المشاهد نت

وجه آخر لـ”كوفيد 19″.. المعاناة النفسية للصحفييين بعد الإصابة


تعز-سميرة عبداللطيف :


في الوقت الذي يتفشّى فيه فيروس “كورونا” في معظم دول العالم، يلجأ كثيرون إلى الحجر المنزلي والبقاء على مسافة آمنة تقي من تفشي الإصابة لأشخاص آخرين. لكن لا يستطيع الصحفيون الذين ترتكز مهامهم الأساسية على الأرض وبين الناس، مثل المراسلين والمصورين، ملازمة منازلهم، لأن عملهم يتطلب الخروج لملاحقة آخر التطورات والمستجدّات المتعلقة بـ”كوفيد 19″. هذا الشكل من التضارب يسبب للعاملين في الصحافة معارك نفسية مثل الخوف من انتقال العدوى منهم إلى ذويهم وأطفالهم، وما إذا كانوا يعرّضون أنفسهم للخطر، وينقلون التهديد الصحي لعائلاتهم. وبما أنّ شخصيات الصحفيين والبيئات التي يعيشون فيها مختلفة، تتباين ردات فعلهم أو معاناتهم النفسية في التعامل مع “كوفيد 19”.

يقول محمد محروس، صحفي لـ” المشاهد” : “لم يكن الأمر مجرد صعوبة في التنفس أو الحركة، ولكن كان إحساسًا متقلبًا وكارثيًا، ومازلت أعاني من التبعات النفسية إلى اليوم”.

علاء الجناني، مراسل تلفزوني أصيب بالفيروس وهو في الميدان، ويقول: “أصبت أثناء عملي في أحد المخيمات، وكان شعوري بالخوف مضاعفًا”.

أما الصحفية نجوى حسن، فتقول إن الآثار النفسية للتكتم على الإصابة، كان وقعها أكبر من المرض نفسه. وتضيف: “أحسست أنني على حافة الموت نفسيًا، فالمريض لا يجب أن يعلن عن إصابته”.

الصراع الداخلي النفسي مع “كوفيد 19”

صحفيون جمعتهم الإصابة بفيروس كورونا، والمعاناة عضويًا ونفسيًا على حد سواء. وعندما تواصلت بهم بعد شفائهم من “كوفيد 19″، تحدث معظمهم عن “الألم النفسي” أثناء إصابتهم، فجزء من أزمة وباء كورونا هو عدم وضوح التأثير النفسي للمرض حتى اللحظة، وحجم الضرر الذي يلحقه بالصحة النفسية للمصابين.

يصف الصحفي محمد محروس تجربة “كوفيد 19″، بأنها تجربة مريرة للغاية، قائلًا: “عشت وضعًا نفسيًا متقلبًا للغاية، وكارثيًا، في ظل انعدام الخدمات الصحية، وفي ظل ردة الفعل السلبية من قبل الناس، والمؤسسات الحكومية”.

يتزامن اليوم العالمي للصحة النفسية، الأحد 10 أكتوبر، مع مرحلة، يتعافى فيها جسد العالم وعقله أيضًا، من تداعيات وباء كورونا، الذي لم تقتصر نتائجه على الموت أو الجانب العضوي، وإنما طال الصحة النفسية لملايين البشر، فلاتزال الندوب التي تركها في نفوس كثيرين في أنحاء العالم، لم تنتهِ بعد، بين حالات قلق واكتئاب، قد تحتاج وقتًا طويلًا، ليبرأ أصحابها منها.

أصيب محروس ذو الـ29 عامًا، في يونيو 2020، أثناء ممارسته عمله، يقول: “ضعف الجانب التوعوي، وضعف العمل على هذا الجانب بشكل عام، وعدم تهيئة المجتمع لتقبل مثل هذه الأوبئة، شكل عائقًا كبيرًا أمامي، وكنت على وشك الاستسلام”.

ويؤكد محروس بحزن أن “الأعراض العضوية لازمته على مدى عام، فيما لاتزال التبعات النفسية تلازمه إلى اليوم”.

من جانب آخر، كان الصحفي علاء الجناني، منهمكًا مع بداية الوباء وإعلان حالة الطوارئ، بإعداد التقارير التلفزيونية، وكان النزول الميداني لأحد المخيمات سببًا رئيسيًا لإصابته.

يقول الجناني، وهو مراسل تلفزوني في حديثه لـ” المشاهد” : “كان شعوري بالخوف مضاعفًا، كوني حديث عهد في العمل مع إحدى الجهات آنذاك، فكنت أفكر بخسارة عملي، إضافة إلى كوني مريضًا بروماتيزم القلب”.

عمد علاء إلى الخروج كل 4 أيام لكي لا يخسر عمله، وهو ملتزم بإجراءات التباعد الاحترازية، حتى خارت قواه، من وطأة كورونا على جهازه التنفسي والعصبي على مدى 3 أسابيع، والتي التزم خلالها الحجر الصحي في منزله.

ويعبر عن حالته بقوله: “لقد نجوت من الموت أمام تلك الأعراض التي واجهتها، ولكني لم أنجُ من الآثار النفسية”.

الدعم النفسي بعد التشافي الجسدي

يعرِّف الاستشاري فؤاد أبكر، الدعم النفسي والاجتماعي بأنه “سلسلة متصلة من الدعم والرعاية التي تؤثر على الفرد والبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الأفراد، وتمتد هذه السلسلة من أفراد الأسرة ومقدمي الرعاية والأصدقاء والجيران والمدرسين، إلى العاملين في مجال الصحة وأعضاء المجتمع ضمن علاقات رعاية يومية مستمرة تجمع بين التواصل والتفاهم والحب غير المشروط”.

