المشاهد نت

حلول للحد من عمالة الأطفال 

عاملة الأطفال في اليمن

تعز – نواف الحميري :

ازدادت عمالة الأطفال خلال سنوات الحرب بشكل لافت جراء تدني مستوى دخل الأسر وموجات النزوح التي شهدتها معظم المدن اليمنية في ضل التدهور الاقتصادي الذي تعيشه البلاد منذ 8 أعوام.

بعد إصابة والده بمرض الانزلاق الفقري الذي أدى إلى توقفه عن العمل وجعله مقعدا في البيت وجد الطفل زاهر ذو ال9 اعوام نفسه مجبرا على العمل من أجل اعالة أسرته وتوفير القوت اليومي اضافة الى توفير إيجار المنزل وقيمة علاج والده. 

ترك زاهر المدرسة في الصف الثالث الابتدائي وبدأ العمل بدوامين عله يوفر متطلبات 8 اخوة ووالدين، كان الأول فترة صباحية لدى أحد ال”بناشر” وكان الثاني في معمل فحم في الفترة المسائية في مدينة تعز، الأمر الذي سلبه حياته اليومية المتوجب عيشها كطفل وحمله اعباء يضعف معها حجم جسده كل يوم.

لا تقتصر مشكلة عمالة وتشغيل الأطفال على بلد فقط بل هي مشكلة عالمية تشكل انتهاكا خطيرا لحقوق الطفل، و بالرغم من أن أنواع العمل وظروفه تختلف من مكان لآخر إلا ان هنالك بلدان استطاعت ان تتغلب على هذه الظاهرة من خلال حلول مجتمعيه مبتكره احدثت فارقا وعملت على الحد من انتشار هذه الظاهرة . 

حلول دولية

في مصر اطلقت مؤسسة ماعت مبادرة “البراءة من بين الغبار” عام ٢٠١٨ وهي مبادرة توعويه تهدف الى توعية المجتمع و الاسر بأضرار عمالة الاطفال كما تخاطب الجهات الرسمية بتبني حلول ايجابية و الاهتمام بالأطفال المشردين و الفقراء و توفير احقية التعليم المجاني  لهم والزي و الادوات المدرسية من اجل تشجيعهم على مواصلة التعليم.

و من خلال ما قدمته مؤسسة ماعت من دراسات و تجارب دولية ناجحة للحد من عمالة الاطفال  قامت اجهزة الدولة المعنية بإطلاق خطة وطنية شاملة من اجل مكافحة عمالة الاطفال بحلول عام ٢٠٢٥ و كان لهذا الجهد الذي بذلته مؤسسة ماعت للتنمية اثرا حيث  استطاعت التخفيف من عمالة الاطفال بنسبة ٦٠% . 

ويقول تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية في عام ٢٠١٩ ان هنالك ما يقارب  160 مليون طفل عامل في العالم، مشيرا الى وجود ارتفاع هو الاول من نوعه منذ عقدين من الزمن في عمالة الاطفال عبر العالم، حيث يؤكد التقرير ان عدد الاطفال العاملين ارتفع بنحو 8.4 مليون طفل عامل خلال السنوات الـ 4 الماضية فقط، وجاء اليمن في المركز الأول عربياً في عمالة الاطفال تلته السودان والعراق على الترتيب بالنسب التالية:

اليمن 13.6% السودان 12.6% العراق 4.9%. 

حظر عمالة الأطفال 

بحسب المادة 133 من القانون 45 لحقوق الطفل اليمني لسنة 2002 فانه يحظر عمل الطفل الذي لم يبلغ ال14 من العمر بالإضافة لحظر تشغيل الاطفال في الاعمال الصناعية قبل بلوغهم سن الخامسة عشر. 

وفي القانون نفسه ركزت اغلب المواد على مايجب على الطفل العامل الحصول عليه ومايلزم صاحب العمل القيام به تجاه الأطفال العاملين، سواء صحيا أو بالنسبة للدفع أو في زيادة ساعات العمل أو الراحة، مستثنى منه أي القانون الاطفال الذين يعملون في اعمال عائلاتهم.

وبالنسبة لقصور القانون أو عدم قصوره يقول سليمان الصلوي رئيس شؤون الاعضاء والمشاريع بنادي قضاة اليمن : “أن هنالك قصورا في التشريع اليمني حيث أن المشرع اليمني استثنى الأطفال العاملين مع آبائهم من الحماية القانونية وكأنه يشجع على عمالة الأطفال للحفاظ على الطبقية الاجتماعية ونبذ التحول المهني وبناء القدرات و الحد منها” معقبا بالقول: ” للأسف نحن في بلد يوجد فيه 71% من العمل غير المهيكل حسب إحصائيات الشؤون الاجتماعية الأمر الذي يحد من فرص العدالة الاجتماعية ويقلل من الحماية”. 

