المشاهد نت

اقتصاديون ينتقدون «إدخال الدولة يدها في جيب المواطن»

تفاوتت آراء خبراء الاقتصاد حول جدوى قرار الحكومة برفع سعر الدولار الجمركي - صورة خاصة بالمشاهد

عدن – بديع سلطان

أثار قرار رفع سعر الدولار الجمركي عبر موانئ الحكومة اليمنية جدلًا بين الاقتصاديين والخبراء الماليين، ما زالًا مستمرًا حتى اليوم.

وتباينت مواقف المسئولين والخبراء الاقتصاديين ورجال الأعمال والتجار من القرار، حتى انقسموا حوله، فمنهم المؤيد والذي يعتبر قرارًا صائبًا كحلٍ لمواجهة شحة الموارد، ومنهم من اعتبره عبئًا جديدًا على المواطنين.

الرابطة الاقتصادية في العاصمة المؤقتة عدن (جنوب اليمن)، عقدت أواخر الأسبوع الماضي ورشة عمل، جمعت فيها ممثلين عن البنك المركزي اليمني وهيئات مكافحة الفساد والمرافق الحكومية العامة، وعدد من التجار ورجال الأعمال.

اقتصاديون ينتقدون «إدخال الدولة يدها في جيب المواطن»

هدفت الورشة إلى دراسة القرار الحكومي برفع سعر صرف الدولار الجمركي، ومناقشة الآثار المتوقعة، وطرح الإجراءات المقترحة لرفع الموارد المالية للدولة؛ بهدف مواجهة تبعات قلة الموارد بعد الهجمات الحوثية على موانئ تصدير النفط.

وما يجعل من القرار محل جدل مستمر حتى اليوم، التبعات السياسية والمعيشية المترتبة عليها، وتحويل مسار الخطوط الملاحية للعديد من السفن وبواخر البضائع باتجاه ميناء الحديدة، بعد الامتيازات التي منحها الحوثيون للتجار، وحرمان ميناء عدن من دوره الاقتصادي.

قرار صحيح

رئيس الرابطة الاقتصادية الدكتور حسين الملعسي قال إن القرار الحكومي برفع سعر صرف الدولار الجمركي صحيح من الناحية الاقتصادية، معللًا رأيه بأن القرار يتناسب ويتماشى مع السعر العالمي الدولار الأمريكي.

لكنه استدرك حديثه بالإشارة إلى أن هناك العديد من الإجراءات الممكنة التي كان يمكن عبرها استعادة ”الموارد المهدرة”.

وأكد الملعسي أن الحكومة اليمنية لجأت إلى قرار رفع سعر الصرف الجمركي باعتباره ”الخطوة الأسهل” لمواجهة مشاكلها، ولم تفكر في خطوات أخرى ممكنة.

موارد مهدرة

من جانبه قال رئيس قسم العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة عدن، الدكتور سامي محمد نعمان، إن الحكومة تقوم فقط بـ”رد فعل” لمواجهة وحل المشاكل الاقتصادية دون أن تعمل على إيجاد مشاريع تنموية مستدامة.

وأشار إلى جملة من الإجراءات والإقتراحات التي كان يمكن للدولة القيام بها، لتحصيل ”الموارد المهدرة” ومواجهة شحة الموارد بسبب توقف تصدير النفط بعد الضربات الحوثية على الموانئ النفطية.

اقتصاديون ينتقدون «إدخال الدولة يدها في جيب المواطن»

وذكر الدكتور نعمان من تلك المقترحات، إيرادات قطاع الاتصالات والجمارك التي يمكن أن تفي بسد حاجة جميع مرتبات موظفي الجمهورية، بالإضافة إلى تفعيل تحصيل الضرائب والواجبات، بحسب وصفه.

وأكد الأستاذ الجامعي أن مبيعات النفط والغاز في عام 2014، كانت أقل من قيمة إيرادات الضرائب والجمارك في نفس العام.

ومن الاقتراحات التي تحدث عنها للدكتور سامي نعمان، إعادة تفعيل الموارد غير المحصلة في قطاع الأوقاف، لافتًا ألى أن جماعة الحوثي جنت ما قيمته 75 مليار ريال يمني كإيرادات زكوية فقط خلال العام الماضي.

