتها في النظام العام.

ويضيف أن نسبة التراجع في العام الجامعي الحالي 2021/2022، في الجامعة الأعرق في اليمن، تصل إلى ما يقارب 15% عن العام السابق الذي تقدم فيه إلى جامعة صنعاء قرابة 11.500 طالب وطالبة.

ويرجع أسباب التدني في الإقبال على التعليم الجامعي، إلى “الظروف المعيشية، وتدني الطلب في سوق العمل بعد التخرج، واتجاه كثير من الشباب إلى البحث عن لقمة العيش من خلال التوجه إلى الأعمال المهنية واليدوية”.

ويتحدث المصدر المسؤول عن التأثير المتوقع لذلك التراجع على العملية التعليمية في الجامعات اليمنية، وعلى مستقبل البلد عمومًا، مشيرًا إلى “احتمال إغلاق بعض التخصصات” التي تدنت نسبة الإقبال عليها، وما يترتب على ذلك من افتقار البلد إلى الشباب المؤهلين علميًا في سوق العمل.

تأثيرات الحرب

وفي جامعة تعز الحكومية، لم تتجاوز نسبة الإقبال، هذا العام، 65% عن السنوات السابقة، بحسب مصدر مسؤول في إدارة التسجيل والقبول بالجامعة، مشيرًا في حديثه لـ”المشاهد”، إلى أن هنالك “طلبة نجحوا في امتحان القبول، لكنهم لم يحضروا لتسليم ملفاتهم”.

ويضيف المصدر أن عدد الملتحقين بكليات الجامعة لم يصل إلى 5500 طالب وطالبة، مقارنة بقرابة 9000، العام الماضي، الذي شهد أيضًا تراجعًا عما قبله. متوقعًا أن كثيرًا من الطلبة تسربوا من التعليم إلى أعمال حرفية أو مهنية، أو إلى الجبهات لكافة الأطراف، فضلًا عن الهجرة إلى الخارج، وبعضهم انضموا إلى صفوف البطالة.

ويعيد ذلك التراجع إلى عدة أسباب، أبرزها: “الحالة المادية الصعبة وانقطاع الرواتب”، المترتبة على الحرب الدائرة في البلاد، والآثار السلبية التي خلفتها في مختلف جوانب حياة الناس، و”تدني معدلات الثانوية في السنوات الأخيرة”، وبالذات “العام 2019/2020، الذي اعتمدت فيه الحكومة المعدل التراكمي بدون اختبار الشهادة الثانوية”، والذي مثل “ضربة قاضية للطلبة المهملين والمعتمدين على الغش”، حد تعبيره.

ويؤكد أن عدد الملتحقين بجامعة تعز، نقص حوالي الثلث، هذا العام، مرجعًا ذلك إلى أن “معظم الطلبة الذين كانوا يشكلون رقمًا صعبًا في الجامعة، ينحدرون من مناطق الحوبان وماوية وخدير ومحافظة إب، التي تأثرت بالأوضاع المأساوية لمدينة تعز، وانقطاع الطرق وبُعد المسافة وارتفاع تكلفة المواصلات”.

الأوضاع الأمنية

الحال ذاتها تكاد تتكرر في جامعات أخرى، وربما في عموم الجامعات اليمنية، في ظل الأوضاع غير الطبيعية التي تعيشها البلاد منذ سنوات. ومن ضمن تلك الجامعات، تشهد جامعة إقليم سبأ في مأرب، تراجعًا في التحاق الطلبة في العام الجامعي الحالي، مقارنة بالأعوام السابقة، حسب تأكيد مصدر في إدارة القبول والتسجيل في الجامعة.

ويقول المصدر، في حديث مقتضب لـ”المشاهد”، إن “الإقبال هذا العام أقل من الأعوام السابقة”، مشيرًا إلى أن “نسبة الإقبال لا بأس بها بشكل عام”، حد تعبيره.

ويؤكد مسؤول في الجامعة، ما ذهب إليه المصدر، موضحًا أن “الأوضاع الأمنية والعسكرية، والنزوح، وعدم الاستقرار النفسي والمعيشي، من الأسباب الرئيسية لذلك التراجع”.

ويوضح ناصر الرملي، مسجل عام الجامعة، لـ”المشاهد”، أن التدني في الإقبال على التعليم الجامعي، له تأثيرات سلبية على مستقبل البلد؛ من حيث “التأخر عن ركب التطور والتنمية”، و”تفشي الأمية بين المتعلمين”، وتضاؤل المستوى الثقافي في المجتمع”، ما يؤدي إلى “تنامي قدرة القادة والمسؤولين على جذب المواطنين، وبخاصة الشباب، واستقطابهم لتوجهات معينة”.

خطر كبير

لا يختلف الأمر كثيرًا في الجامعات الخاصة، بل يكاد يتطابق الوضع مع ما هو قائم في نظيراتها الحكومية. وتقول فائزة القدسي، من إدارة القبول في جامعة الحكمة بالعاصمة صنعاء، إن التراجع في التحاق الطلاب في الجامعة، يقترب من 50% من القدرة الاستيعابية، مشيرة إلى أن معدل التراجع في كليات الهندسة والعلوم الإنسانية والإدارية، أكثر منه في الكليات الطبية، وأن بعض الأقسام لم يتقدم إليها سوى بضعة طلاب.