من ام الدنيا مصر الى مدينة بيروت عاصمة لبنان البلد الذي انهكته الصراعات السياسية و الاقتصادية ما جعل السكان يعيشون اوضاعا اقتصادية مزرية جداً قامت  شركة الريجي للتبغ و التنباك بعمل مبادرة ذاتيه بمناسبة اليوم العالمي لمنع عمالة الاطفال،  كانت اهداف هذه المبادرة هي الآتي 1- منع الاطفال من العمل لديها 

2- توعية المزارعين و العاملين لديها على حظر الاستعانة بالأطفال للقيام بالأعمال الخطرة اثناء الزراعة و توعيتهم بمخاطر عمل الاطفال. 

3-تحسين المستوى المعيشي للمزارعين من خلال شراء مواسمهم بالعملة الصعبة مما يرتدّ ايجابيّاً على عائلاتهم واطفالهم. 

4-تنفيذ مشاريع تنموية في مجتمعات زراعة التبغ والتنباك والتي فاقت ٢٠٠ مشروع و تنفيذ مكتبات عامة في بلدات المزارعين من اجل تثقيف الاطفال و تحبيب التعليم لهم.

5-تخصيص منح مدرسية لأولاد المزارعين لتحفيزهم على الدراسة والتّعلّم.

 كان لهذه المبادرة اثرا كبيرا في اوساط المزارعين ونجحت في الحد من عمالة الاطفال في البلد بنسبة 20 % بحسب المكتب التنفيذي للشركة.

رحب الدكتور يحيى مغلس عميد كلية التربية في جامعة ذمار سابقاً بهذه الفكرة بشكل كبير وقال : لو ان الشركات المحلية قامت بعمل مثل هذه الحلول و الاصلاحات لأسر العاميلن لديها لـ استطعنا تخفيف انتشار الظاهرة.

 وحول الحلول الممكنة التي بإمكانها ان تحد من عمالة الاطفال في اليمن يقول مغلس : “للحد من عمالة الاطفال لابد من الاهتمام بالتعليم من خلال الحلول الممكنة والتي هي من صميم العمل التربوي و التي قدمها مجموعة من التربويين من اجل تفعيل دور التعليم و المدارس من خلال تجنب الافراط في العقوبة والضرب، و كسر حالة التنمر بين الطلاب، مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب من حيث المستوى الدراسي، و الاهم من ذلك هو تفعيل دور الارشاد النفسي و التربوي في المدارس، معالجة الازدحام الشديد داخل الفصول و توفير الحد الادنى من البيئة التعليمية وفقا للامكانيات المتوفرة وهي موجودة وبامكانهم تطبيقها”.

إقرأ أيضاً  توقف الزراعة في بساتين صنعاء القديمة 

مبادرات محليه

تقول ساره علوان رئيسة مبادرة بصمة حياة التي تعمل في توعية أطفال المدارس و أسر الأطفال من خطورة هذه الظاهرة في مدينة تعز : “قمنا بعمل مبادرة توعويه استهدفنا فيها المدارس بمديرية صاله و أيضاً نقوم بتوعيه الاسر بأضرار ومخاطر عمالة الأطفال و اهمية التحاق الأطفال بالمدارس بدلاً عن العمل و قمنا بالتكفل بإعادة  عدد من الاطفال لمواصلة تعليمهم بعد تسربهم من التعليم”. 

وتضيف ” مازال المشروع قائما وسنستهدف بقية المديريات حسب الامكانيات التي تتوفر لدينا”. 

استراتيجيات لمحاربة الظاهرة

لم تنفذ استراتيجية او خطة فاعلة خلال  السنوات الماضية من شأنها الحد من عمالة الاطفال في اليمن إلا أن هنالك بعض الرؤى والافكار التي يمكن في مرحلة ما، ان تقود الى حلول مستقبلية على الارض. 

 الفت الدبعي استاذة علم الإجتماع في جامعة تعز تعتبر أن القضاء على ظاهرة عمالة الأطفال “تستلزم القضاء على فقر أهاليهم” الأمر الذي تعتقد أنه صعب بالنظر إلى الأوضاع التي تعيشها اليمن بسبب الحرب.

 وترى الدبعي:  أنه يمكن للطفل أن يعمل  بجانب دراسته وأن يكون صاحب العمل حريصًا عليه مثل والده، بالإضافة إلى ضرورة توعية الأهل لمساعدة أطفالهم على استكمال التعليم، مع تقديم بعض الدعم المادي للأسر الفقيرة، وإلحاق الأطفال بالتعليم المهني”.

 موضحة: “بمعنى أن يتعلم الطفل الفقير مهنة بجانب القراءة والكتابة وتعاليم الدين الإسلامي، منعًا لتشرده وضياعه وانحرافه المبكر”. وهي تشترط لنجاح هذه المعالجات، تكامل الدور بين المؤسسات الحكومية والخاصة والأسرة والمجتمع، ومؤسسات المجتمع المدني. 