إقرأ أيضاً  تعز : الابتهاج بالعيد رغم الحرب والحصار

ويرى أبكر أن “حالات عدم الاستقرار التي يواجهها الصحفيون خلال تواجدهم على الجبهات الأمامية في مواجهة “كورونا”، وسعيهم لنقل الصورة الواضحة والشفافة للمواطنين، يسهم بالتأثير على صحتهم النفسية”.

ويؤكد في حديثه لـ” المشاهد” أنه “في زمن الأوبئة والكوارث الطبيعية، لا بد من تقديم ما يعرف بخدمة الدعم النفسي، بخاصة للصحفيين، لمساعدتهم على تقبل الأزمة ومواجهتها، كونهم من أكثر الفئات عرضةً للإصابة”.

كاهل الذنب النفسي بنقل العدوى

إلى جانب ذلك، يتعرض أعضاء الأسرة الإعلامية لقدرٍ هائل من الضغوط والإجهاد، فضلًا عن أنهم يواجهون في الغالب خطر العدوى المحتملة خلال أسفارهم والمقابلات التي يجرونها والأماكن التي قد يجدون أنفسهم يعملون فيها، مما يفاقم لدى الصحفي الخوف والشعور بالمسؤولية.

نجوى حسن، صحفية رغبت بمشاركة تجربتها النفسية وقت الإصابة بكورونا. تحكي أنها لم تكن ملتزمة بالعزل المنزلي بين عائلتها، كونها صحفية، وكررت لهم أكثر من مرة تخوفاتها من الخروج اليومي.

وصدق إحساسها، فعند إصابتها بالوباء في 2020، انتشرت العدوى بين أفراد عائلتها، وتوفي أحد أقاربها، ما ضاعف حزنها.

وتقول نجوى ذات الـ٢٣ عامًا، من أبناء تعز في حديثها لـ” المشاهد” : “إن افتقار المجتمع لثقافة الصحة النفسية، وبالتالي الدعم النفسي الحقيقي، جعلها على حافة الموت نفسيًا”.

وتضيف: “إن الصحفيين عند تغطيتهم لأخبار انتشار فيروس كوفيد 19، ستلاحقهم نظرة الشك حتى من عائلاتهم وأصدقائهم، بشأن المخاطر، وأن ردة فعل هؤلاء في الغالب تكون سلبية، الأمر الذي من شأنه أن يثبط عزيمة الصحفي”.

وتردف: “إن الناس وإن كانت لديهم معلومات عن الفيروس، فهم لا يصدقونها، بل يشككون فيها، ما نتج عنه حالة من الهجوم لكل من يصاب، بخاصة في ظل المعلومات المضللة التي تنشر”.

مخاطر وإجراءات وقائية

أدى تفشي جائحة كوفيد 19، إلى تفاقم تهديدات الصحة النفسية، إذ ينتشر الخوف من الفيروس أسرع من الفيروس نفسه، والتبعات الأخرى للوباء مثل فقدان سُبُل العيش، وإجراءات الإغلاق، وفقدان الأسرة والأصدقاء؛ فضلًا عن التغيرات في الروتين المعتاد، وانقطاع التعليم. هذه الأمور مجتمعة فاقمت الخطر على الصحة النفسية على المدى القصير والطويل.

وتزداد حدة تلك المخاطر على الصحة النفسية أكثر في مناطق النزاعات المسلحة كاليمن، إذ تكون فيها موارد الصحة النفسية والدعم النفسي إما نادرة، أو غير موجودة.

ويشدد الاستشاري فؤاد أبكر، في حديثه لـ” المشاهد” على أن توفير “الدعم النفسي” للمصابين أمر ضروري، لأن “الإنسان عدو ما يجهل”، و”كلما زادت المعلومات، خفت حدة الخوف والأمراض النفسية”. ويشير إلى أهمية تفقد إدارات المؤسسات الصحفية أو الجهة، أحوال صحافييها بوتيرة منتظمة، للتعرف على كيفية مواجهتهم للصعاب، ولتقديم النصح والدعم لهم عند اللزوم.

يقول عماد السقاف، المسؤول الإداري لنقابة الصحفيين بتعز، إن “إخضاع الصحفيين لجلسات دعم نفسي من وقت إلى آخر، يصبح ضروريًا لمساعدتهم في تجاوز ما يمرون به، لكن للأسف لم نتلقَّ دعمًا للتصدي للمرض، ولا يوجد لدينا رصد بالزملاء الصحفيين الذين أصيبوا بكوفيد 19”.

يعد الدعم النفسي للصحفيين أحد أوجه الدعم الذي سعى ويسعى مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي (منظمة غير حكومية)، لتقديمه للصحفيين اليمنيين من مختلف المناطق اليمنية.

وقد قام المركز في السابق، بالتعاون في تدريب مجموعات صغيرة من الصحفيين ربما لا يتجاوز عددهم 20 صحفيًا وصحفية، في هذا الجانب.

ويخطط لاستهداف أعداد كبيرة وبصورة أوسع، خلال المرحلة المقبلة، حسب ما قاله المدير التنفيذي للمركز، محمد إسماعيل.

مقالات مشابهة