كما اقترح تقليص عدد السفارات والقنصليات الخارجية والموظفين فيها، والتي تكلف أموالًا طائلة بالعملة الصعبة، وكذا إيقاف صرف مرتبات كبار موظفي الدولة أو أية قطاعات أخرى بالدولار الأمريكي.

وإيقاف الابتعاث الخارجي الذي تجاوزت إجمالي قيمة تكلفته 11 مليون دولار، وهو ما يمثل عبئًا على الدولة، وتفعيل ودعم هيئات مكافحة الفساد والرقابة التي لا تمتلك ميزانيات تشغيلية ونطالبها بممارسة عملها، بحسب اقتراحات الدكتور سامي.

أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة عدن اعتبر أن إجراءات الحوثيين في مواجهة التردي الاقتصادي أفضل بكثير من إجراءات الحكومة اليمنية، وأكد أن اللجوء إلى رفع سعر صرف الدولار الجمركي لا يجب اللجوء إليها إلا بعد استنفاد كافة الإجراءات البديلة.

تحديد قيمة السلع

رجال أعمال وتجار مشاركون في الورشة أكدوا أن القرار الحكومي برفع سعر الدولار الجمركي لا علاقة له بتحديد سعر السلع والبضائع والمواد الاستهلاكية.

وأشار رجل الأعمال خالد عبدالواحد إلى أن الأثر الإجمالي لكافة الضرائب (ضريبة الدخل، ضريبة المبيعات، سعر الدولار الجمركي) لا يتجاوز 11,25 %، يضاف عليها 1,77 % تكاليف التخليص الجمركي والنقل، وبذلك يكون الإجمالي 13,02 %، وهي التكلفة النهائية على مستوردي السلع المدفوعة للحكومة.

وأكد عبدالواحد أن هذه التكلفة لا تحدد قيمة السلعة، ولكن ما يحدد سعر المواد الاستهلاكية هو سعر الصرف في السوق، بالدولار أو الريال السعودي.

مشيرًا إلى أن التكلفة المرصودة توصل إليها بناءً على التقارير والإقرارات الضريبية التي يرفعها التجار المنتظمين للدولة، وعددهم ضئيل جدًا، فغالبية المستوردين لا يقدمون أية إقرارات ضريبية للدولة.

اقتصاديون ينتقدون «إدخال الدولة يدها في جيب المواطن»

رجل الأعمال خالد عبدالواحد لفت إلى أن هذا الأثر المالي لسعر الصرف الجمركي والضرائب لا يمكن قياسها في عدد من المنافذ البرية والبحرية المحلية في بقية المحافظات، وما يدفعه التجار والمستوردين هناك لا تظهر في بيانات الضرائب والجمارك، وهو ما يؤكد عمليات التهريب التجاري.

إقرأ أيضاً  تسجيل إصابة بالكوليرا في لحج

موقف ”مركزي عدن”

عضو مجلس إدارة البنك المركزي اليمني بعدن، خالد زكريا، تحدث في مداخلته عن مهام البنك ودوره في الحفاظ على مستوى محدد لسعر الصرف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا.

وقال زكريا: ”إن من يمتلك المعلومة يمتلك المستقبل”، مؤكدًا أن مركزي عدن مسئول عن سعر الصرف وليس عن أسعار السلع.

وكشف المسئول المالي عن ”أخطاء إدارية” رافقت عمل الإدارة السابقة للبنك، وتابع: ”ظلينا شهورًا نعالج أخطاء إدارية وقانونية قامت بها الإدارة السابقة، وما زال البنك يُهاجم بسببها رغم البيانات والتقارير الرسمية الدولية والأممية التي أشادت بالإجراءات المتخذة من الإدارة الحالية.

وأضاف أن البنك سحب قرابة تريليون و108 مليارات ريال من السوق، بما يمثل 41 % من إجمالي الكتلة النقدية والتداول النقدي في السوق، ما جعل البنك أمام خيارات، إما حجزها أو صرفها كمرتبات، وإذا تمت عملية صرف هذه الكتلة المالية كمرتبات كان يمكن أن يتراجع سعر الدولار إلى ما دون النصف مما هو عليه اليوم.

