المشاهد نت

الحرب تعرض الصناعات اليدوية التقليدية للاندثار في محافظة الحديدة

الحديدة -خالد الحميري:
لم تقتصر آثار الحرب المستعرة في اليمن منذ 4 سنوات، على الخسائر البشرية والاجتماعية فحسب، وإنما طالت صناعات يمنية اشتهرت بها بلادنا على مر العصور، كصناعة الحرف اليدوية، ولا سيما في المناطق التهامية بمحافظة الحديدة الواقعة غربي اليمن، التي تشهد معارك عنيفة بين القوات الحكومية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية، ومسلحي جماعة الحوثي. وتعد الصناعات الحرفية التقليدية اليدوية والشعبية واحدة من أهم المهن والأعمال التي يتوارثها التهاميون، جيلاً بعد جيل، وجزءاً من التكوين والنسيج الاجتماعي للمجتمع التهامي، والتي نتج عنها أعمال ومشغولات يدوية تقليدية تعتبر في غاية الجمال والروعة، ومن هذه المشغولات اليدوية “الخوص” التي يتم

من المصنوعات التقليدية وتستخدم لحفظ اللبن

استخدامها في صناعة “الحصير والكوافي والقعائد”، المخصصة للجلوس، إلى جانب “السلال والأجب والحزبة” التي تستخدم لحفظ الطعام، إلى جانب “الموهفة” التي تستخدم كمروحة لتخفيف حرار الجو صيفاً، ناهيك عن صناعة الفخار مثل الأواني الفخارية، لأغراض الطعام والشراب بحسب تأكيدات حرفيين في تهامة، ومنهم الحرفي عبده نهاري، من مديرية الزيدية بمحافظة الحديدة، الذي أمضى 20 عاماً في صناعة الحرف اليدوية، كما يقول لـ”المشاهد، مؤكداً أن المناطق التي كانت تتميز بمنتوجات حرفية متميزة، مثل صناعة الخوص وإنتاج الفخار وتشكيلات سعف النخيل ومنحوتات جذوع الأشجار في محافظة الحديدة، وأثرت الحرب عليها بشكل كامل، هي: “التحيتا والدريهمي وحيس”، لكنها توقفت بسبب الحرب التي اجتاحت هذه المناطق، وفرار سكانها هرباً من جحيمها، كما يقول. وتواجه الحرف اليدوية التقليدية في تهامة مصيراً مجهولاً في ظل الحرب التي اجتاحت عدة مناطق من الساحل التهامي، وتسببت بنزوح السكان إلى محافظات ومدن وأرياف أخرى، ما دفع بعض الحرفيين إلى امتهان أعمال أخرى لتوفير لقمة العيش، في ظل ظروف معيشية قاسية، ارتفعت خلالها معدلات البطالة والفقر إلى مستويات كبيرة، بحسب حرفيين. وكانت الحرف اليدوية توفر دخلاً معقولاً لآلاف المواطنين التهاميين، يديرون به حياتهم، لكن الحرب التي أكلت الأخضر واليابس، أفقدت الكثيرين حرفهم ومهنهم، في حين يعاني الأغلبية منهم تدني دخلهم إلى حدٍّ يجدون أنفسهم معه في صراع يومي مع توفير متطلبات الحياة والتزامات الأسرة الضرورية، كما يقول نهاري، مؤكداً أن نسبة ضرر الحرف اليدوية تجاوز 70% نتيجة الحرب وتداعياتها، ما أدى إلى توقف تصديرها إلى الأسواق السعودية بعد إغلاق منفذ الطوال الحدودي بمدينة حرض بمحافظة حجة، حيث كانت منطقة جازان تمثل السوق الكبير لتصريفها، إضافة إلى عزوف الأهالي عن شرائها بسبب ارتفاع أسعارها نتيجة ارتفاع تكاليفها. ويعبر الحرفيون وأصحاب

إقرأ أيضاً  تحديث اليوم لأسعار صرف العملات
تصنع من سعف النخيل وتستخدم فى تقديم الخبز

الصناعات التقليدية في تهامة، عن تذمرهم، لتراجع هذه الصناعات بسبب صعوبة الحصول على المواد، وارتفاع تكاليف النقل، إضافة إلى التحاق الكثير من الشباب الحرفيين في جبهات القتال، ونزوح آخرين إلى مناطق بعيدة، تاركين خلفهم مهناً تصارع من أجل البقاء. ودفعت المعارك الدائرة في محافظة الحديدة، بنزوح أكثر من 17.350 أسرة (121 ألف شخص) من 6 مناطق مختلفة في محافظة الحديدة، منذ مطلع يونيو/حزيران الفائت، بحسب بيان صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة باليمن. ويشكل سكان محافظة الحديدة 11% من إجمالي سكان اليمن، يعيشون حياة بدائية، ويفتقرون للخدمات، ويصنف غالبية سكانها ضمن الفقراء، وهم من صغار المزارعين، والحرفيين، والرعاة، والصيادين، وفقاً لتقرير صادر عن الصندوق الدولي للتنمية الزراعية. وتهدد المعارك الدائرة في محافظة الحديدة، نحو 3 ملايين نسمة، بمزيد من الجوع والفقر، وتدمير سبل العيش، وما تبقى من مصادر الرزق، حيث حولت المعارك مديريات حيس والتحيتا والدريهمي وأسواقها التقليدية التي كانت تعج بصنوف المشغولات اليدوية، إلى مدن أشباح، بحسب حرفيين. وأدت المعارك إلى توقف مشاريع دعم الفئات الفقيرة، التي كان ينفذها صندوق الرعاية الاجتماعية ومنظمات محلية، في تلك المديريات، بهدف الدفع بالفئات الفقيرة لتعلم مهارات حرفية وإنتاجية تحررهم من الفقر، من خلال تأسيس مشاريع صغيرة تدر عليهم دخلاً، كمشروع صناعة سعف النخيل الذي يعد من أهم المشاريع ذات المردود الاقتصادي للمستفيدين. ويشعر نهاري بغصة كبيرة، نتيجة تقلص أعداد الحرفيين في محافظة الحديدة التي تشهد بعض مديرياتها معارك عنيفة، معرباً عن خشيته من اندثار الصناعات التقليدية التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم، لعدم وجود من يعمل بها. عوائق وتحديات كثيرة تواجه الصناعات اليدوية التهامية في ظل المصاعب التي تهدد استمرارها وتوريث تقنياتها وفنون صناعتها للأجيال الصاعدة، بسبب الحرب التي جعلتها على شفا الاندثار نتيجة انقطاع الحرفيين عن ممارسة نشاطهم بفعل الصراع الذي أدى إلى إغلاق ورشهم، وتدمير البعض منها.

مقالات مشابهة