المشاهد نت

الوحدة اليمنية في مسار النزاع السعودي اليمني

الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح مع مسئولين سعوديين_الصورة من حساب محبو الأمير عبدالعزيز بن فهد على تويتر

عدن – سامي عبدالعالم

منذ عام ١٩٢٠م، وخلال أكثر من مائة عام، عاش البلدان (اليمن والسعودية) ظروفًا مختلفة وتحولات متفاوتة من الصراع إلى التصالح إلى تجدد الصراع، بينما استمرت وحتى يومنا مجريات التعايش بين الشعبين دون قطيعة فعلية.

ويمكن فهم طبيعة علاقات اليمن والسعودية خلال مراحل متعددة، بداية من عشرينيات وحتى ستينيات القرن الماضي، حيث كان اليمن منقسمًا إلى شمال محكوم بنظام إمامي، وجنوب تحت الاحتلال البريطاني، تليها مرحلة ثانية منذ ستينيات القرن الماضي وحتى العام ١٩٩٠م، حيث قامت في الشمال ثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م وسقوط نظام الإمام أحمد يحيى حميد الدين وإعلان قيام الجمهورية العربية اليمنية في شمال اليمن، بدعم قوي من جمهورية مصر العربية، التي كانت علاقاتها متوترة مع السعودية، وكان ملف اليمن أبرز عوامل الخلاف بين النظام السعودي والحكومة المصرية في عهد الرئيس جمال عبدالناصر.

أما في جنوب اليمن فقد أعلن عن قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، عقب ثورة ١٤ أكتوبر ١٩٦٣م، واعتماد النظام الاشتراكي، بدعم من الاتحاد السوفيتي سابقًا، وهو ما جعل العلاقات أكثر توترًا بين جنوب اليمن والسعودية، في مرحلة تغيرت فيها سياسة الرياض تجاه شمال اليمن، من حالة النزاع والاقتتال بين نظام آل سعود والإمام يحيى حميد الدين، مطلع الثلاثينيات، انتهى بتوقيع معاهدة الطائف ١٩٣٤م، إلى حالة التحالف والعمل بقوة من جانب السعودية على محاولة إعادة الإماميين إلى السلطة، وتقويض الجمهورية الوليدة في الشمال.

خلافات سعودية بريطانية

على الرغم من العلاقات الوطيدة بين السعودية وبريطانيا، كان جنوب اليمن ملف خلاف بينهما في منتصف القرن العشرين. فبريطانيا التي كانت تحتل جنوب وشرق اليمن، رسمت حدودًا لما سمته اتحاد الجنوب العربي، ويشمل المحميات الشرقية (حضرموت والمهرة)، التي وضعت بريطانيا حدودًا لها مع السعودية، لم تعترف السعودية بخط الترسيم البريطاني لحدود جنوب اليمن، وظلت تسيطر عسكريًا على منطقتين حدوديتين تتبعان اليمن الجنوبي، هما شرورة والوديعة، في خمسينيات القرن الماضي، وفقًا لـ”فريد هاليداي” في كتابه “الثورة والسياسة الخارجية: حالة اليمن الجنوبي، 1967-1987″، الصادر عن جامعة كامبريدج عام 1990م.

كما لم تعترف بريطانيا بالوجود السعودي في منطقة شرورة، ولم تشملها بأية مفاوضات حدودية معها.

امتد النزاع حول شرورة والوديعة حتى مطلع السبعينيات من القرن الماضي، بعد استقلال جنوب اليمن عن بريطانيا عام ١٩٦٧م.

وعلى خلفية النزاع بشأن شرورة والوديعة، اندلعت مواجهات عسكرية بين جمهورية اليمن الديمقراطية والسعودية، عام ١٩٧٢م، شهدت تلك المرحلة توجهًا جنوبيًا لفتح حوارات مع السعودية.

ومنذ عهد سالم ربيع علي، ثاني رئيس لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، في جنوب اليمن، بدأت حوارات محدودة مع السعودية حول الحدود بين البلدين، ووافقت حكومة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية على تشكيل لجنة يمنية جنوبية ـسعودية لبحث موضوع الحدود. لكن هذه اللجنة لم تجتمع قط.

وبسبب تقلد الحزب الاشتراكي اليمني مقاليد الحكم في جنوب اليمن، وتبنيه النهج الاشتراكي، وعلاقاته الوطيدة مع الاتحاد السوفيتي، اتسمت علاقات جنوب اليمن مع السعودية بحالة من التوتر طوال عهد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وصولًا إلى عام ١٩٩٠م وإعلان قيام الوحدة اليمنية. وكان الموقف السعودي يستند إلى موقفه المناهض للشيوعية، التي اعتبرت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ضمن معسكرها.