 وتشير  إلى إن محاربة ظاهرة عمالة الأطفال، تتطلب تكثيف برامج التوعية والتثقيف، مع ضرورة وجود ضمان اجتماعي للأسر الفقيرة لمساعدتها في الحد من دفع أطفالها إلى سوق العمل مبكرًا، ورفع مستوى الوعي المجتمعي بمخاطر هذه الظاهرة، وضرورة تفعيل دور المؤسسات الرسمية في جانب حماية الطفل، وأهمية التكامل ما بين الجهات التشريعية والتنفيذية والقضائية للحد من هذه الظاهرة الخطيرة على مستقبل الأطفال ومستقبل البلاد عمومًا.

ويرى “الصلوي” : أن استراتيجية تفعيل الإدارة السياسة المتمثلة في برنامج الطفولة الآمنة وتفعيل دورها في المديريات والمحافظات وتفعيل أدوات الإدارة السديدة في مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بحسب الاتفاقيات الدولية سيسهم في الحد من استغلال الأطفال في العمل، خصوصا المصانع التي يعمل بها اطفال دون سن  12 بالاضافة لاشراكهم بالعمل ليلا. 

ويرى الاختصاصي الاجتماعي وديع المخلافي: أنه”عند خلق مجتمعات واعية سيتم استيعاب مشاكل الأطفال فيها والاستجابة لها بفاعلية أكبر، ويتم هذا الوعي عبر إنشاء أحداث مجتمعية تهدف لتثقيف المجتمعات بأهمية حقوق الطفل، سواء أكانت المؤسسات الراعية حكومية أم غير حكومية و رحب بهذه المبادرة واصفاً اياها بانها خطوه ناجحة للبداية الفعالة للحد من الظاهرة”.

من جانبه يقول الدكتور محمود البكاري استاذ علم الاجتماع في جامعة تعز :” لمحاربة هذه الظاهرة يجب التركيز اكثر على التنمية المستدامة و المساعدات الإنسانية الطارئة و تمكين عائلات الاطفال من كسب مصادر دخل تمكنهم من الاستقرار الاقتصادي و تمكن الاطفال من الذهاب إلى المدرسة و عدم الالتحاق باسوأ اشكال عمالة الاطفال و منها التجنيد و الاشتراك في النزاع المسلح و الاستغلال الجنسي و الأعمال ذات المخاطر العالية كما هو حاصل في اليمن للأسف الشديد”

ويربط البكاري بين معالجة الظاهرة بوضع استراتيجية حكومية شاملة  تكافح الفقر والبطالة  وتوفير الحد الأدنى من متطلبات المعيشة من خلال وضع السياسات ذات الصلة وتفعيلها على الواقع بالعمل مع الجهات المانحة في ضل أوضاع الصراع الراهنة. 

مشيرا الى أهمية تفعيل مجانية التعليم والتوعية بأهميته باعتبار صعوبة الحصول على فرص للتعليم وتدني جودته في ضل واقعه المتردي والثقافة المغلوطة عنه لدى بعض المناطق بالاضافة الى الأوضاع الاقتصادية التي خلفتها الحرب والنزوح  من أهم العوامل المساعدة في تفشي الظاهرة.

الرقابة

ترتبط الرقابة إلى حد ما بالتطبيق الفعلي للقوانين التي  تنظم عمالة الاطفال في اليمن بشكل رسمي ومدى كون هذه الرقابة قادرة على تتبع الاستغلال الفعلي للاطفال وكيفية عملهم بالاضافة إلى معرفة هل يتهرب الاطفال العاملون عن المدرسة والحد من كل ذلك ولايقتصر دور الرقابة على الجانب الخاص بالحكومة بل يجب أن يتعدى ذلك الى المدرسة والاسرة.

ويرى الصلوي : “أن تفعيل الرقابة يكون من خلال قيام مكتب العمل بدوره وفقا لمعايير اتفاقيات الإدارة السديدة بممارسة تفتيش العمل وتطبيق القواعد القانونية في قانون العمل والتوعية والتثقيف بها وإلزام أرباب العمل بعرض لوائح العمل على مكان بارز في مقر العمل وغير ذلك” . 

لافتاً إلى : “أنه لابد من وجود حملات من قبل الدولة تشبه الحملات الامنية لمراقبة الاطفال العاملين في المحلات او الشوارع اوالمصانع ومعرفة اسباب عملهم ونوعية العمل وهل هو مناسب لبنية الطفل أم لا ومعالجة كل ذلك” . 

في ظل الازمة الغذائية وارتفاع اسعار المواد الغذائية في اليمن الذي يعيش حربا منذ 8 اعوام، وجد الكثير من الأطفال انفسهم مجبرين على العمل ومع تدني التوعية بالمخاطر اصبح الأهالي يشجعونهم على ذلك، الأمر الذي جعل الظاهرة تتفشى اكثر وتصبح سببا في التسرب من المدارس ، إلا أن الظاهرة تتفشى وتزيد بازدياد الحاجة في اليمن في ظل صمت كبير من قبل طرفي النزاع الذين يعملون على تجنيدهم وارسالهم الى الجبهات بدلا من المدارس.

تم إنتاج هذه المادة بدعم من مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي

مقالات مشابهة