المشاهد نت

يمنيون كثر يرون صراعات بلدهم “لعب سياسة” .. لماذا؟

صورة تعبيرية

المشاهد – فؤاد محمد-خاص:

يقتحم الحوثيون صنعاء في 2014، ويحاصرون الفرقة الأولى مدرع، ويتم قصفها من معسكرات موالية لعلي عبدالله صالح، ويغادر علي محسن الأحمر إلى السعودية، وعندما يسألك آخر عما يحدث وتجيب عليه، يرد عليك (لاتصدق هي غير سياسة .. هم سديين).

يخرج عبدالملك الحوثي زعيم الحوثيين في خطاب متلفز، موجهاً خطاباً نارياً على حليفه الرئيسي علي عبدالله صالح وحزبه، ويوجه التهديدات، ويذهب أعضاؤه لحصار صنعاء باعتصامات مقابلة للحشد الذي دعا له صالح الخميس الماضي في ميدان السبيعن، ومع ذلك .. هناك كثر أن ذلك مجرد لعب سياسة.

إذاً مادام والأمر لعب سياسة فكيف ينظر اليمني إلى السياسة؟ ولماذا أصبح يرى كل ماحوله بأنه مجرد لعب سياسة؟ وما سبب فقده للثقة في السياسة؟

 

خداع وكذب

برأي سلطان أنعم – مواطن يسكن صنعاء – في حديثه لـــ” المشاهد” إن السياسة كذب، وخداع. وبتأكيده فإن اليمن دمرتها السياسة باعتبار السياسيين الوحيدين المستفيدين من تدمير الشعب اليمني.

ولا يختلف كثير من اليمنيين عن ما ذكره “أنعم”، فالسياسة لدى كثيرٌ منهم هي مجرد القدرة على مخادعة الجماهير، أو المنافسين لتحقيق مكاسب معينة، وهو تعريف يختلف تماماً مع التعريفات العالمية لهذا المصطلح.

ورغم حالة الخلاف القائمة بين الحوثيين وعلي عبدالله صالح مؤخراً، يرى الدكتور يحيى الأحمدي – محاضر بجامعة إقليم سبأ في مأرب – أن صالح الصماد وعلي أبو الحاكم – قيادات حوثية –  و70% من اللجان الشعبية (مليشيا الحوثي) جنوداً تابعين لصالح.

ويتناقل ناشطون تابعون للحكومة الشرعية عبر (الواتس آب) تحذيرات تقول إن المواجهات التي اندلعت بين أتباع الحوثي وصالح في جولة المصباحي السبت الماضي، هي مجرد سياسة، هدفها إلهاء جبهات الشرعية بما يحصل في صنعاء.

ويعلق أحدهم ساخراً: “على غيري .. متقاتلين في صنعاء ومتحدين في الجبهات”، في إشارة منه إلى أن الصراع الحاصل في صنعاء بين أتباع الحوثي وصالح هي مجرد سياسة.

 

حرباً قاسية

وبحسب علي محمد العقبي – كاتب – فإن الكثير من اليمنيين فعلا مازالوا يرون أن الحاصل أشبه بالمزاح، وأنها لعبة سياسية، لذا فإنهم لم يحددوا خياراتهم بشكل دقيق، ولا إلى أين يتجهون أو في صف من يقفون.

ويقول لـ”المشاهد” إن اليمن تعيش حرباً قاسية جداً ذهب ضحيتها الآلاف، ولازال هناك الكثير ممن يسرد التحليلات بأن خلاف هو بين قيادات سياسية وأحزاب، في حين أن واقع الحرب ليس كذلك، حيث باتت الأحزاب السياسية بلا دور في هذه المعركة، لأن هناك مليشيا مسلحة ترفض الحزبية انقلبت على السلطة الشرعية، وقادت حرباً على الشعب اليمني بما فيهم المؤتمر الشعبي العام، وليس خلاف سياسي”.

ويؤكد أن الصراعات الموجودة على الساحة اليمنية لم تعد لعب سياسة، وكان بإمكاننا قول ذلك قبل 2014، أما اليوم، فقد أصبح الصراع صراع شامل تعدى السياسي إلى العقدي، وبين نظام قديم ملكي ونظام جمهوري إتحادي، ولا يمكننا أن نقول إنه صراع سياسي.