وتضيف القدسي لـ”المشاهد” أن من أسباب ذلك التراجع، “غياب الوعي المجتمعي، وندرة فرص العمل، والظروف المادية” التي يعيشها المواطنون في ظل الوضع الراهن الذي يمر به البلد. لافتة إلى أن “تأخر إصدار شهادات الثانوية العامة، وتعقيد إجراءات التحاق الطلاب القادمين من المناطق الجنوبية، أسهم في تدني أعداد الملتحقين في الجامعة لهذا العام مقارنة بالأعوام السابقة”.

وتؤكد أن هناك “خطرًا كبيرًا” يتربص بالعملية التعليمية في اليمن، جراء هذا التدني في التحاق الطلبة بالتعليم الجامعي، وما يترتب على انعدام الرغبة الدراسية، أو القدرة على مواصلة التعليم، من زيادة في نسبة الأمية والجهل في أوساط المجتمع.

تأثير سلبي

ويؤكد مسؤول في جامعة السعيد الخاصة في تعز، أن هناك “تراجعًا ملحوظًا” في إقبال الطلاب على الجامعة، يصل إلى ما يقارب 35%، مشيرًا إلى أن “نصيب الكليات النظرية من التراجع أكثر من الكليات التطبيقية”.

ويسرد وليد منصور، مسجل عام الجامعة، في حديثه لـ”المشاهد”، عددًا من الأسباب التي تقف خلف ذلك التراجع؛ منها: الحرب التي تشهدها البلاد منذ سنوات، النزوح الذي اضطر إليه القاطنون في مناطق المواجهات، الوضع الاقتصادي للأسر اليمنية، والرغبة في العمل والاغتراب بحثًا عن مصدر دخل لمواجهة متطلبات الحياة المعيشية.

إقرأ أيضاً  العنف ضد المرأة في اليمن بعد وفاة الزوج 

ويرى منصور أن لهذا التدني في الالتحاق بالتعليم الجامعي، “تأثيرًا سلبيًا على كل المستويات”، يتمثل في “تدني الثقافة على المستويين الشخصي والمجتمعي”، و”عدم وجود جيل شاب متعلم لإدارة البلد”، و”افتقار سوق العمل إلى المخرجات المتخصصة”.

انهيار التعليم

ويشدد مصدر في إحدى الجامعات الخاصة في تعز (لم يرغب في الكشف عن هويته أو الجامعة التي يعمل فيها)، على أن من أسباب ضعف الالتحاق بالتعليم الجامعي، انهيار التعليم العام والجامعي؛ نتيجة لعدم حصول المعلمين والدكاترة على كامل أجورهم، وضعف المستوى العلمي لمخرجات الثانوية العامة، فضلًا عن الحرب الدائرة في البلد منذ 7 سنوات.

ويشير المصدر، في تصريح قصير لـ”المشاهد”، إلى أن الإقبال على الجامعات الخاصة أفضل منه في الجامعات الحكومية؛ لسببين: الأول أن “كثيرًا من الطلبة يفضلون الاتجاه إلى الجامعات الخاصة لغرض النجاح”، والثاني أن تلك الجامعات “تستهوي الميسورين أكثر”، حد تعبيره.

ويلفت إلى أن من أسباب تراجع الإقبال على التعليم الجامعي، تركز الجامعات في المدن الرئيسية، مقابل وجود أعداد هائلة من الشباب، في الأرياف، في ظل عدم قدرتهم على مواجهة تكاليف التنقل والإقامة في حواضر المحافظات.

وتواصل معد التحقيق مع مسؤولين في عديد جامعات خاصة في صنعاء وتعز، إضافة إلى جامعة عدن الحكومية؛ لإثراء المادة بالآراء ووجهات النظر. بعضهم تجاوب بدايةً، ثم تراجع عن أقواله، وبعضهم لم يرد على التساؤلات المطروحة ضمن محاور التحقيق. كما تواصل مع مسؤولين ومصادر في وزارة التعليم العالي في كل من صنعاء وعدن، لكنه لم يتلقَّ أي رد على الأسئلة والمحاور المطروحة عليهم. ولم يعثر على إحصائيات رسمية حديثة عن مؤشرات التعليم الجامعي، ومستويات تطوره خلال السنوات الأخيرة.

أسف وحسرة

الطرف الرئيسي في هذا التحقيق، هم الطلبة الذين كان لا بد من استيضاح الأمر منهم، ومعرفة وجهات نظرهم حيال القضية محل التناول هنا.

يقول الشاب فارس محمد، إنه أحجم عن الالتحاق بالجامعة بسبب عدم قدرته على تحمل مصاريف الدراسة، إذ إنه يعمل في مطعم شعبي بصنعاء لإعالة أسرته الكبيرة التي لا يكفيها ما يحصل عليه والده من عمله في مجال البناء والتشييد.