تجنيس آلاف الجنوبيين

يقول تقرير مركز كارينجي المنشور في يناير ٢٠٢٠، إنه على إثر الثورة الإسلامية في إيران، قامت السعودية في جنوب المملكة، بتجنيس عشرات آلاف اليمنيين الجنوبيين الذين غادروا جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الحكومة الاشتراكية التوجُّه في جنوب اليمن قبل توحيد اليمن عام 1990). لقد هاجر هؤلاء اليمنيون، ومعظمهم وهّابيون، من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية إلى محافظة نجران في الثمانينيات. وهناك، استفادوا من مخصصات الرعاية الاجتماعية -ولو بدرجة ثانية بعد الإسماعيليين السعوديين- ووجدوا وظائف في القطاعَين التربوي والقضائي. ومنذ الثمانينيات، فُتِحت مساجد ومدارس مموَّلة من السعودية -مثل دار الحديث المرموق بدماج في صعدة- من أجل التصدّي لإحياء الشيعية الزيدية في شمال اليمن. وقد شجّع الرئيس صالح الذي كان مدعومًا من الرياض، الالتقاء العقيدي بين الشيعية الزيدية والسنّية الشافعية في اليمن، باعتباره أداةً من الأدوات الأمنية بحوزة النظام”.

إقرأ أيضاً  بالصور.. السيول تُخلّف أضرارًا «بالغة» في لحج

توترات ومعارك حدودية

اتسمت علاقات البلدين بالعديد من التوترات والمواجهات خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بينما استمر موضوع الاتفاق النهائي على الحدود مع السعودية عالقًا ومصدر قلق للرياض التي سعت منذ عقود طويلة لتثبيت الاتفاق بهدف الحصول على اعتراف رسمي من اليمن بأن جيزان ونجران وعسير مناطق سعودية بشكل دائم. وكان الإقرار بذلك يعد أكبر مصدر تهديد لأي نظام حاكم في اليمن.

شهد عقد السبعينيات اضطرابات في شمال اليمن امتدت إلى الجنوب، وعمليات اغتيال للعديد من القادة السياسيين، أبرزهم رئيس شمال اليمن، إبراهيم الحمدي.

عام ١٩٧٤م كان نقطة انتهاء الفترة الثانية لمعاهدة الطائف المحددة بـ٢٠ عامًا، دخلت اليمن بشمالها وجنوبها حالة اضطرابات في ذروة تحركات قيادتي الشطرين في عهد الرئيسين الحمدي في الشمال وسالم ربيع علي في الجنوب، نحو تحقيق الوحدة اليمنية، ليأتي اغتيال إبراهيم الحمدي في ١٩٧٧م، ليشكل تعليقًا مؤقتًا لمشروع الوحدة بين الشطرين، ورغم أنه لم يتم أي تحقيق رسمي في الواقعة، هناك اتهامات قوية لوجود دور سعودي في الحادثة.

في عقد الثمانينيات، اندلعت مواجهة على حدود اليمن الشمالي والسعودية، في مطلع أبريل 1987م، إثر قيام قوات سعودية مدعومة بالدبابات والدروع، باجتياز الحدود اليمنيّة، ما دفع القوات اليمنية للرد، واندلعت مواجهات عسكرية بين البلدين، سقط فيها قتلى من الطرفين.

ومع اشتداد المعارك استعانت السعودية بقوات باكستانية انخرطت في القتال على الحدود.

تطمينات للرياض

<strong>الوحدة اليمنية في مسار النزاع السعودي اليمني</strong>
الرئيس الأسبق علي عبداالله صالح مع الملك الأسبق للسعودية_فهد بن عبدالعزيز-10 يوليو 1989-الصورة من حساب ظل الصالح على تويتر

عقب إعلان قيام الوحدة اليمنية عام ١٩٩٠م، اتخذت العلاقات اليمنية -السعودية مسارًا محددًا من أجل استكمال ترسيم الحدود بين الجمهورية اليمنية الموحدة والمملكة، وكان ذلك الشاغل الأمني الأبرز بالنسبة للسعودية. كما استمر التوتر سائدًا في علاقات البلدين، رغم تاكيد الجمهورية اليمنية، عقب إعلان الوحدة، حرصها على حل الحدود البرية والبحرية مع دول الجوار.

وقد عبر عن تلك التطمينات تصريحات الرئيس علي عبدالله صالح، رئيس مجلس الرئاسة للجمهورية اليمنية، والذي قال: “إن الوحدة ليست مصدر قلق لأحد، وأن بيان الحكومة الجديدة لدولة الوحدة تم التأكيد فيه على الحرص على حل الحدود البرية والبحريّة كافة، مع جيرانها، على أساس الحقوق التاريخيّة والقانونيّة.”

وقبل شهرين على إعلان الوحدة اليمنية، في ٢٢ مايو ١٩٩٠م، التقى الرئيس علي عبدالله صالح، في مارس ١٩٩٠م، العاهل السعودي الملك فهد بن عبدالعزيز، في حفر الباطن السعودية. اعتبر هدف الزيارة إقناع السعودية بتأييد الوحدة اليمنية، لأنها ستجعل من الممكن حسم موضوع الحدود العالق بين البلدين، وبدء مفاوضات جدية حول كل قضايا الحدود سواء التي شملتها معاهدة الطائف أو لم تشملها.

عقب ذلك اللقاء، أعلن الملك فهد أن بلاده تؤيد الوحدة بين شطري اليمن دون تحفظ.

مقالات مشابهة