زكريا قال إن أول قرار اتخذته الإدارة الحالية للبنك كان عدم طباعة مزيد من الأموال الورقية، ومثل ذلك تحديًا كبيرًا، لكنه ساعد البنك في النجاح بالحفاظ على سعر صرف الدولار ما بين 1200 – 1300 ريال يمني، بعد أن كان قد تجاوز 1750 ريال.

وواصل: ”مزيد من الطباعة الورقية للأموال كان يعني ضريبة باهظة الثمن لن يتحملها المواطن”، واعترف عضو مجلس إدارة البنك المركزي بوجود أموال ورقية لدى البنك وفي مخازن الموانئ، لكن البنك لن يخضها إلى السوق، لأن ذلك يعني إيصال سعر صرف الدولار إلى أكثر من ألفي ريال يمني.

دور الرقابة القضائية

الورشة ضمت أيضًا ممثلين عن الجهات والأجهزة الرقابية، حيث أكدت رئيسة الهيئة العليا لمكافحة الفساد القاضية أفراح بادويلان أن معالجة الأوضاع الاقتصادية يجب أن يشمل كافة قطاعات الدولة المعنية، بما فيها الأجهزة النيابية والقضائية والأمنية.

ودعت بادويلان إلى الشراكة مع كافة المؤسسات السيادية بما فيها الأجهزة الرقابية وهو ما ميز عمل اللجنة الاقتصادية عام 2018، والتي قالت إنها حققت نجاحات، بصرف النظر عن أسباب توقفها لكنها نجحت في السبب الذي أنشأت من أجله، وشكلت غرفة عمليات مستمرة بما فيها النيابة لمعاقبة المخالفين.

بادويلان قالت إن الأجهزة الأمنية والرقابية غائبة، وكان ينبغي أن يرجع صانع القرار إليها قبل اتخاذها، والتشاور مع المعنيين والمؤسسات والجهات، وحتى التشاور مع التجار لمنعهم من التغول في استغلال هذا القرار برفع أسعار المواد الأساسية التي لا يشملها قرار رفع السعر الجمركي.

وتوقعت بادويلان أن تدخل الحكومة في مواجهة مع القضاء بعد أن أصدرت المحكمة الإدارية إيقاف العمل بالقرار، وهو ما يضيف صراع جديد بين السلطات التنفيذية والقضائية، كأحد آثار القرار.

آراء الخبراء: قرار خاطئ

عدد من الخبراء الاقتصاديون المشاركون في الورشة، تحدثوا عن وجود أزمة ”إدارة مالية”، وأزمة انقسام البنك المركزي، وتفاقم الدين العام، وأزمة العجز في الميزانية، كأحد المؤثرات الأخرى على الاقتصاد الوطني.

كما أشاروا إلى أن الوضع المالي في اليمن يعيش ”أزمة هيكلية”، وبدلًا من ترشيد الإنفاق يتم الإصرار على زيادته، بحسب الخبير الاقتصادي علي عبدالكريم، لافتًا إلى أن مصادر الدخل يتم توزيعها بشكل سيء، بما ينعكس عبئه على المجتمع.

واعتبر الخبراء أن قرار رفع سعر الدولار الجمركي ”قرار خاطئ”، لأنه لم يُبنى على رؤية مجتمعية، ولم يشارك فيه الخبراء والمتصلين بالناس.

وقالوا إن الدولة لا تفكر بالاتفاق في مواجهة المشاكل ولكنها تفكر بـ”إدخال يدها في جيب المواطن” وليس في جيبها، بالإضافة إلى أن اللجوء إلى ميناء عدن لحل مشكلة تصدير النفط وتوقف إيراداته ليس حلًا، فميناء عدن قد يتعرض لما تعرضت له موانئ تصدير النفط، وعندها إلى أين ستلجأ الدولة؟.

وطالبوا الدولة بمعالجة مشكلة عدم تحصيل الدولة الإيرادات السيادية كرسوم مرور الأجواء التي تذهب إلى جماعة الحوثي، وهي إيرادات كفيلة بمعالجة المشكلة الراهنة، كما طالبوا الدولة بترشيد الإنفاق على المسئولين والكم الهائل من الوزراء والمستشارين والوكلاء الذين يستلمون بالدولار في الخارج مع ذويهم وعائلاتهم.

مقالات مشابهة