المشاهد نت

مرضى السرطان في اليمن… استمرار الحرب تفاقم المعاناة

تعز – محمد علي محروس:

لدى قدومه من مديرية القبيطة، شمال محافظة لحج، توقّف خالد الحميدي، رفقة زوجته المصابة بالسرطان، 3 أيام، في منطقة الراهدة، جنوب محافظة تعز؛ علّه يحظى بفرصة طال انتظارها للدخول إلى مدينة تعز المحاصرة بفعل الحرب الدائرة فيها منذ 5 سنوات، حيث يوجد مركز الأمل لعلاج الأورام السرطانية.
تسللت إلى مسامع خالد أخبار تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة، عن نية الحوثيين فتح ممرات إنسانية إلى مدينة تعز، وهذا ما دفعه للانتظار، قبل أن يستقل سيارته متجشماً عناء الطرق الملتوية في أعالي جبال الأقروض، من أجل اللحاق بموعد جرعة زوجته الدوائية.
“قضيتُ 7 ساعات كاملة في الطريق، وتوقفت سيارتي أكثر من مرة، لم أكن أعلم أنها شاقة إلى هذا الحد، هذه المرة الأولى التي ندخل فيها إلى المدينة، ولا أظن أننا سنعود إليها مجدداً”، بهذه المرارة عبّر خالد عما كابده أثناء دخوله إلى مدينة تعز.

صورتان للمعاناة

ويعيش مرضى السرطان في تعز، وضعاً معقداً للغاية، في ظل ما تعيشه المدينة من حصار، إذ يحتاج القادمون من المديريات المحيطة إلى نحو 6 ساعات للوصول، وهو ما لم يكن من قبل، فمنهم من كان يقضي المسافة في دقائق، وبات يكابد مشقة السفر لساعات، بسبب المواجهات المحتدمة وخطوط النار المنتشرة على تخوم المدينة التي تفتقر لممرات إنسانية آمنة.
الكثير من المرضى لا يستطيعون الوصول إلى المدينة لتعاطي جرعهم الدوائية، بسبب الصعوبات التي يواجهونها في الطريق، أو لأسباب مادية بسبب الحرب، فالوضع لم يعد كما كان، وكثير منهم يعودون بعد غياب يصل لأشهر، يعودون بحالات انتكاسة مرضية بسبب انقطاعهم عن المتابعة والدواء، وفق تصريحات أدلى بها لوكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، الدكتور أحمد القيسي، أخصائي أورام الدم والغدد الليمفاوية في مركز الأمل لعلاج الأورام بتعز.
وليس ببعيد عن تعز، يعاني مرضى السرطان في محافظة الحديدة (غرب اليمن)، ظروفاً شبيهة بتلك التي يعيشها الآخرون في تعز، فالحالة العسكرية المفروضة على مديريات عدة في المحافظة، تلقي بظلالها على مرضى السرطان، إذ يكابدون عناء السفر من المديريات الجنوبية بالمحافظة إلى المديريات المحاذية لصنعاء شمالاً، ومنها إلى قلب مدينة الحديدة، من أجل متابعة رحلتهم الدوائية أملاً في القضاء على السرطان.
وعبر عبدالله خلوف، مدير مؤسسة مكافحة السرطان في محافظة الحديدة، عن حزنه جرّاء ما يكابده المرضى، في ظل هجرة رؤوس الأموال الذين كانوا يسهمون بتبرعاتهم المالية وبمساهماتهم العينية في التخفيف من آلام المرضى، إلا أن الحالة التي تمر بها الحديدة، قلبت الأمور رأساً على عقب، كما يقول.

إقرأ أيضاً  القيود الأسرية تمنع الفتيات من تحقيق أحلامهن

عودة الأمل

وبالعودة إلى تعز، فإن مركز الأمل لعلاج الأورام استعاد طاقته الكاملة للعمل، بعد أن أعيد افتتاح مبناه الرئيس، تزامناً مع اليوم العالمي للسرطان في الـ4 من فبراير، وذلك بعد 5 سنوات من العمل في مبنى مؤقت، بعد تعرضه للقصف بسبب المواجهات المسلحة بين أطراف الصراع، في يوليو 2015.
ويرى الدكتور سمير سفيان، مدير المركز، أن عودة العمل في المبنى الرئيس، ستسهم كثيراً في التخفيف من وطأة الازدحام الذي كان يشهده في مبناه المؤقت، بفعل الإقبال المتزايد، إذ يرتاده يومياً أكثر من 120 مريضاً، لتلقي خدماتهم الصحية والنفسية بشكل مجاني.
وأضاف سفيان: “واجهنا ظروفاً قاسية هددتنا بالتوقف لولا أننا عملنا بالمتاح للتخفيف من المعاناة، فمريض السرطان إذا تُرك دون رعاية، فهذا يعني بالنسبة له الموت، وهو ما لا نقبله، لا على المستوى الأخلاقي ولا الإنساني، وعملنا جاهدين لتلبية الاحتياجات وفق الممكن، وكذلك نحن اليوم رغم عودة المركز للعمل بطاقته السابقة، حيث نحتاج إلى أجهزة تشخيصية حديثة، وتأثيث طبي مواكب للمستجدات العالمية في إطار مكافحة السرطان، سواء من حيث العلاج أو الكشف المبكر، وهذا سيوفر خدمة متكاملة للمرضى في مكان واحد دون عناء السفر وتكاليفه الباهظة”.

تفاؤل حذر

على الرغم من الصعوبات التي صنعتها الحرب لمرضى السرطان في اليمن، من إغلاق لبعض المراكز المعنية بتقديم الخدمة، وصعوبة تنقلهم من الريف إلى المدينة، وارتفاع تكاليف المعيشة والتنقل، وتباين توفر الأدوية والمستلزمات اللازمة من مدينة إلى أخرى، إضافة للتقلبات النفسية التي يمرون بها، إلا أن مجاهد الجوفي، المدرب في مجال الأورام بالمركز الوطني لعلاج الأورام في صنعاء، له رأيه المحفوف بالتفاؤل الحذر.
يرى الجوفي أن جهود مكافحة السرطان في تزايد مستمر، ولا يمكن مقارنتها بالسابق، في ظل ما نراه، فصندوق مكافحة السرطان الذي أعيد تنشيطه مؤخراً، في صنعاء، سيسهم كثيراً في صناعة واقع جديد ضمن جهود المكافحة. ويقول: “يكفينا تفاؤلاً أن هناك تكوين نواة حقيقية لوحدات معالجة أورام في محافظات كذمار وحجة وصعدة والمحويت، وهذا بحد ذاته مؤشر إيجابي يجب البناء عليه”.
ويضيف: “لا نملك إلا أن نتفاءل ونحن نشاهد مراكز كتعز والحديدة، تعمل في ظل الظروف التي تعيشها، وتواجه كل التحديات لضمان استمرارية العمل، هذا يدعونا لبذل جهود مضاعفة حتى نكون في مستوى أكثر فاعلية على مستوى الوقاية والعلاج”.

مقالات مشابهة