المشاهد نت

الحرب تسحق الهوية الثقافية لليمن

معالم تاريخية مدمرة

تعز – محمد علي محروس:

 6 سنوات من الحرب، وأضعافها من الشد والجذب، في وطن لم يحظَ بحقه من الرعاية والاهتمام، سواء من أصحاب القرار، أو أبنائه الذين تعامل أغلبهم مع موروثه وهويته بشكل هامشي بحت.

كحال الممتلكات اليمنية الأخرى، لم تستثنِ الحرب الهوية الثقافية والتاريخية للبلاد، إذ تم استهدافها من أطراف الصراع بشكل أو بآخر. واستخدمت أطراف الحرب مواقع أثرية كملاجئ ومخازن سلاح، وأقامت فيها معسكرات، اتخذتها مواقعا لاستهداف المدن والأحياء السكنية، حتى إن بعضها طُمست معالمها بفعل تعرضها للقصف المباشر من قبل طيران التحالف العربي، أو من الآلة العسكرية لجماعة الحوثي، وهما، وفق تقارير محلية، الطرفان اللذان استهدفا مواقع أثرية وتاريخية على مدى سنوات الحرب.

محنة اليمنيين

في أغسطس 2016، وصفت المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، محنة اليمنيين، بدقة، قائلة: “من الواضح أن تدمير ثقافتهم يؤثر بشكل مباشر على هوية وكرامة ومستقبل الشعب اليمني، علاوة على قدرته على الإيمان بالمستقبل”.

وفي مقال لها نشره موقع “سيتيزن تروث” الأمريكي، تتساءل المحللة السياسية والباحثة المهتمة بالملف اليمني، كاثرين شاكدام، ما إذا كان هناك مخطط يستهدف الأعيان الثقافية في اليمن؟

“ومع ذلك من المهم في هذه المرحلة أن ندرك أن فقدان رأس المال الثقافي والوطني هذا سيؤثر بشكل خطير ولا رجعة فيه على مستقبل الأمة الفقيرة وما بعدها في المنطقة بأسرها،” تقول شاكدام.

وتضيف “إن ضياع المعالم التاريخية؛ المساجد والمزارات والمعالم المدرجة في قائمة اليونسكو، والمتاحف، وغيرها من التذكارات الثمينة للتركيبة الثقافية الغنية في اليمن، سوف يثقل كاهل الاقتصاد والاقتصاد الاجتماعي والديني في البلد، وبدون ماضٍ تمسك به وتلتزم به، وبدون معالم لتذكير الناس بالروابط التي توحدهم وتجعلهم كما هم دولة قومية، يمكن لجماعات مثل القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية أن ترغب في اليمن وإعادة تموضعها فيه.”

وعن واقع المعالم الأثرية تقول شاكدام: “عانت اليمن، وهي بلد يضم 3 مواقع للتراث العالمي لليونسكو (مدينة زبيد التاريخية ومدينة صنعاء القديمة ومدينة شبام القديمة)، و10 مواقع أخرى على القائمة المؤقتة للمنظمة، كثيراً منذ مارس 2015. وإضافة إلى الخسائر الفادحة في الأرواح، تعرّضت المواقع التاريخية المهمة لأضرار جسيمة، وفي أكثر الأحيان عن قصد”.

إقرأ أيضاً  حرمان المرأة من الميراث بسبب هشاشة القضاء في اليمن 

بلا أثر

دمّرت غارة جوية للتحالف العربي، في مايو 2015، متحف ذمار بالكامل، الذي كان يحوي أكثر من 12.500 قطعة أثرية، كذلك أيضًا تسببت قذيفة أطلقها الحوثيون، في 2016، بإحراق جزء من المتحف الوطني في تعز، مما أدى إلى تلف وثائق ومخطوطات تاريخية مهمة، إضافة إلى انهيار أحد المباني الرئيسية في المتحف.

ولم يستثنِ التحالف العربي والحوثيون، الأعيان الثقافية والمواقع الأثرية من العمليات العسكرية، فالحوثيون اتخذوا من قلعة القاهرة بتعز مركزًا لاستهداف المدنيين حتى 2016، وخلال تلك الفترة تعرّضت القلعة الأثرية الأبرز في اليمن لغارة جوية سوّت عددًا من مبانيها بالأرض، بما في ذلك متحفًا يوثق لعصر ما قبل الإسلام، وهو الحال في استهداف عدد من المباني التاريخية في صنعاء القديمة. أما الحوثيون فاستهدفوا منارة مسجد الأشرفية العتيق بتعز بقذيفة مدفعية تسببت بأضرار مباشرة للمنارة التي تعمل الفرق الأثرية في تعز على إعادة ترميمها منذ أيام.

“هذا يُصادر حقبًا تاريخية برمتها، ويجعل اليمن دولة متنكرةً لماضيها، سيأتي جيل لا يعرف كيف عاش أجداده، ولا ماذا كانت عليه حضاراته التليدة”، يقول مدير الآثار بالهيئة العامة للآثار في تعز، أحمد جسار .

 ويضيف: “لا بد من وقف هذه الجرائم بحق الإرث الإنساني اليمني، ويجب أن تكون هناك معالجات عاجلة لإيقاف العمليات المستمرة، فالهوية الثقافية بتنوعها ملك الجميع، ولا يستهدفها إلا من يريد لليمن أن تصبح دولة مفروغة من أعيانها الثقافية وإرثها التاريخي الزاخر”.

إلى حد كبير يتفق الصحفي من محافظة حجة عبد الجليل اليوسي،  مع جسار، ويضيف: “علينا أن نستوعب أن هناك أجيالًا قادمة، ومن حقها أن تعرف ماضيها، لا أن تأتي دون خلفية، وتعيش تائهة”.

ويطالب اليوسي بإحياء الجوانب الثقافية ككل؛ لما تشكله من أهمية آنية لمواجهة الحرب وتداعيتها، ولأنها تبرز الوجه الحقيقي لليمن واليمنيين، حسب تعبيره.

 أضرار أخرى

ليست المواقع الأثرية وحدها التي تعرّضت لأضرار بالغة جراء الحرب الدائرة، فالموروث الثقافي، من أزياء وأسواق، وأدب وفن وألحان، وكل ما له علاقة بالذائقة اليمنية، كان له نصيب من الحرب، وما ترتب على ذلك من مضاعفات صنعت فجوات اجتماعية وثقافية، وأسست لمراحل من صراع قد تستمر تداعياته لفترات زمنية قادمة.

مقالات مشابهة