ويضيف محمد لـ”المشاهد” أنه أنهى الثانوية العامة قبل عامين، بمعدل جيد، يتيح له الالتحاق في أيٍّ من الكليات النظرية والإنسانية، لكن الظروف المعيشية أرغمته على الانخراط في سوق العمل بدلًا من مواصلة تعليمه.

ويؤكد أنه يأسف على ما آل إليه مصيره، ويتحسر على مستقبله الذي كان يحلم أن يصير فيه محاميًا يترافع في المحاكم في صف المظلومين؛ تحقيقًا للعدالة والإنصاف، وتجسيدًا لمبادئ الحق التي تجذرت في شخصيته منذ الطفولة.

فيما تقص الشابة ندى (19 عامًا) حكايتها مع الحرمان من حقها في التعليم الجامعي، بسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي قالت إن والدها عجز عن مواجهتها، والتغلب على قسوتها، مضيفةً لـ”المشاهد” أن والدها الذي يعمل بالأجر اليومي، حرص على تعليمها وتشجيعها، حتى نالت الشهادة الثانوية بتفوق، غير أنه وجد صعوبة في تمكينها من مواصلة التعليم العالي، حسب قولها.

وتذكر ندى، بحسرة وألم، أن حلمها تلاشى، وآمالها تبددت، نتيجة الفقر الذي تعيشه أسرتها، والأوضاع القاسية التي تحيط بها، لذلك فقدت الإيمان بقدرتها على تحقيق طموحها الذي خططت له أيام الثانوية، والمتمثل بأن تصبح طبيبة مشهورة، وتبني مستشفى حديثًا متكاملًا، يقدم خدماته الشاملة لأبناء بلدها.

فقر وشتات

ومن جهته، يتحدث الطالب سليم عبدالله، عن أن عددًا من زملائه خريجي الثانوية العامة، لم تسمح ظروفهم بالدراسة الجامعية، مشيرًا إلى أن بعضهم اضطرته الأوضاع إلى العودة لقراهم البعيدة عن الجامعات، وبعضهم أجبرته الظروف المعيشية على التوجه إلى العمل، وآخرين لجأوا إلى الاغتراب بعد أن وجدوا فرص عمل في الخارج.

ويعبر سليم، في حديثه لـ”المشاهد”، بكثيرٍ من الشجن، عن اشتياقه الجم إلى أصدقائه الذين جمعتهم مقاعد الدراسة الثانوية، قبل أن تفرقهم الأوضاع الاقتصادية والأمنية التي تعيشها البلاد، ويعاني في ظلها المواطنون صنوف الفقر والقهر، وأشكال المآسي والشتات.

وتتفق معه الطالبة سلوى عبدالله، التي تقول إنها محظوظة من بين كثير من رفيقات الثانوية، لكونها تمكنت من الالتحاق بالجامعة، رغم الحالة المادية الصعبة لأسرتها، وذلك بدعم وتشجيع من والدها الموظف في القطاع الخاص.

وتضيف سلوى لـ”المشاهد” أنها تسمع قصصًا مؤلمة من صديقاتها حينما تتواصل معهن أو تلتقيهن في المناسبات، وهن يتحدثن عن مصائرهن ومآلات حياتهن التي قذفت بهن إلى الزواج المبكر والانقطاع عن الدراسة، أو المكوث في منازل ذويهن محرومات من مواصلة التعليم.

وتشير إلى أسباب خاصة بالفتيات، في هذا الخصوص، تتمثل في الزواج المبكر الذي يجبر كثيرًا منهن على ترك الدراسة، إضافة إلى عدم إمكانية انتقال الفتيات الريفيات إلى المدن، لمواصلة تعليمهن الجامعي، بعيدًا عن ذويهن، فضلًا عن منع بعض أولياء الأمور بناتهم من الانتقال إلى المراحل العليا من التعليم، مكتفين بما تيسّر من التعليم العام الذي يصل ذروته ببلوغ الشهادة الثانوية.

معطيات ونتائج

في ظل المعطيات والمؤشرات الواردة في سياق هذا التحقيق، تتجلى خطورة التراجع في الالتحاق بالتعليم الجامعي، على مستقبل العملية التعليمية، ومستوى مخرجاتها، في عالم يعتمد على جودة التعليم (العام والعالي)، ويسعى حثيثًا إلى تطوير آلياته وأدواته، ومن ذلك المناهج التربوية، والكوادر البشرية، والبنية التحتية، وأساليب التعليم والتعلم.

وتزداد، مع ذلك، قتامة الوضع، وتفاقم المخاطر على مستقبل البلد، الذي يشهد منذ عقد من الزمن حالة صراع وأزمة سياسية توِّجت بحرب توشك أن تدخل عامها الثامن، وما خلفته من معاناة ومآسٍ وتأثيرات سلبية وتداعيات سيئة على كافة مناحي حياة الشعب اليمني.

مقالات مشابهة