المشاهد نت

عبد الله الأسلمي… الحياة بساق واحدة

عبدالله الأسلمي

حجة – عبد الجليل اليوسي :

كان عبد الله الأسلمي (58 عاماً)، يعمل حمالاً للبضائع في جمارك مدينة حرض التابعة لمحافظة حجة، والتي تبعد حوالي 283 كيلومتر شمال غرب العاصمة اليمنية صنعاء. كانت حياته برغم مشقتها مستقرة مع زوجته أمة الله المحبشي (45 عاماً)، والتي كانت تعاني من عدم ثبات الحمل، وتكرار سقوط الجنين في شهوره الأولى.

وقبل 6 سنوات، تعرض الأسلمي لحادث مروري مروّع، راح ضحيته 9 أشخاص، بعد أن اصطدمت سيارة لنقل البضائع التي كان يستقلها الاسلمي، مع باص لنقل الركاب المسافرين، في الخط الرئيسي بمدينة حرض الحدودية المحاذية للسعودية (تبعد عنها قرابة 6 كيلومترات). وبسبب ذلك الحادث، فقدَ الاسلمي ساقه اليمنى، وتعرضت احدى يديه لكسور. لكنه نجى من الموت.

في قرية “الكدف” بمدينة حرض، عاش الاسلمي هو وزوجته في سكن صغير للغاية، مكون من غرفة وحمام فقطـ بإيجار شهري بمبلغ 5,000 ريال يمني (ما يعادل 9 دولارات). وعقب ذلك الحادث، وجدً الاسلمي نفسه في مواجهة جديدة مع الحياة الشاقة بساق واحدة.

ومع اندلاع الحرب في اليمن، في 26 مارس 2015، تعرضت قرية “الكدف” والبلدات المحيطة بها، لعدد من الغارات الجوية من قبل طيران التحالف العربي الذي تقوده السعودية. كانت احدى تلك الغارات قد استهدفت فندق محلي (فندق الثريا) المجاور لمسكن الاسلمي. ونتيجة الانفجار أصيبت -أمة الله- زوجة الأسلمي، بأحد الشظايا التي وصلت منزلها واخترقت أذنها اليسرى واستقرت في رأسها، وقتلتها على الفور.

يقول عبد الله الاسلمي، لمنصة (صوت انسان): “بعد ان فقدت زوجتي، كنت أريد الانتقام من الجميع، ولكن ليس بيدي حيلة. الحياة في وسط الوحِّدة صعبة جدا”.

وبعد أسبوعين من توالي تلك الغارات الجوية اليومية، شهدت مدينة حرض عملية نزوح جماعي للسكان المحليين، وبحسب تقارير الأمم المتحدة بلغ عدد النازحين قرابة 420 ألف شخص في محافظة حجة، ثلثهم على الأقل نزحوا من مديرية حرض.

غادر الأسلمي من حرض مع أحد جيرانه، نازحاً إلى منطقة (الجواخمة) وهي بلدة ريفية في مديرية “عبس” المجاورة لحرض. مكث فيها عند اقاربه، وظل يعمل على جمع العلب البلاستيكية وقوارير المياه الفارغة من الشوارع ومن أماكن تجميع النفايات، من أجل بيعها لمحلات الخردة. ليحصل نهاية كل يوم على مبلغ 300 ريال (ما يعادل نصف دولار امريكي) كان يقوم بذلك العمل الشاق، ليعيل نفسه كي لا يظل عالة على أقاربه.

إقرأ أيضاً  خديجة.. قصة التغلب على العنف وخذلان الأسرة

وبعد مرور عام من نزوحه في عبس، قرر الانتقال مطلع العام 2016 الى مدينة حجة عاصمة المحافظة، ومكث عند عمه.

بحث الأسلمي عن عمل في حجة لكنه لم يجد، فعرض الأمر على عمه الذي كان جوابه: “اعمل معي في دكاني وسأعطيك 300 ريال يوميا”، شهرياً 9,000 ريال (ما يعادل آنذاك 10 دولارات) فوافق الاسلمي كونه لا يملك أية خيار.

عمل الرجل لمدة سنة كاملة في دكان عمه، وحين سمع قصته عدد من الناس قرروا مساعدته بمبلغ من المال، كي يتزوج ويبدأ حياة جديدة. وفي العام 2017 تزوج الأسلمي واستأجر منزلاُ بمبلغ 20,000 (ما يعادل آنذاك 50 دولار) قرر الأسلمي إعادة بناء حياته في مجتمعه المضيف، وبدأ بتحمل مسؤولية جديدة، أملا في ايجاد عمل أفضل، لكنه ظل متخوفاً وفاقداً للثقة وهو بقدم واحدة.

خطرت له فكرة في إيجاد عمل يلائم وضعه الجسدي، فقرر الاسلمي ان يبدأ ببيع “أعشاب القات” كونها مجدية لبائعها، سافر في اليوم التالي باكراً الى مديرية “شرس” المجاورة لمدينة حجة وتبعد عنها قرابة 15 كيلو متر. وأشترى عدد من أحزمة أعشاب القات، وقام ببيعها في أحد الأسواق المخصصة لذلك. وفي نهاية يومه الأول، عاد الأسلمي إلى منزله بعد أن “جنى ربحاً جيداً” على حد قوله، فقرر الاستمرار في بيع القات، ليضمن تأمين تكاليف ايجار المنزل، ونفقات المعيشة.

يقول عبد الله الاسلمي: “العمل يجعلك تثق بنفسك، وهو أفضل لي من ان امد يدي في الشوارع متسولا، وهو يحفظ لي كرامتي أمام الناس”.

في نهاية العام الماضي 2019، ابتسمت له الحياة أخيراً، ورزق الأسلمي لأول مرة بمولودة اسماها مريم، وقد تحسن وضعه المادي إلى حد جيد، وهو الآن يشعر بالاستقرار هو وعائلته في مجتمعه -المؤقت- الذي منحه الشعور بإعادة بناء حياته ومستقبله، الأمر الذي عزز لديه الإحساس بالانتماء والاستقرار.

تنشر هذه القصة بالتزامن مع نشرها في منصة ” صوت إنسان “ “وفقا لإتفاق بين المشاهد والوكالة الفرنسية لتنمية الاعلام CFI

مقالات مشابهة