إقرأ أيضاً  بعد مرور عام من الوساطة الصينية بين السُّعُودية و إيران، أين يسير اليمن؟

وفي حين يرى العقبي أن الجهل له دورٌ كبير فيما أسماه بـ (العمى السياسي)، فإن ذلك بتأكيده أطال عمر المعركة لسنوات، وربما تستمر، إذا لم يحصل تغير في عقلية المتابع اليمني، بأن ما يجري هي معركة تستهدف اليمن كمنظومة متكاملة تبدأ بالأرض ومن ثم الإنسان، وكل ما يرتبط به من ثقافة وقيم وهوية.

وتعرف الموسوعة العالمية ويكيبيديا السياسة بأنها “رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية”. ووفق هارولد لاسويل فإنها دراسة السلطة التي تحدد من يحصل على ماذا (المصادر المحدودة) متى وكيف، أي دراسة تقسيم الموارد في المجتمع عن طريق السلطة (ديفيد إيستون).

وعرفها الشيوعيون بأنها دراسة العلاقات بين الطبقات، فيما عرفها الواقعيون بأنها فن الممكن أي دراسة وتغيير الواقع السياسي موضوعيا وليس الخطأ الشائع، وهو أن فن الممكن هو الخضوع للواقع السياسي وعدم تغييره بناء على حسابات القوة والمصلحة.

 

نتيجة الصدمات

ويرى الكاتب والصحفي أحمد يحيى عايض – رئيس تحرير مأرب برس – أن نظرة اليمنيين القاصرة للسياسة ناجمة عن ما وصفها بـ “الصدمات النفسية التي تعرض لها الشارع اليمني منذ بداية ثورة الربيع العربي حتى اليوم”.

ويؤكد لـ”المشاهد” أن ما حصل “عقب ثورة الربيع العربي أعطى اليمنيين إنطباعاً سيئاً حول تصريحات السياسيين ومواقفهم, حتى بات البعض ينظر إلى تلك الخلافات على أنها توزيع أدوار ولعب فيما بينهم، لكثرة ما سمعوه وعاصروه من أكاذيب ووعود”.

وخلال السنوات الأخيرة شهدت خارطة التحالفات السياسية تحولات وتبدلات كان أبرزها تحالف الحوثيين مع علي عبدالله صالح بعد ستة حروب، وتفكك أحزاب اللقاء المشترك، وانقسام أحزاب سياسية بين الشرعية والحوثيين، مما جعل اليمنيين ينظرون للسياسة بأنها فن الخداع وفق ناشطين.

ويضيف عايض “آخر الصدمات السياسية لليمنيين ما حصل في ميدان السبعين حيث هرول الآلاف من أعضاء المؤتمر الشعبي العام تلبية لدعوة زعيمهم الذي قال إنه سيحتفل بذكرى تأسيس أول حزب سياسي في اليمن، طمعاً منهم في إحياء مسار الحزب السياسي وإغلاق ملف الحرب والموت كما كان يروج لهم قبل وصولهم إلى ميدان السبعين”.

وتابع: “لكن أعضاء المؤتمر صدموا من زعيمهم الذي بشرهم بأنه سيزج بعشرات الآلاف منهم للموت دفاعاً عن الإمامة والكهنوت وقرباناً لحملة الجوع والفقر والمرض ودعاة التخلف والعبودية”.

وأضاف: “لقد عاد الغالبية العظمى من أبناء الشعب بنفوس تحمل اليأس من كل وعود السياسيين وتصريحاتهم التي أصبحت محل السخرية الاستهجان”.

ويرى مراقبون أنه خلال السنوات العشرين الأخيرة شهد المشهد السياسي اليمني أحداثاً دفعت باليمنيين لتصور كل هذه الصراعات في إطار السياسة، ومن أبرز تلك الأحدث هو استخدام الحوثيين للقضاء على الخصوم من قبل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والاستفادة من التنظيمات الإرهابية في كسب الدعم الدولي ماليا.

 

مقالات مشابهة